عربية
عدد المساهمات : 47 تاريخ التسجيل : 03/06/2011
| موضوع: قراءة في مفهوم المساواة. بقلم د. منية العلمي الجمعة 18 مايو 2012 - 15:21 | |
| تعتبر قيمة المساواة في الفكر العربي المشتغل بالمجال الإنساني الحقوقي،إحدى أهّم مرتكزاته الإيديولوجية و إحدى ابرز أهداف مشروعه الإصلاحي،بل ليس من الإجحاف القول بأنها مشروعه المجتمعي الذي يرنو نحو تحققه في دوائر متنوعة تستشرف العالمية. و في هذا الصدد عمل هذا الفكر و لازال على إعادة الاعتبار لمفهوم المساواة كقيمة كونية ثابتة لا تقبل المزايدة من خلال تصديه بالخصوص لمعالجة دواعي نسبيتها في المدّونة التفسيّرية و الأدبيّات الإسلاميّة على خلفية القداسة التي أضفيت عليهما في المخيال الجمعيّ، و ذلك في غياب الاحتكام المباشر للنّص المقدّس نفسه بفعل المغالطات التاريخية التي أوقعت ذلك المخيال في قبضة المواضعات المتنوعة لفكر القائمين على شؤونه. فعلى مستوى المدونة التفسيرية الحديثة و المعاصرة ،حظيت المساواة كقيمة بعناية فائقة لتكرر حضورها في عديد التوجيهات القرآنية تصريحا و تلميحا و بصفة أدّق في الآيات المخاطبة للمرأة في خصوصيات جنسها أو علاقتها بالرجل،فلقد قارب المفسرة تلك المسألة بما ينّظر لمفهوم المقصديّة و الجوهريّة هذا على وجه العموم ،أما من جانب آخر فقد اكتسبت قراءتهم لتلك المسالة طابع النسبيّة في معالجة جلّ القضايا النسويّة بالاستناد لاعتبارات متعددة. فابن عاشور مثلا يعتبرها أصلا عظيما من أصول نظام الاجتماع الإسلامي،وهي من اجل ذلك ذات طرفين:طرف تظهر فيه بمظهر أدب إسلامي تابع للعقيدة الإسلامية يجب تخّلق المسلمين به، و طرف تظهر فيه بمظهر أصل تشريعي يجري على المسلمين لزوم المصير إليه و إلى فروعه في أنواع المعاملات،وهي بهذا الاعتبار أصلا من أصول التشريع، راعته الشريعة و يراعيه ولاة الأمور،و يحمل الناس عليه.(1) فيما ذهب غيره إلى القول بأنها إلى جانب العدل الأصل الأول للإسلام بل هما فرعان لتوحيد الله،فهو وحده الأكبر و الناس تحت لواءه نظراء.(2) و على هذا الأساس اعتبر الفكر الإسلامي المعاصر المساواة محورا مركزيّا في معالجته لكل المسائل الحقوقية و خصوصا تلك التي تعلقت منها بحقوق النساء، فلقد قرأ في مرجع المساواة أصلا و مقصدا و قيمة إنسانية كبرى من قيم الإسلام ،و إن كان الإسلام قد أخرج المرأة من حالة أشبه بالرّق في المرحلة الجاهليّة و مكنها من حقوق اجتماعية و مدنية لم تكن لتنالها لولا رؤيته الإنسانية الشاملة،فان قراءة المدونة التفسيرية لقضاياها و مسائلها لم تتبع النهج الذي ارتسمه الإسلام لها و لم تنفذ إلى أبعاد ما تشوف إليه بشأنها،رغم إقرارها بالمساواة أصلا هاما من أصول التشريع و غاية إسلامية كبرى جاءت الشريعة لأجل إثباتها و حمايتها،فما هو وجه المعضلة إذا؟و لماذا اختلف القراءتان رغم اعتبارهما المتميز لنفس هذه القيمة التي بلغت درجة الأصل و المقصد في آن؟ ترتّد إشكالية المساواة في منظور المدونة التفسيرية و في منظور الكتابات الحديثة و المعاصرة إلى اختلاف كليهما حول الأبعاد المفهومية التوظيفية لها وهو اختلاف يشي باختلاف في رؤية كلا القراءتين للمرأة كفرد داخل المجموعة و كانسان. فالمدونة التفسيرية لا تختلف من حيث المبدأ بإقرار المساواة بين الجنسين كما أقرّها القرآن : *في القيمة الإنسانية قال تعالى:” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”(سورة الحجرات 49/13) و قال كذلك في محكم تنزيله:” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء. “(سورة النساء4/1) فاصل البشرية جميعها ينحدر من نفس واحدة و هذه النفس تم تكوينها من طينة هذه الأرض فالناس جميعهم لآدم و ادم مت تراب. و يتبع هذا الإقرار من القرآن الكريم بالمساواة الكاملة في الإنسانية بين الرجال و النساء،أنه رفع عنهن لعنة الخطيئة الأولى التي تلبست بهن في الحضارات السابقة كما في الجاهلية و في الرواية التوراتية ،فكل من الزوجين وسوس لهما الشيطان و استحق التوبة و الغفران و الندم،قال الله تعالى:” فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ”(سورة البقرة2/36) “قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ”(سورة الاعراف7/23). *المساواة في التكاليف و الواجبات الدينية و من يتتبع الآيات القرآنية في توجيههما الأحكام التكليفية،دينية كانت أم دنيوية،أخلاقية أو تعبدية ،يجدها موجهة لعموم الناس، و إن ورد الخطاب في كثير منها بلفظ المذكر.”و من اجل هذه المعلومات قرر الأئمة المجتهدون أن صيغ العموم التي في القران تشمل النساء مثل “من” الشرطية و “كل” و غيرهما،و أن جموع المذكر و إن كانت في أصل الوضع غير شاملة للنساء لكنها في الشرع شاملة لهن للأدلة الدالة على عموم الشريعة كما تقرر في أصول الفقه(…) و لان عادة العرب إذا خاطبوا جمعا فيه ذكور و نساء أن يجروا الخطاب بالتذكير على طريقة التغليب،و مقام التشريع يشبه مقام الخطاب،لان الأمة كلها مقصودة بتوجه الخطاب التشريعي.”(3) و كان أمر الله تعالى شاملا لآدم و حواء إذ خاطبهما معا بقوله:” وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ”(البقرة2/35) و المرأة من أول من آمن برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم،(السيدة خديجة رضي الله عنها)،و أول من استشهد في سبيل الدعوة(سمية أم عمار بن ياسر)،و كانت النساء أول من بايعه صلى الله عليه و سلم في بيعة العقبة عند أول تعاهد على الإسلام،و قد بايعنه منفردات عن الرجال،و أخذ صلى الله عليه و سلم العهد عليهن بالالتزام بأحكام الإسلام،قال سبحانه تعالى:” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ.”(سورة الممتحنة60/12) فلقد هدفت الشريعة الإسلامية إلى دعوة الذكر و الأنثى حتى تتجمع القوى،و يشتد صرح الأمة الإسلامية،إذ كلهم يؤمنون بالله و رسوله،يأتمرون يأوامر الدين وينتهون بنواهيه في حربهم و سلمهم،في أمنهم و فزعهم،في قوتهم و ضعفهم،قال تعالى:” وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ.”(سورة التوبة9/17)(4) *في الجزاء على الأعمال سلبا و إيجابا: إن مجالات التكليف مرتبطة وثيق الارتباط بمجالات الجزاء،فلا يجازى غير مكلف،قال تعالى:” منْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً “.(سورة النحل16/97) ،فالشريعة قد هدفت من خلال منهجها في إقرار التسوية بين الجنسين،إلى جعل الإنسان يتحمل المسؤولية عمله،قال تعالى:” كُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ”(سورة الاسراء17/13) ،و قال أيضا” وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى”(سورة فاطر35/18) فالعمل الصالح و الإيمان و النفاق و الكفر يحاسب عليه كل من الذكر و الأنثى،قال تعالى:” مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم”(سورة النحل16/97)،و قال أيضا:” مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ”(سورة غافر40/40)،و جاء في محكم تنزيله:” إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا”(سورة الأحزاب 33/35). و هكذا يتمظهر لنا الموقف القرآني من مسالة المساواة بين جنسي الإنسان الّذّكر و الأنثى سواء في تقويم النظرة الجاهلية بإقرار الإنسانيّة الكاملة للمرأة،و بتوجيه الخطاب لها بالتكاليف الدينية و الدنيوية،واعدا إيّاها كما الرّجل:” أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى”(سورة ال عمران3/95). و لقد أشادت المدونة التفسيرية جميعها بهذه الآيات من حيث كونها تقدم الدليل على تكريم الإسلام للمرأة و على إعادة الاعتبار إليها كانسان،بعدما كانت في الجاهلية لا تعد شيئا(5)،غير أنها لم تتعامل مع المساواة باعتبارها قيمة و مقصدا ثابتا في الإسلام إذ قلّصت من معانيها و سيجتها و ضيقت أبعادها و مداها،نتيجة رزوح المفسرة القدامى و استمرار رزوح المعاصرين منهم تحت وطأة المسلمات التقليدية،فإذا بهم في معرض إقرارهم بما أحرزته المرأة من وضع إنساني جديد بفضل الإسلام يحرصون على التضييق و التقييد،عوض المضي مع المد الانفتاحي للنص الذي بشرت به و أقرته و أكدته تلك الآيات،فالمساواة بين الرجال و النساء في القراءة التفسيرية هي مساواة نسبية لأنها و إن حاوطتها الآيات المذكورة بكل ثقل دلالاتها و معانيها،فان المدونة التفسيرية تواصل-بطريقة أو أخرى-في شرعنة الرواسب الجاهلية المقرة لدونية المرأة بتبريرات من داخل النص نفسه، كقوله تعالى:” وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ”.(سورة البقرة2/228). فمع اعتراف ابن عاشور مثلا بأن قوله تعالى:” وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ.”(سورة البقرة 2/228)هو أول إعلان عن العدل بين الزوجين في الحقوق و الواجبات(6) و مع اعترافه بأن هذه الآية قد أعلنت حقوق المرأة في الإسلام(7)، إلا أنه يعلّق عليها قائلا:” و قد ظهر هنا أنه لا يستقيم معنى المماثلة في سائر الأنواع و الحقوق أجناسا أو أنواعا أو أشخاصا لان مقتضى الخلقة و مقتضى المقصد من المرأة و الرجل و مقتضى الشريعة التخالف بين كثير من أحوال الرجال و النساء في نظام العمران والمعاشرة ،فلا جرم يعلم كل السامعين أن ليست المماثلة في كل الأحوال و تعين صرفها إلى معنى المماثلة في أنواع الحقوق على إجمال.” (8) فهذا التعليق لابن عاشور يكشف بوضوح عن نسبية مفهوم المساواة بين المرأة و الرجل في فكر المدونة التفسيرية إذ نقرأ التقييد و التضييق في معناها انطلاقا من مقتضى –الخلقة- على حد تعبير ابن عاشور ومقتضى –الشريعة- و مقتضى –المقصد- من كليهما ،و قد حدد ابن عاشور هذه الفوارق و هو لم يتطرق بعد إلى جملة و “للرّجال عليهنّ درجة”، مما يدل على أن القراءة محكومة بجهاز مفهوماتي ثابت في ذهن المفسر سوف يتبلور أكثر عند تفسيره لمعنى “الدرجة”، حيث يقول:” و للرّجال عليهنّ درجة” إثبات لتفضيل الأزواج في حقوق كثيرة على نساءهم، لكيلا يظن أن المساواة المشروعة بقوله:”و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف”مطردة(…) و هذا التفضيل ثابت على الإجمال لكل رجل،(…) و قوله و للرجال “خبر عن درجة ،قدم للاهتمام بما تفيده اللام من معنى استحقاقهم تلك الدرجة كما أشير إلى ذلك الاستحقاق في قوله تعالى :”الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض” و في هذا الاهتمام مقصدان أحدهما :دفع توهم المساواة بين الرجال و النساء في كل الحقوق توهما من قوله آنفا:”و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف” ،و ثانيهما :تحديد إيثار الرجال على النساء بمقدار مخصوص”(9) و يشرح ابن عاشور مقتضيات هذه الدرجة، زيادة في الإقناع باستحقاق الرجال لها ،إذ يقول:” و هذه الدرجة اقتضاها ما أودعه الله في صنف الرجال من زيادة القوة العقلية و البدنية”(10) و لتدعيم رأيه يحتج بان الذكورة في الحيوان تمام في الخلقة و لذلك نجد صنف الذكر في كل أنواع الحيوان أذكى من الأنثى و أقوى جسما وعزما.(11) و يمضي بعد ذلك ليبين لنا الصور العملية الشرعية لتلك الدرجة حيث يقول: “و هذه الدرجة هي ما فضل به الأزواج على زوجاتهم من الإذن بتعدد الزوجات للرجل دون أن يؤذن بمثل ذلك للنساء و ذلك ما اقتضاه التزايد في القوة الجسمية ووفرة عدد الإناث من مواليد البشر و من جعل الطلاق بيد الرجل دون المرأة و المراجعة في العدة كذلك، و ذلك اقتضاه التزايد في القوة العقلية و صدق التأمل”(12) كما جعل المرجع في اختلاف الزوجين إلى رأي الزوج في شؤون المنزل(…) و رجح جانب الرجل لان به تأسست العائلة و لأنه مظنة الصواب غالبا. (13) و بناء على تفسير ابن عاشور للمراد بالدرجة ،يتبين انه يرفض المساواة الكاملة بين الجنسين في كل الحقوق و هو بذلك يذهب مذهب القدامى الذين غلبوا العقلية الذكورية في قراءتهم على روح النص . هذه العقلية التي ليست في الواقع سوى جملة الرواسب التقليدية التي أبت إلا ان تصور المرأة باستمرار على أنها دون الرجل عقلا و خلقا و إنسانية، فهي في الغالب مخلوق ضعيف محدود الإدراك يحتاج من يعوله و يؤدبه ،فالفرق بين بين نصوص القران الكريم الانفة الذكر و التي أقرت للمرأة بالمساواة الكاملة مع نظيرها في الإنسانية: الرجل ،و بين المدونة التفسيرية الحديثة و المعاصرة* المغرقة في التقليد لبيئة فكرية و اجتماعية و اقتصادية غير التي أنتجت فيها . فلو تعاملت تلك التفاسير مع قيمة المساواة كمقصد من مقاصد الدين الجوهرية، لكان تفسيرها للدرجة التي للرجال على النساء تفسيرا انفتاحيا يرعى ذلك المقصد و لا يوجه القراءة نحو إثبات أفضلية الرجل المطلقة على المرأة بما يستحيل معه تحقق مفهوم المساواة التي يقوم عليها الدين باعتبارها أصلا من أصوله . و ذلك في اعتقادي ما يرتد إليه اختلاف المواقف من قضايا و مسائل المرأة بين التفاسير و الفكر الحديث و المعاصر، فهذا الأخير قد وظف المساواة توظيفا مقاصديا غائيا كاملا، ذلك أن حقوق الإنسان في الإسلام يتم البحث عنها عنده، في الكليات و المبادئ العامة، أما الجزئيات فأحكامها قابلة دوما للاجتهاد لأنها تطبيقات و التطبيق يختلف من زمن إلى آخر و من ظهور وجه للمصلحة إلى ظهور وجه آخر .(14) و نتيجة لهذه القناعات ،انخرط الكتاب المعاصرون في فكر غير فكر المفسرة في نظرته للمرأة، فهم ينظرون إليها كفرد كامل مسؤول في مجتمعه تماما مثل الرجل و ينظرون إلى المجتمع لا بمفهوم الاسلمة بل بمفهوم الحداثة و التمدن، و من هنا اكتست المساواة عندهم قيمة مركزية فهي مفهوم كامل غير مجزأ لا يقبل النسبية باعتبارها ركيزة أساسية من ركائز الديمقراطية،” فمن أهم مبادئ حقوق الإنسان مبدأ المساواة بين البشر فلا فرق بينهم بسبب الدين أو الجنس أو اللغة أو العقيدة و يعتبر مبدأ المساواة بصفة عامة هو حجر الأساس لكل مجتمع ديمقراطي يتوق إلى العدل الاجتماعي و إلى حماية حقوق الإنسان و يعد هذا المبدأ من الديمقراطية بمثابة الروح من الجسد و بدونه ينتفي معنى الديمقراطية و ينهار كل مدلولا للحرية” .(15) فالإنسان ذكرا كان أو أنثى هو غاية كل النظم الدولية ،و ما وجدت هذه النظم إلا من اجله و من ثم فقد أصبح اهتمام القانون الدولي بالفرد و حقوقه و حرياته أمرا طبيعيا، و بات الفرد موضوعا أساسيا من موضوعات حقوق الإنسان .(16) و يعتبر وضع المرأة في أي مجتمع انعكاس واضح لمستوى العدالة الاجتماعية فيه، و ينطوي على مجموعة معقدة من العوامل المترابطة و يوصف وضع المرأة عادة في أي مجتمع من حيث مستوى دخلها وعمالتها و تعليمها و صحتها و الدور الذي تقوم به في الأسرة و الجماعة و المجتمع.(17) و يشكل مبدأ المساواة بين الرجل و المرأة أهم ركائز منظومة حقوق الإنسان التي مثلت واحدة من قضايا الخلاف بين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و المجتمع الإسلامي،و الخلاف في حقيقته لا يتعلق بمبدأ المساواة الذي هو محل اتفاق من الجميع، و إنما هو اختلاف بين مفهوم المجتمع الغربي و مفهوم المجتمع الإسلامي للمساواة.(17) فالفكر العربي المعاصر قد أخذ بالمفهوم الأول للمساواة أي المفهوم الغربي،إذ تحولت المساواة عنده إلى إيديولوجيا اجتماعية تقنن لمكانة الفرد في المجتمع و دوره فيه سواء كان ذكرا أو أنثى،و و فقا لهذه الايدولوجيا عالج تلك القضايا و المسائل،و اعتبرت مواقفه حولها ذات المواقف التي تشوف الإسلام لتحقيقها في شأن المرأة بناء على مفهوم للمساواة و بناء سياسته التشريعية المتدرجة، و بعيدا عما اجتثه المفسرة من كمال دلالاتها،و في هذا الصدد يقول بلعيد:”و الحقيقة أن الاتجاه التقدمي و الانفتاحي هو طريق النجاة من المصاعب التي يتخبط فيها المجتمع الإسلامي المعاصرو على خلاف ادعاءات الفقهاء القدامى فان هذا التمشي الجديد زيادة على أن المعطيات الاجتماعية تفرضه بصفة حتمية،لا يتعارض البتة مع الاتجاه الإصلاحي للقران الكريم الذي وضع مبدأ المساواة بين الرجل و المرأة من البداية،لهذا فانه يتعين علينا مواصلة هذا العمل الإصلاحي مهما كانت معارضة الأطراف الرجعية في المجتمع الإسلامي المعاصر و التي تستغل هذا النظام الاجتماعي الظالم .و لكن واضح من كلامنا هذا،أن محل الانتقاد هنا ليس الإسلام و إنما و بالذات أولئك اللذين يستغلون الإسلام و يقولونه عكس ما يقول قصد الانتفاع من مشروعية الاحتفاظ بمكاسبهم و امتيازاتهم الامشروعة.(18) فبلعيد يؤكد أن القراءة التقدمية و الانفتاحية للنص هي من صميم الإسلام و من روح أحكامه،فالإسلام هو الذي اقر منذ البداية مبدأ المساواة الكاملة بين الرجل و المرأة و بالتالي نخلص من كلام بلعيد إلى نتيجتين هامتين: الأولى:أن اعتبار المساواة في نظر الفقهاء القدامى هو اعتبار ذاتي و غير موضوعي لانهم طوعوها كمفهوم لصالح الإبقاء على الامتيازات الذكورية التي ترسخت منذ الجاهلية. الثانية:أن المساواة النسبية ليست من الإسلام في شيء،و بالتالي فان اعتبارها لدى الفكر العربي المعاصر كمقصد كلي و كقيمة خالدة مبثوثة بين ثنايا النص،ليس سليل رؤية غربية مستوردة إنما هو ترجمة إسلامية صرفة لما تشوف إليه الدين في شأن المرأة. إن اعتبار المساواة مقصدا جوهريا من مقاصد الدين التي تعبر عن روح أحكامه،هو بلا شك منهج متميز في القراءة انتهجه الفكر العربي المعاصر، وهو بذلك قد سار على نهج القران نفسه في اعتبار لهذه القيمة أصلا من أصوله التي لا يتعداها،و قد أفصح عن ذلك في آيات كثيرة منه،فهذا الفكر لم يصنع الحدث بتوخيه منهج القراءة المقاصدية القائمة على اعتبار مبدأ المساواة،في فهم العديد من أحكام الدين عموما،و أحكام المرأة بصفة خاصة. ذلك أن هذا المبدأ مبثوث بين جميع ثنايا النص فهو فلسفته التي انتظمت عليها أحكامه و توجيهاته، فان كانت قراءة”علماء الدين”و معالجاتهم لهذا المبدأ تنطق بالنسبية، فان إعجاز القران في إحدى مفاصل قراءته التعددية يتشوف نحو تحقيق المساواة الكاملة بين جميع البشر انطلاقا من التوحيد كمضمون جوهري في رسالته،إذ لا معنى للتوحيد في غياب التعددية. و عليه فانه من أوكد مقتضيات الدولة الديمقراطية الحديثة المستندة في قوانينها إلى نصوص الشريعة هي أخذها بالاعتبار انفتاح النص في أحكامه، لان الأحكام جزئية ،مرحلية ،متغيرة و ذلك هو التشريع ،بخلاف روحه فهي منسابة،خلاقة،ثابتة،و تلك هي الشريعة و ذلك وجه استمراره و سر ختمه و بقاءه. الهوامش 1–ابن عاشور،محمد الطاهر:اصول النظام الاجتماعي في الإسلام، الشركة التونسية للنشر –الدار العربية للكتاب ، تونس ،1979 م ،ص:144. 2-الجندي،عبد الحليم:القران و المنهج العلمي المعاصر،دار المعارف،القاهرة 1404ه/1984 م،ص:306 3-ابن عاشور أصول النظام الاجتماعي في الاسلام،م،س،ص:99 4-كركر،عصمت الدين:المرأة من خلال الآيات القرآنية، الشركة التونسية للتوزيع ،1979 م، ص:172 5-كما جاء على لسان عمر بن الخطاب في قوله:”كنا لا نعد النساء شيئا” الذي اخرجه البخاري في صحيحه،مكتبة الثقافة الدينية،ط1،2004م،كتاب اللباس،حديث رقم:5843،ص:696. 6-ابن عاشور:التحرير و التنوير :الدار التونسية للنشر ،تونس،1984 ،ج:2،ص398 7-ابن عاشور:أصول النظام الاجتماعي في الاسلام،م س،ص :98 8-ابن عاشور:التحرير و التنوير،م س ،ج :2،ص:398. 9-ابن عاشور:ن م ،ص:401 10-ن م ،ن ص. 11-ن م ، ن ص 12- ن م ، ن ص 13- ن م ، ن ص *و اخص بالذكر تفسير الزحيلي الذي بقي في شأن المرأة غير معتبر للتغيرات السريعة في أوضاعها،و التي كان من المفروض وهو الفقيه المعاصر،أن يعتبرها في معالجاته لمسائل المرأة،انظر قراءته خصوصا لتعدد الزوجات و القوامة. 14-غليون،برهان(و آخرون):”حقوق الإنسان العربي”(17)،مركز دراسات الوحدة العربية،الدار البيضاء-المغرب،بيروت-لبنان،الطبعة الأولى،1999،ص:113 15-شحاته،ابو زيد شحاته:مبدا المساواة في الدساتير العربية،رسالة دكتوراه،كلية الحقوق،جامعة عين شمس،2001،ص:29.ورد عند:فهمي،خالد مصطفى:حقوق المراة بين الاتفاقيات الدولية و الشريعة الاسلامية و القانون الوضعي،دار الجامعة الجديدة،الاسكندرية،2007،ص:1 16-الفار،عبد الواحد محمد:قانون حقوق الانسان في الفكر الوضعي و الشريعة الاسلامية،دار النهضة العربية،القاهرة،1991،ص:53. 17-محمد عبد الجواد محمد:حماية الامومة و الطفولة في المواثيق الدولية و الشريعة الاسلامية،منشاة المعارف،الاسكندرية،1991،ص:91 18- غليون،برهان(و اخرون):”حقوق الانسان العربي”،م.س،ص:112 19-بلعيد،الصادق:القران و التشريع، مركز النشر الجامعي ،ط 2،200م،ص 119م نشر في حرية المرأة, دراسات,
| |
|