afif
عدد المساهمات : 863 تاريخ التسجيل : 26/01/2010 العمر : 45
| موضوع: قراءة في رسالة "فيدل كاسترو" عن تطورات الأحداث في ليبيا الخميس 9 يونيو 2011 - 14:29 | |
| يقول "فيدل كاسترو" زعيم الثورة الكوبية متحدثًا عن صمود وكفاح بلاده ضد الولايات المتحدة: "كنا في لحظة من اللحظات سبعة رجال فقط، نحمل سبع بنادق فقط. ما كنا نستطيع الدفاع عن ثورتنا أمام قوة بحجم الولايات المتحدة... وخلال عامين فقط استطعنا أن نقهر جيشًا قوامه من سبعين إلى ثمانين ألف مقاتل!
لم ندافع عن بلادنا باستخدام أسلحة نووية، أو طائرات، أو أسطول بحري، بل دافعنا عن الثورة بفضل ملايين الرجال والنساء الذين كانوا مستعدين للموت...
نحن بلد محاصر ومغلق ويتعرض للاعتداءات، لذلك من حقنا أن نستخدم جميع الوسائل للدفاع والحفاظ على الثورة، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي، وإنما أيضًا على الصعيد السياسي والفكري، نحن نخوض معركة فكرية كبرى ضد الولايات المتحدة الأمريكية وضد الغرب.
إن ما نحن فيه الآن نتاج نضال دام أكثر من أربعين عامًا ضد عدو هو أقوى دولة في العالم، وقد اجتزنا كافة الاختبارات بنجاح، فواجهنا المخططات الإرهابية، وغزو المحاربين المرتزقة، وخطر الحرب، وخطر الهجمات المباشرة على مدى سنوات طويلة. صمدنا أمام حصار دام أكثر من أربعين عامًا، ونحن الآن نواجه حصارًا جديدًا مزدوجًا بدأ منذ عشر سنوات.
إن الدول الصغيرة عندما تقرر أن تناضل؛ فإنه بإمكانها أن تقهر أي قوة عظمى، والأمثلة على ذلك كثيرة، عندما يتبنى أي شعب قضية ما ويدافع عنها حتى النهاية، فإنه لا يمكن قهره.
إن كوبا قاومت حتى نالت الاستقلال، وتحولت إلى أكثر بلدان العالم حرية، ذلك لأنها لا تعتمد على صندوق النقد الدولي، ولا على البنك الدولي، ولا تعتمد بأي شكل من الأشكال على الولايات المتحدة. نحن نستمتع باستقلال تام، وهذا لا يستمتع به أي شعب آخر في العالم"[1].
تابع "فيدل كاسترو" تطورات الأحداث في ليبيا، وانتهى في رسالته الأولى عن هذه الأحداث إلى وضع تصور خاص له كان على النحو التالي:
أولاً: إنه على النقيض مما يحدث في مصر وتونس؛ تحتل ليبيا المكانة الأولى في مؤشر التنمية الإنسانية في أفريقيا؛ فأعلى متوسطات العمر المتوقع في القارة يوجد في ليبيا، وأعلى المستويات الثقافية يوجد في ليبيا، ويحظى التعليم والصحة برعاية خاصة من الدولة.
إن مشكلات ليبيا ذات نمط مختلف؛ لا يفتقد السكان إلى الطعام ولا إلى الخدمات الاجتماعية، وتحتاج ليبيا إلى عمالة أجنبية وفيرة؛ لكي تنفذ خطواتها الطموحة للإنتاج والتنمية الاجتماعية، ولهذا السبب فإنها تتيح فرص العمل لمئات الآلاف من العمال من مصر وتونس والصين والعديد من البلاد الأخرى. إن لدى ليبيا دخولاً واحتياطيات عديدة مودعة بعملات قابلة للتحويل في البلاد الغنية التي تسد منها ما تحتاجه من البضائع الاستهلاكية وحتى الأسلحة المعقدة، وهى ذات الدول التي تسعى إلى غزوها الآن باسم حقوق الإنسان.
ثانيًا: هناك القليل من شركات البث الجادة والمحترمة التي ترسل تقاريرًا وصورًا عن الأحداث في ليبيا، وتغطى فيها أخبار الطرفين المتنازعين، وكذلك الحال مع الدبلوماسيين والرسميين الأمناء الذين يخاطرون بحياتهم لكى ينقلوا الأخبار الواقعية ليل نهار، أما وسائل الإعلام الأمريكية وحليفتها الغربية، فإنها تستخدم أعلى مستويات التكنولوجيا الإعلامية، لتكشف عن جزء صغير من الحقيقة فقط.
إن وسائل الإعلام الأمريكية والغربية تطلق حملة ضخمة من الأخبار الكاذبة التي تؤدي إلى اضطراب عظيم في الرأي العام العالمي، وأن الناس تحتاج إلى بعض الوقت حتى تتعرف على ما يجري حقيقةً في ليبيا، وأن تعيد بناء ما تعرفه من أخبار؛ حتى تميز الحقيقي منها من الكاذب.
ثالثًا: إن الولايات المتحدة ودول حلف الناتو مهتمة بشدة بهذه الموجة من الاضطرابات التي انطلقت من عقالها في العالم العربي، ذلك العالم الذي ينتج أكبر قدر من النفط الذي من شأنه أن يحافظ على الاقتصاد الاستهلاكي للدول المتطورة والغنية. إن هذه الدول لا تستفيد فقط من هذه الاضطرابات التي تحدث في ليبيا، ولكن هذه الاضطرابات تحفزها على التدخل العسكري، ومن هنا يمكن وضع التصريحات الأولية التي صدرت من الولايات المتحدة عن أحداث ليبيا في ضوء هذا الإطار.
رابعًا: ليس هناك من شك في أن الشباب الصغير الذي كان يتظاهر في بنغازي، رجالا ونساء، وسواء أكانت الفتيات المتظاهرات من اللاتى يرتدين الحجاب أو لا يرتدينه - فإنهم جميعًا كانوا يعبرون عن حالة من السخط الشديد.
خامسًا: هناك صعوبات كثيرة تواجه "أوباما" داخل الكونجرس الأمريكي، قد تؤثر على احتمالات إعادة انتخابه، ومن ثم تدفع به إلى التفكير في القيام بعملية عسكرية كغزو ليبيا، ليعدل بها موقفه الداخلي الحرج.
سادسًا: على الرغم من هذه الموجة العارمة من تدفق الكذب والفوضى الصادرة من الغرب؛ فإن الولايات المتحدة لم تستطع سحب الصين وروسيا للموافقة على أن يتخذ مجلس الأمن قرارًا بالتدخل العسكري في ليبيا، لكنها نجحت في الحصول على الموافقة على الأهداف التي كانت تبحث عنها من مجلس حقوق الإنسان.
سابعًا: الحقيقة الواقعة هي أن ليبيا الآن دخلت في حرب أهلية كما هو متوقَّع، ولا تستطيع الأمم المتحدة أن تفعل شيئًا لإيقاف هذه الحرب أكثر من أن يقوم مجلس أمنها الخاص بصب الزيت على النار بجرعة محسوبة.
ثامنًا: المشكلة هي أن الفاعلين لم يكونوا يتخيلون أن قادة الثوار الليبيين يرفضون كل التدخلات العسكرية الأجنبية! فقد جاءت الأخبار تفيد بأن المتحدث باسم لجنة الثورة قرر في 28 فبراير أن "ما تبقى من مناطق لم تحرر في ليبيا، يجب أن تحرر بواسطة الشعب الليبي"، وقال المتحدث في خبر إعلانه عن تشكيل المجلس القومى الممثل لمدن البلاد التي تحت أيدي الثوار".. نحن نعتمد على الجيش لتحرير طرابلس... الذي نريده هو مجرد معلومات استخباراتية".
تاسعًا: تقول أستاذة في العلوم السياسية في جامعة بنغازي: "هناك مشاعر وطنية قوية في ليبيا... إن ما حدث في العراق أمر يخيف العالم العربي. كان من المفروض أن يأتي غزو العراق في عام 2003 بالديمقراطية إلى هذا البلد، ثم تنتقل عدواه إلى المنطقة ككل، لكن هذا كان مجرد افتراض أثبتت الحقائق على الأرض عدم صحته، وكان مخيبًا للآمال! نحن نعرف ما حدث في العراق؛ إنه بلد غير مستقر تمامًا، ونحن حقيقة لا نريد أن نسلك نفس الطريق، ولهذا نحن لا نريد الأمريكيين أن يأتوا إلى ليبيا ليصرخوا في وجه القذافي: ارحل.. إن المشاعر السائدة الآن هي أن هذه الثورة ثورتنا، ونحن الذين صنعناها".
عاشرًا: أسرعت صحيفتا "النيويورك تايمز، والواشنطن بوست" بتقديم تصور جديد تقولان فيه: "إن هناك تقاريرًا تقول إن المعارضة الليبية قد تطلب من الغرب القيام بضربة جوية ضد القوات الموالية للقذافي، وأن مجلس الثورة الليبي قد ناقش الأمر".
علقت: "النيويورك تايمز" على الخبر قائلة: "هذه المناقشات تكشف عن الإحباط النامي لقادة التمرد عن إمكانية إزاحة القذافي.. إن المجلس يرى أن قيام الولايات المتحدة بتنفيذ هذه العملية لا يعتبر تدخلا دوليًّا، واقتبست "الواشنطن بوست" قول الثوار: "إنه بدون الحماية الغربية فإن الحرب مع قوات القذافي قد تستغرق وقتًا طويلاً، ويموت فيها العديد من الضحايا". وكل هذا مقدمات لتدخل عسكري وشيك.
حادي عشر: لا يستطيع أحد أن يخفي شكوكه من أن هناك تدخلاً عسكريًّا وشيكًا سوف يحدث في ليبيا، وقد نقل عن بعض وكالات الأنباء المطلعة أن أحد الدبلوماسيين قال: "إن حلف الناتو يرسم خطة طوارئ، يُقتدى فيها بنموذج الحظر الجوى الذي فرض على منطقة البلقان في التسعينيات، وذلك في حالة ما إذا قرر المجتمع الدولي أن يفرض حظرًا جويًّا فوق ليبيا".
ثاني عشر: يقول "كاسترو": "بماذا نشبه الحرب القادمة في ليبيا قياسًا على الحروب الاستعمارية السابقة؟ هل نشبهها بما حدث في إسبانيا في عام 1936؟ أو نشبهها بحرب موسوليني ضد الحبشة في عام 1935؟ أو بحرب بوش ضد العراق في عام 2003؟ أو بعشرات الحروب التي قادتها الولايات المتحدة ضد الشعوب الأمريكية بدءًا من غزو المكسيك في عام 1846، أم نشبهها بغزو بريطانيا لجزر الفوكلاند في 1982، أم بغزو المرتزقة لخليج الخنازير، أم بالحروب القذرة وحصار بلادنا لمدة خمسين سنة، أم بكل هذه الحروب مثل حرب فيتنام وغيرها التي راح ضحيتها ملايين القتلى، وكانت تعطى فيها التبريرات الباعثة على السخرية".
خلاصة ما يريد أن يقوله "كاسترو" إنه يؤكد أن احتلال الولايات المتحدة وحلفائها للأراضى الليبية أمر قادم وحتمي.
وإذا كان "كاسترو" نفسه، وهو صاحب فكر باطل وعقيدة فاسدة، استطاع أن يصمد أربعين سنة أمام أقوى دولة في العالم، فما بال أصحاب الفكر الصحيح والعقيدة الصحيحة.
على الليبيين أن يكون شعارهم وثورتهم ليس وطنيًّا، ولا قوميًّا، وإنما هو شعار إسلامي بحت لا اختلاط فيه بديموقراطية، أو باشتراكية، أو بقومية، أو غير ذلك، وأن يكون سبيلهم في مواجهة الغزو المحتمل هو الجهاد في سبيل الله، وهذا ما يخشاه الغرب، فقد ذاق ومازالوا يذوق ويلاته من سنة العراق وأفغانستان، فليذقه هذه المرة من أهل السنة في ليبيا، أبناء وأحفاد عمر المختار، وعلى الليبيين ألا يهولهم قوة العدو، فهذه القوة ضالة وإن كانت ضخمة وعاتية، وأنه بضلال هذه القوة عن مصدرها الأول - قوة الله - تفقد قوتها الحقيقية كما تفقد الغذاء الدائم الذي يحفظ لها طاقتها، وذلك كما ينفصل جرم ضخم من نجم ملتهب، فما يلبث أن ينطفئ ويبرد ويفقد ناره ونوره، مهما كانت كتلته من الضخامة.
وإذا كان "كاسترو" الذي يعتبر نفسه ملحدًا، ولم يمارس الطقوس الدينية المسيحية منذ نعومة أظافره، وكانت البابوية في الفاتيكان قد أقصته عن المذهب الكاثوليكي في 3 يناير 1963 لارتداده عن الكاثوليكية[2]، لا يستطيع أن يتخيل، ولا يذكر أنه كان في التاريخ مقاومة مثل مقاومة الشعب الكوبي الذي يرى أنه يتمتع بروح وطنية ووعي ثوري، وأنه يزداد قوة، وأن معسكر أعدائه قد أظهر نوعًا من التشاؤم أمام وضع اقتصادي اجتماعي صعب في العالم، وانتهت موجة الفرح التي عمت أرجائه في حقبة معينة، فما بال شعب مسلم مُوَحِّد يرى أن مصدر قوته هو اتصاله بالله وجهاده في سبيله، مهما بلغت محدودية أو قلة هذه القوة؛ فإن أية ذرة متصلة بمصدرها المشع تبقى لها قوتها وحرارتها ونورها؛ يقول تعالى: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 249]. غلبتها باتصالها بمصدر القوة الأول، وباستمدادها من النبع الواحد للقوة وللعزة جميعا، كما يقول المفكرون الإسلاميون[3].
| |
|