من مكر القدر أو لعلّ من حكمته أن يكون اسمه سامي ويكون اسمها سامية. وأن يأتي بهما في نفس الزمن ليكون في قصّتيهما عبرة لأولي الألباب.
فالإثنان سَموْا بهما فوق القانون.
فأمّا سامي فسَموْا به فوق القانون ظلما وعدوانا. حكمت له محكمة التعقيب أكثر من مرّة. وأبى القائمون بالأمر تنفيذ الحكم وإقامة الحقّ.
وأمّا سامية فسَموْا بها فوق القانون زورا وبهتانا. كالت التهم جزافا ورمت الناس بالجرائم بصريح العبارة. وأبى المشرّعون للأمر رفع الحصانة عنها فجعلوا بينها وبين القانون سدّا.
ولذلك رأيت في القدر مكرا وحكمة. فهو ماكر إذ يجعل من المنادين بتحصين الثورة ليلا نهارا هم الذين يجب تحصين الثورة منهم لعدم احترامهم القوانين ولتعدّيهم على حقوق الناس.
وهو حكيم إذ يبيّن لنا فشل الاعتماد على الوازع الديني وحده لإدارة العلاقات بين الناس وسياسة أمورهم. فمن يصرّ على هضم حقّ سامي لا يكون إلّا واحدا من هذان الاثنان :
الشخص الأوّل :
هو شخص استقرّ في قناعته أنّ سامي مذنب يستحقّ العقاب حتّى وإن حكمت محكمة التعقيب بغير ذلك. فهو بعدم الإفراج عن سامي يحسب نفسه أداة للعدل الإلهي ومحقّقا لإرادة الله. وهو يبات راضيا عن نفسه معتقدا أنّه بريء أمام المولى.
وهكذا يمكن لأيّ إنسان في أيّ موقع أن يحسب العدل الإلهي في شيء يراه وحده ويستقرّ في قناعته وحده فيطبّقه ولو كان خارقا للقانون. فيتصرف كلّ حسب فهمه وعلمه وشعوره ويصبح العيش فوضى والتصرفّات اعتباطيّة.
الشخص الثاني :
هو شخص يقرّ في نفسه أنّ العدل في تطبيق قرار محكمة التعقيب وأنّه إذ يمتنع عن تنفيذ قرارها إنّما يأتي عملا شريرا وسيّئا غايته المصلحة. بيد أنّه ولكي ينام ونفسه راضية، يستذكر حسناته ويراجع ميزانه فيذهب في ظنّه أنّ في ميزانه ما يمحو هذه السيّئة وأنّ الكفّة مائلة للخير أكثر منها للشر فيغفر لنفسه هذه الزلّة.
وهكذا وإذا اعتمد كل نفس التفكير يعمّ الظلم والفساد والكلّ حاسب أنّ ميزانه ثقيل وأن في رصيد حسناته ما يغطّي على سيّئاته.
إنّ الوازع الديني يمكن أن يهذّب الأفراد ولكن لا يمكن أن يسوس العلاقات والتعامل بين الناس. فالذنب من الوجهة الدينيّة يمكن أن يمحوه العمل الخير. أمّا اختراق القانون فلا يمحوه عُمْرٌ من العمل الحسن والتصرّف القويم وهو يوجب العقاب مهما كانت حسنات مقترفه.
قبل زمن لامتناهي وأمام العرش رفض إبليس تطبيق الحكم وظنّ أنّه يمتلك الحقيقة أو لعلّه حَسِبَ أنّ في ميزانه ما يشفع له عدم الإذعان للحكم. فخرج منها مذموما مدحورا إلى يوم الدّين.
وليد الشريف