ننشر لكم مقالا للصحفي المخضرم غسان بن جدو...يلومني الكثيرون على تجاھلي لما يسمونه
"ثورة الربيع العربي" وإصراري على إشاحة نظري عنھا بازدراء.. ويسوق لي
البعض المقالات والمقابلات وصورا من اليوتيوب .. لكنني لم أستطع ابتلاع ھذه
الثورات ولاھضمھا ولا استساغتھا.. وموقفي ليس عنادا ولا تشبثا بنظام ولا
بعھد بل ھو انحياز نحو عقلي وقلبي أولا وانحياز نحو كل ماتعلمته وقرأته ..
وأنا قرأت كل ماقرأت في حياتي كي أتمكن من استعمال عقلي في حدث مفصلي كھذا
.. وكي لا أسلّم بالأشياء فقط لأن الجمھور يريد ذلك ولأن بوصلة الشارع لا
تخطئ حسب ما يزعمون.. إنني لا أحب السير مع القطيع الذي تقوده الذئاب ..بل
وتسير بينه الذئاب .. ولا أحب الثورات التي لا تعرف نكھة الفلسفة ولا نعمة
الفكر فھذا برأيي ذروة الكفر.
الدمار الذاتيلا تلام الديكتاتوريات إذا لم تكن لھا فلسفة ولا فلاسفة
يعتد بھم وبفكرھم.. فالثيران لا ضروع لھا لتنتج الحليب.. ولا أتوقع أن تنتج
الديكتاتوريات فلسفة ذات أثر.. لكن لا يغفر للثورات فقرھا بالفلسفة وغياب
الفلاسفة والمفكرين عنھا وھم الذين يضيؤون ويتوھجون بالأفكار.. والثورات
العظيمة يوقدھا عظماء وتضيئھا عقول كالشھب وتتكئ على قامات كبيرة ترسم
بالنور زمنا قادما بالقرون .. وغياب ھؤلاء يسبب تحول أي ثورة إلى مجرد تمرد
أھوج وانفعال بلا نتيجة سوى الدمار الذاتي..
غسان بن جدوصراعات اجتماعية عميقة الثورات الشعبية عادة ھي انعكاسات لصراعات اجتماعية عميقة
.. وسلوك الثورات انعكاس لفلسفة بعينھا تغذيھا.. فلكل ثورة صراعھا وفلسفتھا
وقاماتھا.. وبالتالي لھا أبطالھا على الأرض وفلاسفتھا.. وغياب الفكر
والفلسفة يجعل الثورة تمردا ليس إلا ولاتحمل إلا صفات الانفعال الشعبي
والغوغائي.. فالثورة الفرنسية كانت رغم عنفھا وجنونھا ثرية بالفلاسفة
والمفكرين الذين صنعوا من فعل الثورة حدثا مفصليا في التاريخ عندما تحولت
ھذه الثورة إلى وسيلة صراع اجتماعي مسلحة بالفكر الثرّ وبالمنطق الذي
لايزال يجري في عروق قيم الحضارة الإنسانية.. كان الدم يسيل في طرقات باريس
ومن مقاصلھا ومن جدران الباستيل لكن كذلك كانت المصطلحات الثورية
والمفاھيم الكبرى الفرنسية الصنع والصياغة عن المساواة والحرية تطل من
الشرفات وتضيء مع شموع المقاھي .. وتفوح كالعطر من مكتبات الثورة
ومؤلفاتھا.. فكدنا نرى مفكرين وفلاسفة وكتبا أكثر من أعداد الغوغاء التي
اجتاحت باريس .. فلاسفة الثورة الفرنسية ومفكروھا كانوا أكثر عددا من
الثوار الذين زحموا الطرقات .. وكذلك كانت ثورة البلاشفة في روسيا فبرغم أن
من قام بھا كانوا على درجة كبيرة من الأمّية (الذين أطلق عليھم
البروليتاريا) فإنھا اعتمدت على فلسفة عملاقة ھي الماركسية والماركسية
اللينينية وكل متخماتھا من جدلية ھيغل ومادية فيورباخ ..ويروي المؤرخون
حادثة تدل على أن من قام بالثورة البلشفية لم يكن يعرف ما تقول فلسفة
الثورة لكنه كان منجذبا إلى حد الانبھار بفلاسفتھا وفلسفتھم دون أن يفقه
منھا شيئا لكن مفكري الثورة كانوا يعرفون عن البروليتاريا كل شيء.. فقد كان
لينين الساحر المفوّه يخطب في حشد من الناس ويبشرھم بأن البروليتارية
ستقوم ببناء القاعدة المادية
الفولاذية للثورة .. وھنا اندفع احد المتحمسين من المحتشدين وصاح بتأثر
وحماس: أيھا الرفيق لينين ..إنني حدّاد وأنا سأضع كل إمكانياتي وخبرتي في
صناعة الحديد في بناء ھذه القاعدة الفولاذية .. بالطبع ما قصده لينين كان
غير "المصطبة الحديدية" التي قصدھا الحداد ..
تسويق الربيع العربي واليوم يحاول الكثيرون تسويق الربيع العربي على أنه ثورة
من ثورات العالم الكبرى التي تتعلم منھا الأمم والشعوب برغم أن ھذا الربيع
لا يعدو في أعلى مراتب التوصيف أن يكون تمردا اجتماعيا متشظيا قائما على
الانفعال العاطفي الوجداني لجمھور تائه لا يختلف عن الحدّاد الذي أراد أن
يبني "مصطبة" القاعدة المادية الفولاذية للينين.. فقد غاب عنا في ھذه
الثورة العربية "المترامية الأطراف" من شمال أفريقيا إلى اليمن السعيد والى
سوريا شيئان مھمان ھما فلاسفة الثورة الكبار ومفكروھا ..وكذلك غابت كليا
فلسفة الثورة.. واللھيب الذي نراه اليوم لم يوقده فلاسفة ولاعمالقة ولا
قامات ولا ھامات ولا فكر ..ھذه ثورات أوقدھا النفط والجھل وحديث التعصب
والتدين السياسي. وليس القھر والحرمان والديكتاتوريات.. أما فلاسفتھا
الحقيقيون فلا يتكلمون العربية !!..
حقيقة مؤلمة البحث عن ماھية فلسفة ثورة الربيع العربي عمل شاق
للغاية..والأكثر شقاء ھو البحث عن فلاسفة الثورة والخزانات الفكرية الضخمة
التي تستمد منھا الثورات الكبرى طاقتھا الخلاقة.. وقد حاولت ولشھور طويلة
متابعة شخصيات ھذه الثورة وكتاباتھا وكتابھا ولاحقت عيناي كل المقابلات
الصحفية والبرامج التحليلية لكنني ما التقيت سوى الخواء وما وجدت نفسي إلا
في صحراء قاحلة بلا واحات وبلا نخيل عالي القامات.. وبلا قوافل المؤلفات
الكبيرة .. ولم أجد قامات مفكرين ناھضين في الثورة كأنصال السيوف ..عجبا ھل
أقفرت الثورات العربية العابرة للقارات من تونس إلى سوريا مرورا بمصر
واليمن من أية مرجعية فكرية تستند عليھا الجماھير ..وتضبط سديمية ھذه
الجماھير وغوغائيتھا ..؟؟ من جديد يعاتبني الكثيرون على إنكاري لوجود ثورة
ويبعثون إليّ بالمناشير ومشاھد اليوتيوب والمقالات ومقاطع المقابلات..ولكن
عذرا أيھا السادة فلا أزال مصرا على انه لا توجد ثورة عربية ولا ربيع عربي
بل انفعال اجتماعي وقوده مال ونفط وفلاسفته أوروبيون .. ھذه حقيقة مؤلمة ..
إن كل ما رأيناه ھو حركة فوضوية لجمھور بلا قيادة وبلا قائد وبلا عقل
مدبر..وھنا كمنت الكارثة الوطنية.. فالربيع العربي "العظيم" لم ينتج أكثر
من منصف المرزوقي في تونس التي ذھب فيلسوفھا الصغير الغنوشي سباحة إلى
نيويورك ليقايض كتبه في ايباك بثمن بخس ھو "السلطة".. وھذه ليست من صفات
فلاسفة الثورات الذين تأتي إليھم الدنيا لتسألھم عن فعل الثورة ولا يذھبون
إلى تسول الاعتراف بثوراتھم .. ولم ينتج الربيع العربي في ليبيا سوى "مصطفى
العبد الذليل" الليبي فيما لم يكن ھناك مفكرون إسلاميون من وزن المفكر
الصادق النيھوم الذي كان قادرا على قيادة ثورة فكرية تقود الجمھور الغاضب
.. وفي كل ثورة مصر لم نسمع بمرجعية ثورية واحدة ..سوى شاب عشريني يسمى
وائل غنيم!! ..
الزعران والمجانين والفجيعة كانت أن كل ھذه الثورات تتبع مرجعية قطرية خليجية
مدججة بالزعران والمجانين وصغار الكتاب الذين كانوا أكثر أمية من الدھماء
في شوارع الثورات وأكثر عددا من المتظاھرين في أحياء الثورة السورية..
وكانت ھذه الثورات مجھزة بقاذفات الفتاوى الدموية الرديئة المخجلة والخالية
من الإنسانية والمليئة ب "الإسرائيليات" والأساطير .. في كل يوم يحاول
"فقھاء" الثورة العربية حل ھذه المعضلة والأشكال عبر ضخ أسماء عديدة ومنحھا
ألقابا مفخمة من باحث غالى أستاذ العلاقات إلى بروفيسور إلى رئيس مركز
إلى..إلى....والحقيقة ھي أن صنّاع الثورة والمدافعين عنھا يحاولون تجاوز
ھذه المعضلة الحقيقية خاصة بعد انھيار أسطورة المفكر العربي عزمي بشارة
واحتراقه حتى التفحم .. عزمي ھو الوحيد الذي لعب دور فيلسوف الثورة والربيع
العربي بإتقان.. كان مفوھا وكان في منتھى الدھاء فھو يوصّف الثورات
وأمراضھا بمكر وكان من الخبث لدرجة انه لامس الوجع الاجتماعي العربي وجعل
الناس تنسى أنه كان عضو كنيست إسرائيلي ومديرالأبحاث في معھد فان لير
الإسرائيلي في القدس .... والأكثر من ذلك أنه أنسى الناس أنه المفكر الذي
يعيش في كنف اللا فكر وتحت أبط الانحطاط الأخلاقي والثقافي وتحت رعاية أكثر
الأنظمة جھلا وقمعا .. وبعد تلك المقابلة المھينة مع أخيه علي الظفيري
وتوسلاته بتجنب الأردن في منظر صدم كل من شاھده رأى الناس احتراق الفيلسوف
الوحيد للثورات العربية كبئر نفط وقعت عليه كتلة من اللھب.. ولم تتمكن
الجزيرة وكل المعارضات العربية من إنقاذ حريق الفيلسوف رغم كل سيارات
الإطفاء .. الفلسفة قد تسقط لكن لا تحترق..والفلاسفة قد تحترق أجسادھم لكن
لا تحترق أقوالھم وقاماتھم .. واحتراق الفيلسوف يدل على تفاھة قيمه وأنه
مجرد ثرثار يردد مقولات الفلاسفة .. وعزمي كان يحترق بشدة وتنطلق منه غمامة
كثيفة سوداء كاحتراق الفوسفور المتوھج على أجساد أطفال غزة .. وسط دھشة
الجميع وانفغار الأفواه المذھولة ..
يستحيل إنتاج فلسفة أو خلق فيلسوفقللت الجزيرة من حضور الفيلسوف المحترق لكنھا عجزت منذ تلك الحادثة عن تصنيع فيلسوف آخر
وكانت كل محاولاتھا لنفخ الأبطال والمفكرين تصطدم بعقبة غريبة .. وھي ..أنه يمكن لھذه الثورات
والربيع العربي أن ينتجا مقاتلين ومتظاھرين وراقصين في الطرقات ومصورين
وممثلين على اليوتيوب لكن يستحيل إنتاج فلسفة أو خلق فيلسوف.. لسبب بسيط
أنھا ليست ثورات طبيعية وليست ثورات قائمة على تطور منطقي يصنعه جھابذة فكر
وعصارات عقول المجتمعات .. فالثورة عادة تأتي بعد نھوض الفلاسفة وإضاءاتھم
وزرعھم البذور واختمار أعنابھم.. أما أن ينھض الفلاسفة بعد الثورات
فمحال.. ومستحيل..والأكثر استحالة أن تنتج ثورة فلسفة.. لأن الفلسفة ھي
التي تنتج ثورة.. ولذلك انتبه الأستاذ الكبير محمد حسنين ھيكل إلى ھذه
الحقيقة وحاول إنقاذ ثورة عبد الناصر بحقنھا بالفلسفة.. فكانت محاولات
إطلاق فلسفة الثورة التي نجحت نسبيا لسبب واضح وھو أن ثورة عبدالناصر تميزت
أنھا لم تكن دموية ولم تكن ثأرية ..لكنھا كانت تعكس إضاءات فلسفات أخرى
مجاورة في الھند (غاندي) وفي روسيا (الاشتراكية).. وكانت تالية لانكسارات
وحطام الإمبراطوريات الكبرى بعد الحرب العالمية.. المعارضة السورية حاولت
نحت شخصيات رمزية وقدمت برھان غليون بطريقة دعائية صارت عبئا عليه وعبئا
علينا فھو رئيس مركز دراسات الشرق المعاصر وھو مؤلف وھو بروفيسور سوربوني
وھو كل شيء.. لكن أداءه الرديء وتناقضاته الفجة مع ماكتب في السابق طوال
عقود ضد الإسلاميين لم يجعله مفكر الثورة ولا فيلسوفھا.. فمن غير الممكن أن
يكون غليون فيلسوف الثورات الدينية وھو من خرّق المفاھيم الإسلامية وسفّه
تياراتھا عملا وقولا وكتابة.. علاوة على ذلك فان الفيلسوف ھو من يرفض
الانضواء في قيادة الثورة بل يغذيھا ويضيئھا..لكن غليون بدا صغيرا وضئيلا
وھو يستمتع بلقب الرئاسة لمجلس لا قيمة له.. وبدا أن أقصى طموحات الفيلسوف
ھو السير على سجاد أحمر وإمضاء الأيام في الفنادق الفخمة والحديث إلى كل
الفضائيات وقطف النجومية الإعلامية ولقاء مذيعات العرب وليلى وخديجة وبسمة و
و .. ولذلك لوحظ أنه بعد توليه رئاسة المجلس الوطني السوري طارت عنه صفاته
العلمية الخارقة فجأة وذابت توصيفات عبقرياته وانجازاته الفكرية وتحول من
مفكر وفيلسوف للشعب السوري وثورته إلى رئيس مجلس معارض ينتظر راتبه وتجديد
عقد عمله شھرا بشھر.. وكان سقوط كل صفاته العملاقة التي أسبغت عليه ھو
نتيجة منطقية لأن كل ما منح له من صفات كان مثل باروكة وألبسة وأقنعة
مسرحية طارت مع عاصفة مواجھة الميدان الفكري للفلسفة الثورية..فانكشفت
صلعته بعد أن اقتلعت الريح الباروكة التي وضعتھا له الجزيرة.. ولن يجديه
بعد اليوم الھرولة خلفھا..فلن يظفر بھا.. في ھذه الرياح العاتية التي لا
ترحم..وربما كانت غلطة عمره لأنه انخرط شخصيا في العمل السياسي بدل بقائه
بعيدا كرمز فكري وملھم للثورة..وكان من الممكن أن يكون في مرحلة ما ضمير
الثورة وأن يوصل الجميع إليه كأب فكري للثورة.. لكنه ولغياب عبقرية
الفيلسوف وسطحيته الفكرية قبل أن يستعمل كالغطاء لوجه الثورة الديني ..
وقبل بالعمل لدى أعرابي جاھل مثل حمد..وبالعمل لدى ھيلاري كلينتون بوظيفة
مصطفى العبد الذليل..باسم برھان الفيلسوف الذليل..
غياب أي فكر خلف ھذه الثورةومن سوء طالع الثورة السورية انه لا توجد أسماء أخرى يمكن
تصنيعھا لملء الفراغ ..والسبب ھو غياب أي فكر خلف ھذه الثورة..ولكن السبب
الأھم كما أعتقد ھو أن الفلسفة الحقيقية للثورة والفلاسفة
الحقيقيين للثورة ليسوا في صفوف الثوار بل في أعضاء مجلس الأمن الغربيين..
وبنبش المزيد من الأتربة التي تغطي وجه ھذه الثورة سنصل إلى مفكر الثورة
وفيلسوفھا الرئيسي وھو الفيلسوف برنار ھنري ليفي .. وفلسفة ثورته ھي في
الحقيقة اللجوء إلى التدمير الذاتي للقوى الاجتماعية العربية عن طريق إطلاق
التمرد الشعبي وحرمانه من الفكر الذي يوجه سديميته ..فيتحول إلى فوضى
يتحكم بھا فلاسفة الثورة الحقيقيون في الغرب وعلى رأسھم ليفي نفسه ..
بالطبع ما يثير السخرية الشديدة ھي الثورات المدججة بالھزال الفكري والقحط
والتي تشبه مواليد المجاعات الأفريقية ..ويكفي الاستماع للفيلسوفة رندة
قسيس مثلا وتعذيبھا للغة العربية وحروف الجر وإرغام الفعل المضارع على أن
يكون مجرورا من رقبته بالكسرة ومضموما إلى فعل أمر!!.. بل إصرارھا على
إطلاق زخّات العلم والمعرفة بالحرية حتى كدنا نظن أنھا ابنة توماس مور ..
ويكفي الاستماع للفيلسوفة فرح أتاسي ومرح أتاسي وكل رھط الأتاسي حتى نعرف
إلى أين وصلت بنا المآسي عبر فلسفة الأتاسي .. أما الإصغاء أو قراءة فيلسوف
الثورة السورية الذي يرتدي قبعة "ايمانويل كانت"أي - محمد عبدلله- فيوحي
أن الفلسفة تمر بأزمة نفسية خطيرة خاصة عندما نقرأ تحليله لأسباب الفيتو
الروسي الأخير.. فقد كدت أقوم من جلستي لأصفق له لأنه الوحيد الذي ھزم
دونالد رامسفيلد..لأنني لم أفھم كلمة واحدة مما قال وذكرني ما قاله ھذا
الفيلسوف بما قاله دونالد رامسفيلد عن المجھول والمعلوم عندما قال: "ھناك
أشياء نعرف أننا نعرفھا، وأشياء نعرف أننا لا نعرفھا، وأشياء لا نعرف أننا
نعرف أننا نعرفھا، وأشياء نعرفھا ولكن لا نعرف أننا نعرفھا" ..
الثقوب والعيوب ولا أبالغ إن قلت أن ماقاله رامسفيلد أكثرثراء من مقالة
محمد عبدلله عن الفيتو الروسي..وأنصحكم بقوة أن تتجنبوا قراءة ماكتبه
فيلسوف الثورة السورية (نسخة ايمانويل كانت) محمد العبدلله لأنه مقال شديد
الثقوب والعيوب والرتوق والفتوق والرقع الفلسفية كما تعودنا منه..وقد
تنفتقون ضحكا.. ولارتق لمن ينفتق فتقا فلسفيا..ثوريا.. في غياب مفكري
الثورة الكبار وفلاسفتھم العقلاء وفلسفتھم تجد أن الجماھير العربية تعيش
أقصى حالات التعتيم والظلام والتوھان.. لدرجة أن مثقفين كثيرين ومتعلمين
وليبراليين ومھاجرين في مؤسسات علمية من أطباء ومھندسين يساندون الثورات
دون أن يواجھوا أسئلة فلسفية مخيفة من مثل: كيف لثورة أن يقودھا قطري جاھل
وسعودي يؤمن بنقاب المرأة أن يقود تحررا ديمقراطيا؟ وكيف يمكن لمن اقتحم
الفلوجة العراقية بالسلاح الكيماوي وارتكب الفظائع وأكل لحوم البشر فيھا
وروى مياھھا الجوفية بالمواد المسرطنة ..كيف له أن يبكي على مدينة حمص
السورية المحشوة بالمقاتلين المغرر بھم والقتلة وسلاح بلاكووتر الذي أحرق
الفلوجة العراقية السنية؟ كيف نصدق الأمريكي الذي يبكي على حمص وھو بالأمس
حوّل الفلوجة "السنية" الى ھيروشيما الشرق..؟؟ كيف نصدق ھذا الغرب في بكائه
على حمص وھو منذ أشھر قليلة أمسك غزة من عنقھا لتذبح وثبّت أيدي وأرجل
لبنان على الأرض كي يتمكن الإسرائيلي من ذبحه..
اليوتيوب الآن في غياب مفكري الثورة تجد أن لبيراليين عربا وسوريين ملؤوا
صفحات الانترنت بالشعارات الثورية وأعلام الثورات وصور اليوتيوب دون تبين
..اليوتيوب الآن - بكل مافيه من فقر توثيقي وفبركات - ھو من يقود النخب
المثقفة لأن الصورة لا الفكر ولا المفكرين ھي من يحرك العقول عندما تغيب
الفلسفة والمنطق والمنھج العقلي .. ولم تسأل ھذه النخب إن كانت الثورة تضرب
المنشآت النفطية للبلاد وتحرق المعامل وتنتقم من النظام بقتل عماله وإفقار
شعب الثورة؟ وفي غياب الغطاء المنطقي الفكري للثورة لايسأل ھؤلاء أسئلة
سھلة من مثل: إذا لم تؤيد منطق العرعور فلماذا لا تدينه علنا وتطلب لفظه من
المجلس الوطني؟ وكيف لرجل مزواج مطلاق كل صوره السعيدة مع الزعماء العرب
وھم يستقبلونه بحفاوة ويبارك حكمھم (وھو القرضاوي) أن يكون ملھم الثوار
ولينينھم؟ بل وفي غياب العامل المنطقي لا نستغرب أن وصل الأمر ببعض
المھرجين الناطقين باسم الثورة أن يستبدلوا السيد حسن نصر لله بإسرائيل
..ويصل الأمر أن علم إسرائيل يرفع في حمص ويتسلل متحدث ثورجي لجعل تدخّل
إسرائيل لحماية الشعب السوري في حمص مقبولا .. فقر المنطق ھنا أبقاه جلدا
على عظم ..فالتخلص من نظام يبرر بيع وطن..وفق فلاسفة الثورة ..
الديكتاتوريات التي ترحل لا يؤسف عليھا لكن ما يؤسف عليه ھو أن ھذه الثورات
تشبه فارسا مقطوع الرأس .. إنه فارس مخيف بلا ملامح ..وبلا حياة .. جثة
تتنقل من بلد إلى بلد على متن راحلة قطرية فيما ھي تتعفن وتنشر الوباء
والطاعون النفسي والأخلاقي ..والذباب والدود والموت والاستعمار الجديد ..
ولذلك لن نقول "فھاتوا برھانكم إن كنتم صادقين" .. بل خذوا "برھانكم"
وثورتكم ان كنتم صادقين مع أنفسكم .. وارحلوا ..