أحمد النظيف - تونس
نحن نعيش بداية فتنة حقيقية في تونس، إن للوهابية موطئ قدم ما فتئ يتعاظم في بلادنا بفضل البترودولار والأئمة الذين يبعثونهم من دول الخليج.” بهذه الكلمات عبر الباحث التونسي في الحضارة العربية كمال الساكري عما يعيشه البلد من اختراق وهابي سافر لثقافته و مساجده و عقول أبنائه
و بناته.
وفي سياق متصل حذر الشيخ عبد الفتاح مورو القيادي البارز في حركة النهضة التي تقود الائتلاف الثلاثي الحاكم في تصريح لإذاعة “شمس إف إم” الخاصة من فتنة بسبب قيام دعاة سعوديين بتنظيم دورات لنشر الفكر الوهابي المتشدد في تونس التي تعتمد المذهب المالكي.ورداً على سؤال حول نشر علماء ودعاة سعوديين الفكر “الوهابي”، قال مورو: نعم هؤلاء يأخذون شباباً ليس لديهم معرفة دينية سابقة وحديثي العهد بالصلاة ويعلمونهم قواعد الفكر الحنبلي (…) ويهيئونهم لأن يصبحوا طابوراً في بلدنا.
سنكشف في هذه الورقة و بالأدلة عن هذه الدورات و من يقوم عليها و عن التمويلات الضخمة القادمة من دول الخليج العربي و أورويا لنشر الوهابية في تونس والرمي بالبلاد في أتون الصراع المذهبي.
يكاد لا يمر يوم على البلاد حتى يحل بها أحد دعاة الوهابية و شيوخها البعض يأتي ليخطب في المساجد و البعض الأخر للإلقاء المحاضرات كما كان الشأن للمشاهير منهم كوجدي غنيم و عائض القرني و غيرهما أما النوع الثالث و الأخطر فهم الذين يقيمون بصفة شبه دائمة و يشرفون على الدورات التدريبية التي تروج للعقيدة السلفية الوهابية .
و في هذا السياق قد زار تونس منذ سقوط النظام العشرات من هؤلاء و أشرفوا على العديد من الدورات التي تعتني بشرح و تفسير كتب محمد بن عبد الوهاب مؤسس الوهابية و ابن تيمية و علماء الوهابية المتأخرين كابن باز و الألباني و ابن عثيمين .
فجمعية ابن أبي زيد القيرواني الإسلامية بحي الخضراء و المعروفة بتوجهاتها الوهابية السلفية
و التي تسيطر على كل مساجد حي الخضراء باعتبارها تشرف على لجنة مساجد حي الخضراء أسست في المدة الأخيرة “معهد ابن أبي زيد القيرواني للعلوم الشرعية” و حسب ما ورد في تعريفها للمعهد على صفحتها الرسمية على الانترنت فان هذا الهيكل يتولى التدريس فيه الشيخ -الوهابي السعودي – أحمد بن عمر الحازمي و يقدم دورات علمية حسب المقررات و المناهج التي يضبطها الشيخ الحازمي الذي تتلمذ على أيدي أساطين الفكر الوهابي في السعودية كابن باز و ابن عثيمين و غيرهما
و بالعودة إلى مضامين هذه المناهج وجدنا أن كل الدورات التي يقدمها الحازمي في هذا المعهد هي عبارة عن شرح و تدريس للعقيدة السلفية الوهابية القائمة على تكفير الفرق الأخرى كالشيعة و المتصوفة و الأشعري و كل المخالفين .و يمتد نشاط المعهد و شيخه إلى الجهات الداخلية من البلاد بين شرح كتاب “التوحيد” لمؤسس المذهب الوهابي محمد بن عبد الوهاب في مسجد الرحمة بحي الخضراء و صولا إلى مدنين جنوب البلاد حيث يشرح الحازمي كتاب “أعلام السنة المنشورة للاعتقاد الطائفة المنصورة” و الذي يدعوا صراحة بين دفتيه إلى قتال الفرق المخالفة للوهابية
و لا يقتصر نشاط المعهد على ذلك فحسب بل يوفر السكن و المصاريف الالازمة للطلبة من اجل القدوم الى العاصمة و التشبع بالفكر الوهابي فالمعهد قد تكفل بالاقامة الفاخرة للشيخ الحازمي لمدة طويلة حتى القيام بالعشرات من الدورات في شرح و ترويج مبادئ العقيدة السلفية الوهابية.
في المقابل نجد جمعية الخير الإسلامية ذات التوجه الوهابي السلفي السروري نسبة إلى محمد سرور زين العابدين رجل دين سوري كان ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين ثم انشق عنهم و السرورية فصيل وهابي يجمع بين فكر جماعة الإخوان و العقيدة السلفية الوهابية .
هذه الجمعية تأسست في تونس بعد سقوط النظام و لها فروع تقريبا في كل جهات الجمهورية و تملك تمويلات ضخمة بملايين الدولارات تأتيها من بريطانيا و تحديدا من مؤسسة المنتدى الإسلامي ذات التوجهات الوهابية السرورية . و تقوم بنشاطات تسويقية لفائدة شركة البيان للنشر و التوزيع المختصة في طباعة الكتب الوهابية من مؤلفات ابن عبد الوهاب و ابن تيمية و الألباني .و تقوم الجمعية إلى جانب النشاط الخيري بعقد دورات تدريبية و علمية تستقدم لها العشرات من الشيوخ و الدعاة ذوي الأفكار الوهابية من منطقة الخليج العربي و طلبة علم تونسيون كانوا قد درسوا بالخليج و الشام. فقد دعت المدة الأخيرة الشيخ البحريني في أبو سفيان السلمي للإلقاء دروس تدعوا إلى الوهابية و محاربة الشيعة .
و الطريف في الأمر أن فرع هذه الجمعية بسوسة كان قد نظم من 15 ماي إلى 2 جوان الماضي دورة في العلاج من السحر و الرقية الشرعية أشرف عليها الشيخ السعودي الوهابي المختص في الشعوذة و السحر خالد الحبشي إمام و خطيب جامع السلمان بمدينة جدة السعودية .
و استضاف نفس الفرع العشرات من الدعاة الوهابيين كطلال الدوسري و عبد العزيز بن نوفل و محمد موسى الشريف و دع فرع المنستير الداعية زكي اليحي الذي خطب على منبر مسجد السّوق الدّخلاني بالمكنين و في ذات السياق استضافة الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب و السنة بالقيروان الداعية الوهابي محمد بن عبد الله الدويش المتخصص في تقديم دورات للأطفال كما نظم القسم النسائي لجمعية الخير الإسلامية في شهر مارس الماضي دورة تدريبية في الحجامة أشرفت عليها احد الكوادر النسائية بالجمعية تدعى أم البتول
لداعية الوهابي محمد موسى الشريفو ذات السياق قام الداعية السعودي الشيخ عبد المجيد المنصور بزيارة تونس في شهر رمضان و ألقى بعض الدروس و المحاضرات في العاصمة و التي دعي خلالها إلى العقيدة السلفية الوهابية و حاضر في الملتقى الملتقى الدعوي الرابع بحي التضامن – دوّار هيشر في 16 أوت . و في شهر رمضان أيضا لم يفوت الشيخ الوهابي السعودي فهد الزلفاوي الفرصة لزيارتنا و تحديدا مدينة تطاوين في أقصى الجنوب بدعوة من جمعية طريق الارتقاء الوهابية و التي تملك فروع عديدة في أرجاء البلد ذات تمويلات قطرية و سعودية و قام بالعديد من الدورات و المحاضرات بمسجد عباس الذي يسيطر عليه التيار السلفي بالجهة و المتورط منذ مدة قصيرة في مهاجمة مقام الولي الصالح ” عبد بوجليدة ”
وقال وزير الشؤون الدينية نور الدين الخادمي لوكالة فرانس برس أنه لا ينبغي أن تستخدم المساجد كساحة للسياسة، بل يجب أن تكون ساحة يدعو فيها الأئمة إلى التسامح واحترام الآخر.
وقال الوزير أن حوالي 400 مسجد باتت تحت سيطرة السلفيين من أصل حوالي 5000 في البلاد، موضحا أن المشاكل الخطيرة موجودة في حوالي 50 مسجدا. علما أنه إمام مسجد الفتح الذي كثيرا ما تنطلق منه تظاهرات ينظمها سلفيون.
وتوالت في الفترة الأخيرة اعتداءات لجماعات سلفية متشددة على التظاهرات الثقافية في تونس.
ففي 16 أوت الجاري، هاجم 200 سلفي مسلحين بالسيوف والهراوات والحجارة مهرجان “نصرة الأقصى” بمدينة بنرزت احتجاجاً على حضور الأسير اللبناني السابق في إسرائيل سمير القنطار الذي اتهموه بتأييد النظام في سورية، ما أسفر عن إصابة أربعة أشخاص بينهم ضابط أمن.
ومنع سلفيون في 15 أوت فرقة موسيقية إيرانية من تقديم عرض في اختتام المهرجان الدولي للموسيقى الصوفية والروحية بولاية القيروان بدعوى أن الفرقة “شيعية”!!.وفي 14 منه منع سلفيون في منزل بورقيبة بولاية بنزرت عرضاً مسرحياً للممثل الكوميدي التونسي لطفي العبدلي بذريعة “استهزائه بالدين”.
الشيخ الوهابي السعودي فهد الزلفاوي