عمار عبيدي ـ
يتصاعد دخان الجدل كلما قصفت قوات التحالف الدولي ليبيا حول أهداف هذه
الضربات على هذا البلد الذي يشهد معركة غير متكافئة بين كتائب القذافي
والثوار، ففي حين يدعو الداعمون للضربات على القذافي الى التخلي عن
شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»؛ الذي تبناه العرب منذ ما يقارب 60
عاما ولم يجلب الا الديكتاتورية والتخلف.. يذهب المناهضون لهذا التدخل الى
أن سجل الخذلان الغربي لحركات التحرر العربية حافل وأن «العدوان على ليبيا
ليس سوى وجه آخر لهذا التخاذل...
يؤكد الاعلامي والسياسي نور الدين المباركي أن هجمات التحالف على القذافي هي
عدوان عسكري بقطع النظر عن الأسباب، خاصة وأن أكبر طرف دعا إليها ودعمها هو
الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي يريد حسب محدثنا إسقاط أنظمة عارضت
قيام مشروع الاتحاد المتوسطي الذي طرحه في سنة 2007 وهي ليبيا والجزائر
وسوريا، وبالتالي فهذه الثورات حسب تعبيره هي «فرصة ليتحقق هذا المشروع عبر
إسقاط القذافي في مرحلة أولى ثم النظام السوري الذي بدأ تسخين الأجواء
لذلك من خلال مظاهرات درعا التي سقط بسببها إلى حد يوم الخميس 25 قتيلا،
والجزائر قادمة»...
ويستند المباركي إلى تاريخ هذه البلدان المشاركة في الضربات الجوية على ليبيا،
وحيث يفتقر سجلها إلى مصطلح حماية الحريات والديمقراطية، بل على العكس من
ذلك فتدمير العراق وبقاؤه منذ 2003 إلى اليوم دون تحقيق الديمقراطية أكبر
دليل ادانة لهذا الغرب.
ويتساءل محدثنا عن عدم تدخل هذه القوى في الصومال إذا كانت فعلا تريد الحريات.. بل
يتساءل أيضا أين كانت هذه القوى في الحرب على غزة أو في العدوان على لبنان؟
وانطلاقا من تطور تصريحات المسؤولين الغربيين الذين تحدثوا عن تدمير القدرات الجوية
للعقيد الى تدمير كل القوات المقاتلة التابعة له وصولا إلى حديثهم أمس عن
عجز قوات الثوار عن المسك بزمام المبادرة أمام قوات العقيد؛ مما يعني حسب
السيد نور الدين المباركي أن التحالف يخطط للدخول إلى ليبيا برا تحقيقا
لمبتغاه في احتلال هذا البلد.
«جبهة مقاومة العدوان»
وقد كانت قوى سياسية وشخصيات وطنية قد أعلنت عن قيام الجبهة الوطنية لمقاومة
العدوان على ليبيا واعتبرت الجبهة انها تميز حسب بيانها بين مسارات الحرية
والديمقراطية العربية الناشئة وبين ما أسمته مسارات الخيانة والعمالة لفتح
بوابات الوطن العربي، إذ تساند الجبهة كل نهوض ديمقراطي شعبي مستقل وتناهض
الاستعمار والاستقواء بدوائره المشبوهة.
ودعت الجبهة الشعب التونسي إلى ضرورة الوقوف في وجه ما أسمته العدوان الغربي
على ليبيا ومحاولات الغزو المباشر المدعوم بالإعلام العربي المشبوه والمسلط
على جميع الامة العربية، كما تدعوه إلى ضرورة التنبه إلى محاولات جره
إعلاميا لخدمة الأجندات الامريكية والأطلسية. واعتبرت الجبهة أن هذا
«العدوان الأطلسي» ما هو إلا حلقة أولى تمهد الطريق للعدوان على سوريا
وإنهاء دورها الحاضن للمقاومة في لبنان وفلسطين وكذا الإعداد للعدوان على
الجزائر. وبخصوص هذه
الجبهة الوطنية لمقاومة العدوان على ليبيا فان المباركي يرى كمراقب أنها
يمكن أن تقوم بدور ايجابي من خلال تظاهرات ولقاءات إعلامية لكشف هذا المخطط العربي.
«معارضة الضربات.. مزايدات»
يعتبر الدكتور عبد الله التركماني باحث في الشؤون الإستراتيجية، أنه من الخطإ
معارضة الضربات على ليبيا لأن مبدأ حماية الشعوب ترسخ في الأمم المتحدة
زيادة على أن هذه الضربات كانت «بمباركة» الجامعة العربية التي أعطت الضوء
الأخضر للغرب لبداية الغارات الجوية، ونفس الأمر ينطبق على الحكومة المؤقتة
التي دعت مع انطلاق المعركة مع أنصار العقيد إلى هذا التدخل.
ويؤكد التركماني أن معارضة بعض الأطراف العربية لهذا التدخل هو نوع من»
المزايدات القومَجية اليَسراوية والإسلامَوية» التي لا تهدف إلا لتسجيل
موقف، ويعتبر أن أصحاب هذه الرؤية لن يكون لهم تأثير كبير على مجريات
الأحداث. كما يرى
أن المشهد الإقليمي يتطلب دراسة واقعية وهي التي ستفضي إلى اتخاذ قرارات
صائبة في هذه المرحلة التي تستجيب فيها القوى العالمية لإرادة التحرر لدى الشعوب.
وينفي الدكتور عبد الله التركماني أن تكون الأطماع النفطية وحدها وراء التدخل
ويشدد على أن لكل دولة مصالح تعمل من أجلها، لكن النفط الليبي يمكن أن
يجدوه في الأسواق فلم القيام بحرب لتأمينه.. فالكثير من النخب العربية على
حد قوله ينقصها النضج السياسي لتدرك الطريق الصحيح، وتبقى الديمقراطية هي
الطريق الوحيدة لإحداث الوحدة العربية وتحرير فلسطين.
وبالنسبة للتركماني فمن الضروري أن نرى العالم بتشابك مصالحه وتناقضها ومن ثمة نبحث
عن مصالحنا إذ من الملح أن نتخلى عن الشعار الذي التزمنا به طيلة الستين
سنة الماضية وهو»لا صوت يعلو فوق صوت المعركة».
وأما عن نهاية الأحداث فيذهب محدثنا إلى أن العقيد سيستميت وسيزيد من الاعتماد على البنية القبلية في ليبيا، لكن مسار المعركة محسوم لصالح الثوار.