تناولنا في المقال السّابق مقترحا للتأسيس لمراجعة مناهج التعليم عبر قراءة الماضي قراءة عقلانيّة تتخلّص من الشوفينيّة و الأوهام بما يضمن تربية النشئ تربية قويمة تجنّبه ما تردّى فيه التونسيّون قرونا طويلة.
في هذا المقال سنطرح مقترحا ثانيا يهدف لمحاربة الإستبداد و الظلم و الإسهام في نشر قيم العدالة و احترام الإنسان.
لقد عانى الشعب التونسي من الإستبداد و الظلم و عدم إحترام حقوق الإنسان فترة طويلة كان لها أثر عميق في النفوس و في واقع حياته المعيش. دُمّرت حياة البعض و نُّغصت حياة الكثيرين و أُنهك الإقتصاد و عاش التونسيّون أموات أحياء بلا فرحة في الحياة بل بطعم المرارة لا يفارقهم.
و هذه العذابات و الخيبات حَرِيّة بأن تجعلهم سبّاقين إلى محاربة الإستبداد و ظلم الإنسان أيّا كان عنوانه و الوقوف مع الشعوب التي لا تزال تعاني من هذه الآفات قدر المستطاع.
و لئن كانت تونس تؤّكّد على مناصرتها القضايا العادلة للشعوب و خاصة قضيّة الشعب الفلسطيني فنحن نعتقد، و نحن نطوي صفحة غير ناصعة في تاريخنا، أنّ بإمكاننا التدرّج خطوة أخرى جريئة في مناصرة قضايا الحقّ و محاربة الإجرام في حقّ الإنسان. و تتمثّل هذه الخطوة في إدراج الاختصاص الكوني لقضائنا في الدستور فيما يتعلّق بالجرائم ضدّ الإنسانية و جرائم الحرب.
قد يتعلّل البعض بقلّة النتائج العمليّة لهذا المقترح لكنّ النتائج الرمزيّة عميقة و هامّة.
أوّلا إنّ إدراج هذا الاختصاص يساهم في ترسيخ فكر علويّة حقوق الإنسان و تجريم مقترفي الفظاعات في حقّ الشعوب.
ثانيا إنّ هذا الإدراج من شأنه أن يمكّن عديد المظلومين من جنسيّات مختلفة من استرداد و لو جزء معنويّ من حقوقهم عندما يتاح لهم محاكمة ظالميهم و التشهير بهم و يصبحون مطاردين جزاء لما اقترفوا.
إذا أردنا أن نقطع مع تركة الاستبداد و القمع و أن نرسي عقليّة جديدة و ننشر قيم الخير، فَلْنُؤَسّس : " إنّ الشعب التونسي عانى طويلا من الاستبداد و التعدّي على حقوق الإنسان. و هو يؤمن أن نشر قيم العدالة و احترام حقوق الإنسان هو السّبيل لبناء عالم يسوده السلم و التعاون و الازدهار. لذلك يعمل الشعب التونسي على مناصرة القضايا العادلة للشعوب في محاربة الظلم و الاستعمار و العنصريّة و الإرهاب و يُسند لقضائه الاختصاص الكوني في مجالات جرائم الحروب و الجرائم ضد الإنسانيّة ".
وليد الشريف
خبير محاسب