صحيفة "أرغومنتي إي فاكتي" تتناول الأحداث التي تشهدها ليبيا، مستعينة
بآراء عدد من الخبراء والمحللين، منهم المحلل السياسي فيودر لوكيانوف، الذي
يستبعد أن يكون النفط سببا رئيسيا وراء ما يقوم به الغرب ضد ليبيا.
أما المستشرق المعروف جيورجي ميرسكي فيرى أن الغرب تسرع في شطب الزعيم الليبي
من حساباته. وأنه( أي الغرب ) حشر نفسه في الزاوية عندما أعلن عن اتصالات
دبلوماسية مع معارضي القذافي، وبذلك لم يُـبق أمامه إلا خيارين، فهو إما أن
يعترف بخطئه ويفقد بالتالي ماء وجهه، أو أن يمضي قدما في دعم المعارضة،
وينقذ عبر ذلك سمعته. ومن الواضح أن الغرب اختار الخيار الثاني. ويشير
ميرسكي إلى ان القذافي حاكم مستبد وقاس بطبيعة الحال. لكن لا أحد يستطيع أن
يحدد الحدود التي إذا تجاوزها نظام حاكم ما يتعرض للتمرد، يصبح نظاما
دمويا. ويرى الكاتب نيكولاي ستاريكوف أن مسألة حقوق الإنسان، لعبت دورا
ثانويا في حسابات الغرب لدى تعامله مع الأزمة الليبية. فالرؤساء والزعماء،
الذين يتجرأون على انتهاج سياسةٍ مستقلةٍ عن سياسة الولايات المتحدة
يحصلون بصورة آلية على صفة "الديكتاتور". فقد أطلق الغرب حكمه على القذافي
دون محاكمة أو تحقيق، ودون أن يتعب نفسه في تحديد الطرف المخطئ. وتحدثت
وسائل الإعلام الغربية عن قصف نفذه القذافي ضد شعبه، لكنها لم تعرض أي صور
لهجمات جوية أو لمعركة حقيقية، ناهيك عن أنها لم تعرض صورا لعدد كبير ممن
أسمتهم بـ"القتلى المدنيين". ولم ير العالم في طرابلس جماهير غفيرة تعبر عن
عدم رضاها على غرار ما شهده ميدان التحرير في القاهرة. لكن العالم رأى،
عوضا عن ذلك كله، بضعة عشرات من المهرجين، حسب وصف ستاريكوف، وقدمتهم وسائل
الإعلام تلك على أنهم يمثلون شعب ليبيا المنتفض. ويلفت ستاريكوف إلى أن
قَـمْـع المظاهراتِ التي شهدتْـها أثينا وباريس، لم يدفعْ أحداً في العالم
إلى إدانة السلطات اليونانية أوالفرنسية. لكنْ عندما استخدم الرئيس
البيلوروسي نفسَ الوسائل لتفريق المتظاهرين في مينسك، في التاسع عشر من
ديسمبر/كانون أول من العام الماضي، وُصف بأنه آخِـرُ الطغاة في أوروبا،
وعاقبه الغرب بفرض المزيد من العقوبات. والسبب في ذلك واضحٌ وضوح الشمس،
ويكمن في أن لوكاشينكو يرفض أن يخضع للوصاية الأمريكية، ويرفض أن يقدم
بلاده لقمة سائغة للولايات المتحدة. ويرى ستاريكوف أن تعامل الغرب مع زعماء
الدول الأخرى يقوم على مبدأ بسيط يتلخص في العبارة التالية: نعم! هذا زعيم
وَغْـدٌ، لكنه مع ذلك وغْـدنا. ففي أمريكا اللاتينية، كان هناك الكثير من
الأنظمة المستبدة، لكن الولايات المتحدة كانت تدعم تلك الأنظمة. وعندما
كانت فيتنام الجنوبية تحت الوصاية الأمريكية، كانت تنشط فيها مجموعات من
المناضلين من أجل سيادة وطنهم، وكان أولئك في جوهرهم مناضلون من أجل الحرية
كما هم الليبيون الآن. فهل طالبت واشنطن النظام التابع لها في سايغون
بالامتناع عن استخدام العنف ضد الفيتناميين البسطاء؟ طبعا لا. بل إنها
تدخلت بكل قوتها في ذلك البلد وأغرقت غاباته بقنابل النابالم الحارقة،
لإخراج المناضلين منها. ويعيد ستاريكوف للأذهان أن القوات الأمريكية
والبريطانية اجتاحت، قبل ثماني سنوات، العراق بذرائع وهمية. وبعد ثلاثة
أعوام حاكموا رئيسه صدام حسين وأعدموه. ومنذ ذلك الحين أصبح العراق واحدا
من أكثر بلدان العالم انعداما للأمن والاستقرار.
ويخلص ستاريكوف
إلى أن النضال من أجل الديموقراطية وانتزاع الحقوق، حقٌ لكل الشعوب، شريطة
أن يَظلَّ في إطار القانون. لكنَّ ثوارَ ليبيا لم يكونوا متظاهرين مسالمين
بل كانوا مسلحين بالرشاشات والصواريخ، أي أنهم في التعريف القانوني "خارجون
على القانون"، وبالتالي فإن من حق السلطات الشرعية القائمة أن تَستخدم القوةَ ضدهم.