tahar
عدد المساهمات : 897 تاريخ التسجيل : 26/02/2010
| موضوع: قراءة سريعة في مفهوم "أرض" ضمن شعار " أرض- حرية- كرامة وطنية السبت 30 يوليو 2011 - 11:00 | |
| الأرض مفهوم حمال أوجه ، متعدد الجوانب، غني بمعناه المباشر و دلالاته الحافة ورمزيته: في هذا الشعار تكتسي لفظ الأرض مفهوما أساسيا يتمحور حول المجال الاقتصادي -الاجتماعي المتمثل في ضرورة تمكين الفلاحين الفقراء من حقهم في الأرض وإنتاجها وثروتها بحيث يتقلص مدى اغتراب الفلاح عن إنتاجه ، ولعل المجتمع يصبو في مرحلة لاحقة إلى حل هذا التناقض وهذا الاغتراب حلا جذريا بأنماط من العمل التشاركي غير الاستلابي، مع الحرص على سد الطرق والمنافذ التي قد تؤدي إلى إعادة إنتاج كل أشكال العبودية المستحدثة للتكنوقراطيين والبيروقراطين والوسطاء والسماسرة... و غير ذلك. وتحليل هذا البعد يطول، وليس هذا مجال هذه الخاطرة، بيد أن الوقوف عند عتبة الاقتصادي لمفهوم الأرض يفقره رغم أهمية معالجة هذه المسألة ، لاسيما في المجتمعات التي يتميز اقتصادها وبنيته الهشة والمتخلفة بالتبعية للامبريالية وقصر النظر على هذا الجانب والإسراف فيه يسبغ عليه طابعا اقتصادويا قد يبدو جذابا إلا أنه -كما أثبت ذلك التاريخ القريب - سريعا ما يغدو مهترئا ومتآكلا. رمز الأرض في هذا الشعار لا يعني فقط البعد الاقتصادي بل يتأسس إذن على البعد المعاشي ليعلو عليه، وهو يتخطاه ليرمز إلى الهوية العربية الإسلامية في بعدها الانتروبولوجي والتاريخي والاجتماعي ؛ فالهوية من هذا المنحى إذن لا تعني الجانب الشعائري (صلاة-شهادة-صوم...)و لكنها في الوقت ذاته لا تناقضه بل تحترمه. وإذ يوحي هذا الرمز إلى البعد الإسلامي من الهوية فإنه ينظر إليه بمفهومه الحي كممارسة حياتية، كعيش مشترك، ولكن أيضا يسعى إلى صقله بحيث يغدو مفهوما شعبيا واسعا ويرمي إلى تهذيبه وربطه بالأرض لا بالسماء فحسب؛ فالعدل عدل في الدنيا والحق حق في التنظيم الاجتماعي القائم على المساواة والعدالة؛ بحيث ينفى ما ران عليه في عصور الإقطاع وشبه الإقطاع والاستغلال والانحطاط من جبرية وخرافة وربطه بمصلحة الشعب والطبقات المحرومة منه على وجه الخصوص من خلال الحق في الأجر العادل والمجزي والناجز والفوري، وبالإضافة إلى ذلك التعاون والتضامن في الشدائد والمحن وعيش الافراح المشتركة ايضا. و يتعامل معه كقيم كونية قد تكون لها خصوصية محلية ونكهة خاصة مثل كيفية فهم السلم والعدل والاحسان والتطلع للخير والرحمة والمودة و أشكال تطبيقها الرحيمة والتسامحية على امتداد التاريخ. ثم إنه يفهمه كرموز تقدمية وإنسانية لا يمكن نكرانها وهي مركوزة في الذات الثقافية تحترم الإبداع العلمي والفكري والفني والأدبي وتحث عليه لا بمجرد الدوران في فلك النص الديني بالضرورة بل بالقول في النص الديني وحوله وحتى خارجه من أجل الحلم بالغد الافضل. و الارض رمز لعلاقات غنية ومتشعبة تحكم البنية الاجتماعية من قبيل الانتماء والمصاهرة والجوار وعلاقات العمل والإنتاج المادي والرمزي على حد سواء. ولرمز الأرض صلة بالهوية اللغوية أيضا؛ إذ لا ينظر إلى اللغة باعتبارها نسقا مجردا أو نظام قواعد ولا حتى كأداة إبداع فكري أو أدبي أو علمي فقط وإنما باعتبارها لسان شعب تضبطه قوانين التداول (براغماتيك) ويشمل كل أشكال التواصل بما فيها المعرفة العلمية و الفلسفية؛ فاللغة من هذا المنظور ليست معزولة عن شرطها التاريخي إذن وإنما في صلتها بالوجود الانتروبولوجي والاجتماعي. إن مفهوم الأرض، بالمعاني الواردة على سبيل المثال لا الحصر، يؤسس للمواطنة الواسعة ببعدها الشعبي والجماهيري، وبهذا المفهوم يتم فك الاشتباك بين المكون الأغلبي للهوية وبقية المكونات الأخرى عرقيا ومذهبيا وفكريا بما في ذلك الإيمان واللإ-إيمان؛ فهو إذن مفهوم يصالح التونسي/ العربي الاسلامي حضاريا - مع جميع مكونات ذاته الثقافية مصالحة واعية وبانية مع الاحتفاظ بحرية مسؤولة بما في ذلك حرية الإيمان واللا-إيمان فضلا على الحرية الفكرية والإديولوجية والفلسفية ...إلخ-. Larbi Ben Thaier
| |
|