عبد المجيد
عدد المساهمات : 1467 تاريخ التسجيل : 18/03/2010
| موضوع: مقال بعنوان "تشويه صورة تونس" لمحمد كريشان، الأربعاء 19 سبتمبر 2012 - 10:22 | |
| مقال بعنوان "تشويه صورة تونس" لمحمد كريشان، جريدة القدس18 سبتمبر 2012 ---------------------------------
'أحداث العنف والتخريب والسرقة التي طالت مبنى السفارة الأمريكية، يعد تشويها للصورة الجميلة للثورة التونسية في العالم'... هذا ما قاله مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي في تونس وهو يعاين الأضرار التي لحقت بالمبنى الجمعة الماضية.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تخدش فيها صورة البلاد وتشوه، لكنها بالتأكيد المرة الأوضح والأقسى. ظل المسؤولون في الحكومة التونسية يكابرون طوال الأشهر الماضية بالقول إن صورة تونس في الخارج جيدة، عكس ما يروجه معارضوها في الداخل إلى أن حصل ما حصل للسفارة الأمريكية ومدرستها الملحقة من تخريب وحرق ونهب، ستدفع تونس المنهكة اقتصاديا تكاليفه بالكامل، وإلى أن رأينا 'المدافعين عن الإسلام ورسول الله' يخرجون محملين بكومبيوترات السفارة! صورة تذكر بالهمجية والاستباحة التي عرفتها بغداد في نيسان (أبريل) 2003 بعد سقوط النظام واحتلال البلد.
ما حصل في تونس الجمعة الماضية نتيجة طبيعية لتراجع هيبة الدولة وضياع سلطتها، بفعل الحسابات السياسية الخاطئة - لحركة النهضة بالدرجة الأولى والمتحالفين معها في الحكم بالدرجة الثانية - التي جعلتهم لأشهر متسامحين أو مجاملين أو متواطئين تجاه المد السلفي العنيف في البلاد. هذا التيار السلفي، الذي أرعب الجميع واعتدى على كثيرين في بلد سياحي لا يتحمل ذلك، يجد اليوم من قادة حركة النهضة من يدافع عنه ويبرر له، مع أنه تحدى الجميع واستهزأ بالحكومة التي باتت أجهزتها عاجزة حتى عن مجرد اعتقال المحرضين من زعمائه. الأدهى أن المتهمين في كثير من حالات العنف والفوضى التي تورط فيها هذا التيار الهائج من دون كوابح ولا رادع يُعتقلون ثم يطلق سراحهم من دون أن يفهم أحد شيئا!
التونسيون طبعا يكرهون القمع والظلم، ولكنهم يرفضون غياب الأمن وميوعة الأجهزة، خاصة عندما يقدم وزير داخليتها تبريرات مضحكة للفشل في التصدي لمئات المتظاهرين امام السفارة الأمريكية. وعوض أن تتخلى الحكومة التونسية ووزراؤها عن مكابرتها ولجوئها الدائم، بمناسبة وبدون مناسبة، للحديث عن الثورة المضادة نراها الآن عاجزة عن استخلاص ما يجب استخلاصه من تغول التيار السلفي وتطاوله على الجميع، فوزير السياحة التونسي مثلا وصف قرار واشنطن بإجلاء موظفيها غير الأساسيين من تونس بـ'المبالغ فيه بعض الشيء' معربا عن أسفه لوضع واشنطن كلا من تونس والسودان في نفس الدرجة، عندما طلبت من رعاياها عدم التوجه إلى هذين البلدين.
لم يسأل هذا الوزير ولا حكومته كيف أوصلوا هم تونس إلى هذا المستوى، ولا كيف أصبحت هذه الحكومة ووزراؤها يتعاملون مع البلاد بمنطق الغنيمة ولا كيف أخذتهم العزة بالسلطة فسال لعابهم ودخلوا في صراعات مفتوحة مع الصحافيين والقضاة والجامعيين والفنانين، كل القوى المدنية تقريبا، حتى صارت المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان، التي لطالما تصدت لنظام بن علي وممارساته، تجد نفسها الآن في نفس الموقع السابق مع حكومة تفتخر بأنها شرعية وتعتزم البقاء في الحكم لسنوات.
هذا الوضع يزداد سوءا بتفاقم حيرة التونسيين تجاه المستقبل، فشرعية المجلس الوطني المناط به مهمة إعداد الدستور الجديد للبلاد تنتهي في الثالث والعشرين من تشرين الاول (أكتوبر) المقبل، ومع ذلك لا الدستور أطل ولا الناس تعرف متى ستجري الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة. كل هذا والحكومة مزهوة بنفسها ولا ترى في أعمالها إلا كل سداد، رغم بعض الفضائح التي طالت هنا أو هناك بعض وزرائها وإبداع بعضهم في توتير الأجواء وتأليب الرأي العام على الحكومة إلى حد لعن الثورة التي جاءت بأمثال هؤلاء إلى الحكم.
تونس في مفترق طرق خطير فإما أن تتخلى حكومتها عن عجرفتها وتعمل على إنهاء التسيب الأمني وقطع دابر مظاهر التطرف الديني المقيت وإطلاق حوار مع الجميع للتوصل إلى وفاق وطني شامل يحدد خارطة الطريق المقبلة في كنف التسامح وصون التعددية والحريات، وإما فالبلاد برمتها ذاهبة إلى الارتطام بجدار سميك... وما حادثة السفارة الأمريكية سوى بداية خبط الجبين على هذا الجدار. | |
|