صدرت في الأيام الأخيرة عن منشورات كارم الشريف الباكورة الأولى للأعمال الشعرية للخبير المحاسب الأستاذ وليد الشريف المولود بمدينة صفاقس في 6 جوان 1977 والذي زوال دراسته العليا بمعهد الدراسات التجارية العليا بقرطاج .
وهي لعمري مفارقة تحيلنا مباشرة على صاحب رواية موسم الهجرة إلى الشمال الطيب صالح التي ترجمت إلى عديد لغات العالم وتربع بفضلها على عرش الرواية العربية وهو المتخرج في جامعة لندن متخصصا في الشؤون الدولية. كما جاءت رسوم الديوان من خبير في الشأن الاقتصادي بإحدى الجامعات الكندية الدكتور نزار الشعري.
الشعب: من هو وليد الشريف؟
هو وعي تشكّل في تونس و اقتات من مختلف المصادر الفكريّة أوّلا من العائلة ثم من الأدباء و المفكّرين العرب و من بعد من الأدباء و المفكّرين الغربيّين فاكتسب شجاعة فكريّة و شغفا بسبر أغوار الذات و المعرفة.
الشعب: يبدو العنوان جذّابا و لكن في آن واحد غريبا و غامضا. ما معنى» توبة إبليس «؟
هو أولاّ عنوان قصيدة يضمّها الديوان. و هي عبارة حبلى بالمعاني. هي تنطلق من قصّة آدم كما وردت في القرآن فالله عندما خلق آدم أمر الملائكة بالسّجود له فسجدوا إلا إبليس أبى و قال انه أرقى من الإنسان فهو خلق من نار و آدم من طين. لكن الله قال له إنّه عالم كلّ شيء. و في رأيي إنّ الإنسان بارتقائه في إنسانيّته عن طريق الحبّ و الحريّة و العلم و الأخلاق يبرهن إنّه جدير بأن تسجد له كل المخلوقات. و إبليس عندما يرى تجليّات الإنسان سيفهم لماذا أمره الله بالسّجود للإنسان و لا يجد بدّا من التوبة.
الشعب: ركّزت قصائدك في معظمها على المرأة و الحبّ، ألا ترى أنّها مواضيع مستهلكة؟
لا البتّة. أنا أعتقد أن هذه المواضيع هي عيون لا تنضب، تفيض بالمشاعر و المعرفة و الفنّ. المرأة بالنسبة إليّ هي تركيز لجمال الخلق
و هي تختصر روعة الطبيعة و إغراء الدنيا و عمق الفكر
و الفلسفة. أشعر أنّه في المرأة قد أودع سرّ إلهيّ يخاطب وعينا بإشارات خفيّة غامضة تزرع فينا توقا و شوقا و انطلاقا إلى فضاءات غامضة ساحرة واعدة بالفرح و المرح و السّعادة. و هي انفعالات حرّكت البشر و ستحرّكهم ما دامت الدنيا.
أمّا الحبّ فهو المشروع الإنساني الأبدي. هو قاهر الموت. هو الذي يتيح للإنسان أن يتحرّر من بوتقة وعيه الذّاتي و يقاسم الآخر في وعيه كما يمكّنه من فتح وعيه للآخر. إنه تحرير للذات، بل أقول أنه خطوة على درب التألّه، ألا ترى أن الله أراد أن يسكن كلّ وعي!
الشعب: في قصائدك مضمون فكريّ سواء في نظرتك للحبّ أو في قراءتك للواقع العربي، ألا ترى أنّك متمرّد؟
تماما، أنا متمرّد و شاكّ و غير قانع. بل أكثر من ذلك، أنا في الحقيقة ثوري. فالتمرّد يفترض حالة من التعرّض للظلم والاستبداد
و لكن أنا أحس بالثوريّة و بحالة انعتاق. لست أحسّ أني أرزح تحت ظلم أو استبداد أحاول أن أتحرّر منه. لعلي أعتقد أني تقدّمت
و أصبحت على مسافة من المقموعين و أنا أكتب شعر الانتصار ليكون حافزا للآخرين ليعشقوا الانتصار.
الشعب: لك ثلاث قصائد »نحن العرب !؟ !« و »شيخنا الأصفر« و »لم يعرف أنّه إنسان« رسمت فيها الحالة العربيّة فلِم تستعمل إلا اللّون الأسود؟ألا ترى هذا تشاؤما مفرطا خاصّة في ظلّ التطوّرات الأخيرة؟
أولاّ كتبت القصائد الثلاثة في فترة تسبق هذه الأحداث. الأولى سنة 1997 و الثانية و الثالثة سنة. 2006 و هي تترجم واقع الإنسان العربي المكبّل من داخل نفسه قبل كل شيء، الرازح تحت وطأة جهله
و جبنه الفكري و الوجداني. و أقول لك ان ثورتي تونس و مصر هما بمثابة هلال طلع للتوّ في العتمة قد يكبر فيصبح قمرا أو حتى شمسا تغمر الدنيا بالأنوار و قد يخبو فلا يبقى منه غير حسرة الذكرى. إنّ هذه الثورات إن لم تعقبها ثورات ثقافيّة و حضاريّة
و قيميّة فهي ستكون بمثابة الحوادث التاريخيّة المعزولة و ليست انطلاقا لعهود جديدة. إذا لم نمرّ من حالة الثائرين إلى حالة الثوريّين فسنبقى صغارا مقموعين كما كنّا تفترسنا ثقافة الهزيمة الداخليّة
و القمع الوجداني. إذا لم ننتقل إلى ثقافة الانتصار و الروح العالية المنطلقة المتوهّجة بالشعلة المقدّسة فلا تغيّر سيطرأ علينا.
الشعب: ماذا تهدي القرّاء من شعرك في ختام هذا الحديث؟
أهديه المقطع الأخير من قصيدة "ستحلو الأيام" :
لا تسلّم بالقبح و الظّلام،
و الجفاف سيطول....
لكنّه لن يجد بدّا من الانتحار،
فستحلو الأيّام...
و لن يحول أحد بينك...
و بين الغناء،
لن يمنعك أحد...
من الرّقص،
لن يكبت أحد...
دموعك،
لن يسلبك أحد...
ضحكتك،
وستعشق حتّى....الموت.
*حاوره : مصدق الشريف