عبد المجيد
عدد المساهمات : 1467 تاريخ التسجيل : 18/03/2010
| موضوع: المجلس الوطني التـأسيسي (م.و.ت): أو الخطيئة الكبرى! الأحد 15 سبتمبر 2013 - 23:34 | |
| الصباح 14/09/2013 بقلم: خالد عبيد: لم أشأ أن أُدْلي بدلوي في هذه المهاترات الدونكيشوتية في تونس بخصوص المأزق الحالي الذي نعيشه، بالرغم من شعوري بأنّ صفقة ما بصدد الطبخ، قد تسكّن الوضع لكن لن تحلّ المشكل بالتأكيد.
سبق لي أن أعلنت منذ أشهر بأنّ هذا المجلس الوطني التأسيسي الذي سنذكره لاحقا بصفة اختزالية بــ: (موت) لم تعد له شرعيته التاريخية التي أفقدته مشروعية الوجود، ويعني هذا الموقف بوضوح، أنّه حتى إن واصل المجلس التأسيسي أعماله - خاصّة في ظلّ غياب جزء من نوّابه - فإنّ ذلك لن يمنحه هذه الشرعية التي افتقدها في ذات اليوم الذي انحرف فيه مبكّرا عن مسارّه.
ويترتّب عن هذا الموقف أنّه حتّى وإن اتخذ هذا المجلس قرارات، أو أصدر الدستور، أو سنّ قانون الانتخابات وكوّن هيئة الانتخابات، فإنّ ذلك لن يعفيه من أن تكون قراراته منقوصة وفاقدة لأثرها التاريخي وإن هلّل البعض بمكاسبه، لأنّ هذه القرارات تبقى مؤقتة في انتظار إلغائها على وقع الحراك التاريخي.
لقد كان هذا (الموت) خطأنا الأكبر أو لنقل بوضوح خطيئتنا الكبرى التي سنجترّ تداعياتها لعقود، لأنّ بعض الذين دفعوا دفعا لتبنّيه، كانوا يعتقدون آنذاك عن وهم أنّهم يعيشون ثورة حقيقية أو مسارّا ثوريا حقيقيا، وباتوا يتخيّلون أنفسهم في زمن الثورة الفرنسية ويمنّون النفس بأن يكون بعضهم على غرار عظماء هذه الثورة، لكن، فات هؤلاء أنّهم كانوا يعيشون وهْمًا اسمه "ثورة"، ولمّا أفاقوا من غشيتهم، باتوا الآن يتنادون لإسقاطه لكن، بعد فوات الأوان، لأنّ الطرف الوحيد الذي استفاد من هذا "الغباء" المنقطع النظير، غير مستعدّ بالمرّة للتنازل عن غنيمة هذا (الموت).
ولعلّ أخطر ما في هذا (الموت) الحالي الآن هو إصرار من فيه - بأوامر من يمسك خيوط اللعبة من خارجه - على مواصلة المشوار إلى النهاية في غياب المنسحبين، لأنّهم يعتقدون أنّهم بهذا الصنيع قادرون على الختم، إلاّ أنّ إنجازهم سيولد ميّتا حيّا ولن يصمد طويلا في الزمن التاريخي، ما دام قد بُني على الإقصاء تماما مثل سلفه المجلس القومي التأسيسي.
وهنا لا يمكن أن نقارن بين المجلس القومي التأسيسي (المقت) لسنة 1956 الذي كان أساس مرحلة التكيّن الدوْلتي التونسي، فأرسى أسسها القائمة إلى الآن، والتي لم تتمكّن الهزّات من هدمها، وبين هذا (الموت) الحالي الذي تعثر في خطواته وتخبّط في سيْره أو أُريد له كذلك، إذ كانت ظروف التأسيس الكياني عسيرة للغاية، وبالرغم من ذلك، تمكّن هذا المجلس القومي التأسيسي من أن ينجز الدستور المعروف بدستور 1959 في أقلّ من ثمانية أشهر على عكس ما يُشاع منذ مدّة بأنّه بقي فيه أكثر من ثلاث سنوات.
ليست لي رغبة في أن أفيض أكثر في علاّت هذا (الموت) والتي عشنا بعضها على المباشر، ولن ينفع التنادي بمواصلة المشوار في محْوها، وستبقى عالقةً تَخِز ضمير كلّ من ساهم في هذه المأساة – المهزلة، ولن يحقق هذا الإكمال الذي تترجّاه أصوات المتشبثين بالبقاء في قبّة شرعيته القطيعة التاريخية المرجوّة، بالنظر إلى مساهمة البعض في تناثر هذه الشرعية، عندما رهنوا قرارهم السيادي خارج أسوار هذا (الموت)، وسيكون حكم التاريخ على هذا (الموت) قاسيا خاصّة وأنّه كرّر بعض خطايا سلفه (المقت)، وأقْسى إذا تمادى في خطيئته الكبرى إلى النهاية.
الأكيد أنّ موقفي هذا لن يعجب البعض، لكن أن أصدع به الآن أفضل بكثير من أن أحاسَب يوما على صمتي، ولست أدري لماذا لم يطرح فقهاء القانون الدستوري في تونس فكرة قد تكون مدخلا لحلْحلة الوضع في تونس؟ وهي أن يتحوّل هذا المجلس الوطني التأسيسي (الموت) إلى برلمان تشريعي، خاصّة وأنّ الحكومة الحالية تسوّق تراكم مشاريع القوانين العديدة والمستعجلة حسب قولها، ضمن حججها الداعية إلى ضرورة استئناف هذا المجلس لأعماله في أقرب وقت، واقتراحنا ليس بدعةً، إذ لدينا في التاريخ ما نعتمد عليه ونقيس عليه، وذلك في فرنسا سنة 1946، ولعلّنا نوفّق بذلك بين تشبث "الترويكا" ببقاء المجلس التأسيسي بناءً على ذرائع وحجج "وجيهة" تتخوّف من فرضية الفراغ المؤسّساتي إذا ما حُلّ المجلس، وبين مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل التي تعتمد على خبراء القانون الدستوري كي يشرفوا على إنجاز الدستور وتقييد صلاحيات هذا (الموت).
أمّا مسألة تنقيح الدستور الصغير من عدمها وبقاء المؤسّسات المنبثقة عن هذا (الموت)... ومن سيوافق على الدستور المرتقب؟ فتلك تفاصيل يتقنها أهلها وأعني هنا خبراء القانون الدستوري.
هذا ما لديّ حرصت على تدوينه مستحضرا في ذات الوقت ما كتبته ذات يوم 27 سبتمبر 2011 أي قبل حوالي شهر من انتخابات 23 أكتوبر، ومُفسحا المجال للتدبّر قبل فوات الأوان:
" أعتقد أنّه إن نظرنا إلى أحداث أيّام ديسمبر 2010 وجانفي 2011 على أنّها أيّام ثورية بمعنى أطاحت بنظام دكتاتوري ليحلّ محلّه نظام آخر تعدّدي حقيقي مرتقب من خلال المجلس التأسيسي، فإنّ ذلك أمر جائز كثيرا، شرط أن يكون أعضاء المجلس التأسيسي المرتقب على قدر كبير من المسؤولية، وأن يتجرّدوا من حزبياتهم الضيّقة وأجنداتهم الخفيّة والمرئية، وأن يضعوا نصب أعينهم أنّهم أمام فرصة تاريخية لن تتكرّر، وهي إمّا الانتقال بتونس إلى دولة الحرّية والكرامة الحقيقية تماما مثلما نادت بذلك جموع المتظاهرين الغاضبين، وإمّا التدحرج بها إلى هاوية المجهول إن عَدّوا هذا المجلس متنفّسا للمكبوت الواعي منه واللاواعي، الفردي منه والجماعي، الذاكري منه والحيني، وحلبة نقاشات سفسطائية عقيمة….".
<< | |
|