ثورة الإنسان في تونسبقلم : وليد الشريفثورة على البطالة، على الفقر، على الهوان، على الذلّ، على الجبن، على الخنوع، على الغشّ، على الكذب، على الزّيف، على الرّداءة، على السّماجة، على التكرار، على الملل، على الرّتابة، على ثقل الدّم، على البغاء السياسي و الإعلامي و الثّقافي، على العبارات الممجوجة، على التهميش، على تكميم الأفواه، على التّغييب، على التزلّف، على الحمق، على البلادة.
هي ليست ثورة الياسمين، و لو أن الاسم يكون ناجحا لملهى أو مقهى. هي لا تنحصر في الخبز و الكرامة و الحريّة. إنها تتعدّى كلّ هذا إلى مضمون أشمل و أعمق و أرقى. هي حرّكت كلّ جميل في الإنسان. كلّ ما ينشد الإنسان في أعماقه من ذكاء و حريّة و كرامة و أخلاق و حبّ للمرح و توق للجمال و رغبة في التّحليق. هي ثورة الإنسان في تونس ليعانق إنسانيّته و ينطلق في الفعل.
و هذه الثورة أجلّ من أن تختصر في إسقاط ذلك السوقيّ الفارّ أو إسقاط نظامه السياسي أو المجتمعي أو الاقتصادي. كلّ هذا ما هو إلا نتاج للثورة. أمّا الثورة ذاتها فهي حصلت في داخل كل وعي تونسي. انتصر التونسي على نفسه القديمة القابلة و المستكينة للذلّ و الهوان و الإنحطاط الإنساني، القانعة الخانعة المتخوّفة المكبوتة الراضية بمرتبة العبوديّة. قتل التونسيّ نفسه ليحييها من جديد.
الحديث عن حماية الثورة عن طريق أسماء أو مجالس ما هو إلا محض أوهام. الثورة أحيت كلّ وعي و كلّ نفس و حماية هذه الحياة لا تكون إلا بالفعل الشخصيّ الدّائم و الرقيّ بلا توقّف.
لا إسم يحمي الثورة و لا حزب يضمن حالتنا الجديدة. نحن من نكرّس وضعنا الجديد و نصنع مستقبلا جديرا بأن يعاش.
لن يكون بيننا طاغية آخر و لن نرجع للرّداءة مرّة أخرى. لا لأنّ نظامنا سيكون برلمانيّا أو أن برلماننا سيكون قزحيّا. و لا لأنّ رئيسنا سيكون طيّبا أو أن وزراءنا سيكونون وديعين متواضعين و دمثي الأخلاق. لكنّ لأنّنا نحن، نحن لن نكون عصا الطّاغية الطّويلة، لن نكون ديكوره، لن نكون شهداء زور، لن نخدمه، لن نكون جنده، لن نكون صحفيّيه، لن نكون قضاته، لن نكون محاسبيه، لن نكون أعوان إدارته، لن نكون شرطته، لن نكون أداة في يد الشّيطان. اليوم عيوننا متقدّة بالشعلة المقدسّة. اليوم أنفاس الإله في صدورنا. اليوم ذهبنا أبعد ممّا جال بخاطر أبو القاسم الشابي. هو الذي وصف حالة من لم يتعوّد صعود الجبال، لكنّنا صعدنا الجبال فليسمح لي باقتباس بيته الشعري الشهير ليصبح :
"و من يتعوّد صعود الجبال أبت نفسه العيش بين الحفر"
إذا ظهر بيننا طاغية فسيكون وحيدا كئيبا، يأمر فلا ينفّذ أحد، يكذب فلا يصدّق أحد، يأمر بالجلد فلا يستجيب الجلّاد، يأمر بالقتل فلا ينصاع السيّاف، يأمر بالظّلم فلا يطاوعه القاضي. سيدور حول نفسه يائسا ثم لا يجد بدّا من قتل نفسه ليرسلها إلى الجحيم أو ليحييها من جديد. و يلتحق و لو متأخّرا بثورة الإنسان في تونس.