عبد المجيد
عدد المساهمات : 1467 تاريخ التسجيل : 18/03/2010
| موضوع: باسم الأب و الابن وروح التحالف! بقلم شهرزاد عكاشة السبت 12 مايو 2012 - 10:46 | |
|
شهرزاد عكاشة
يلاحظ المتأمل في المشهد السياسي التونسي قبل وبعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي تشكل تحالفات و تكتلات غريبة و غير طبيعية يصعب فهمها على الجميع سواء منهم المتمرسين في السياسة أو حتى المواطنين العاديين أو البسطاء منهم على غرار ” ائتلاف وطني …. تحالف وطني ….. مصلحة وطنية ….. ” . و لفهم هذه الظاهرة الغريبة، و إدراك أسبابها و مقاصدها كان لابد من تحليلها و تفكيك رموزها، فالتحالف في مفهومه هو عبارة عن اتفاق بين فاعلين أو أكثر بشان قضايا مشتركة و مدركة، و يهدف الانضمام لأي تحالف إلى تعزيز نظام للردع أو للدفاع الجماعي .فبالرجوع إلى نشأة التحالفات نرى أنها لطالما كانت ظرفية و ارتكزت في بلادنا و منذ بدايتها على مبدأين أساسيين أولهما خارجي و هو الاستعمار و ثانيهما داخلي هو القمع لتتطور و في مرحلة لاحقة إلى إستراتيجية قائمة على الفكر . و لان تونس و كجل بلدان العالم الثالث عاشت مدة طويلة نسبيا تحت وطأة الاستعمار والقهر و الظلم ، تعمق الشعور بالوطنية فكان من الضروري و المنطقي التفكير في تشكيل تحالف وحيد و ممكن آنئذ وهو العمل الجبهوي ذي المعيار الأوحد ألا و هو مقاومة الاستعمار ، وتنتفي كل الحسابات الحزبية الضيقة لتعتبر هذه الجبهة الممثل الشرعي و الوحيد للشعب التونسي التائق للتحرر و الانعتاق و تكوين دولته الوطنية المستقلة . بعد 1956 و استقلال تونس و كما يعلم الجميع ، تفردت مجموعة دون سواها بالحكم و أمسكت بدواليبه و مارست الإقصاء عند تركيز الدولة التي استفادت من الحزب كآلة دعاية وتعبئة، وأفرغت هذه المجموعة السياسية أو الحزب من أهم قياداتها لفائدة العمل الحكومي ، ليزيد ذلك من سيطرة الدولة وفي إقصاء أصدقاء الأمس الذي توج باللائحة السياسية لمؤتمر بنزرت 1964 ليصبح الحزب هو الدولة و كانت المحاولة الانقلابية الأولى ( التي باءت بالفشل ) لمجموعة الشرايطي بداية ظهور تكتلات قوية كان من أبرزها الاتحاد العام التونسي للشغل و الهياكل النقابية المؤقتة بالنسبة للجانب الطلابي بعد الانقلاب الحاصل في مؤتمر قربة 1972 من طرف المجموعة الدستورية داخل الاتحاد العام لطلبة تونس . و بالتطور المفرط للدولة و التهامها للفضاء العمومي و ازدياد القمع اثر انقلاب زين العابدين بن علي على بورقيبة في 1987 كان لا بد أيضا من إعادة تشكيل نفس النوع من التحالفات و هو التحالفات الظرفية أو التكتيكية و التي تنعقد في مرحلة تاريخية بعينها و فق شروط سياسية معينة و لتحقيق أهداف محددة و كانت في هذا السياق لمجابهة الديكتاتورية ، فراحت مختلف الأحزاب و القوى السياسية تبحث عن النقاط التي تجمعها متغاضية عن كل ما يفرق بينها ، و لعل مجموعة 18 أكتوبر مختلفة المشارب و الألوان السياسية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين ، كانت اكبر مثال على ذلك و أحسن تدليل على الوضع السياسي الذي كان يسود البلاد من قمع للحريات العامة و الخاصة و استبداد و تنكيل بالخصوم و المعارضين . أما اليوم و بعد ثورة 14 جانفي و ما تشهده البلاد من حريات ، من المفروض أن يصبح الفكر هو العامل الوحيد للالتقاء السياسي لبناء تحالفات إستراتيجية (و التي تعني التحالفات المبنية على قراءة فكرية واضحة و مشتركة ) مرتكزة على البرامج الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية بعيدا عن السطحية و الشعارات الفوقية ، و لكن يبدو أن الأطراف السياسية التونسية لم تستوعب بعد انتهاء مرحلة الديكتاتورية ( التي كانت قد عقدت لمجابهتها تحالفاتها التكتيكية ) أو أنها ربما لم تتخلص بعد من عقلية الولاءات و تغير نظرتها القديمة إلى الواقع السياسي الجديد . فبعد ما أفرزته صناديق الاقتراع من نتائج نلاحظ وجود مغالطة كبرى و خلط كبير في المفاهيم ، فمن استحقاق دستوري تتمثل ابرز ملامحه في بلورة نظام داخلي للمجلس التأسيسي و تكوين اللجان و تحديد التنظيم المؤقت للسلطات و صياغة دستور جديد للجمهورية التونسية ، نرى ان بعض الأحزاب قد لهثت وراء تشكيل حكومة هي في الواقع من مشمولات المجلس الوطني التأسيسي ، إذ ومنذ اليوم الأول لإعلان النتائج سارعت كتلة ” أغلبية ” إلى تقديم مرشحها لتشكيل حكومة و كأن الهاجس الشعبي يتمحور حول هذه المهمة متغافلة في ذلك عن المطالب الأساسية التي نادت بها ثورة 14 جانفي و التي يعتبر الانتقال الديمقراطي ابرز مطالبها و كل ما نخشاه هو أن تؤثر التحالفات التي على أساسها تشكلت الحكومة سلبا على مداولات صياغة الدستور ، و لذلك فانه من اللازم و الإلزامي في هذه الفترة أن تتحالف الأحزاب الديمقراطية و تلتقي على ما يوحد مسارها و هو السعي إلى تامين عملية انتقال ديمقراطي سلسة كما ورد في مبادرة الوزير الأول الأسبق السيد الباجي قايد السبسي و التي دعا فيها إلى القيام بمبادرات توحيد و تجميع للقوى الديمقراطية و إلى استئناف الهيئة العليا للانتخابات لنشاطها و انجاز الانتخابات في موعدها المحدد بعد عام . غير أن هذا التوحيد أو التكتل المنشود قد يكون سهلا لبعض الأحزاب دون الأخرى باعتبار وجود ثلاثة أنواع منها و أولها الأحزاب ذات المرجعية الدستورية و المتعودة على تقاليد العمل السياسي و الانضباط الحزبي و ترعرع منىتموها سياسيا في مدرسة حزبية ” كبرى ” إن صح التعبير من الحزب الاشتراكي الدستوري إلى التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل و شارك اغلبهم في مؤتمرات كبرى مما كون لديهم خبرة لا بأس بها في العمل السياسي العلني و المحنك و بالتالي فان عملية الانصهار بين أحزابهم لن تكون صعبة و لن تشهد عراقيل قد يشهدها النوع الثاني و هو الأحزاب ” المناضلة ” إن صح القول باعتبار أنها قد ولدت في فترة قمع و عاشت الحصار و المضايقات و التضحيات و ” الفقر ” المالي مما أدى بمناضليها إلى البحث عن سبل التمويل الذاتي و اعتماد حتى ما يسمى بالبيع المناضل للجرائد و النشريات مما ولد لديها علاقات ذاتية بأحزابها فتحول الحزب إلى ” نحن ” و اتسمت العلاقات داخله بالأبوية في التعامل مع هياكله أو مع مناضليه و من الصعب جدا على هذا النوع من الأحزاب الانصهار في حزب كبير تتلاشى فيه العلاقات العمودية و تنتفي فيه عقلية ” نحن ” و قد تتعرض عمليات الانصهار لديها إلى عراقيل من نوع الإصرار على أن الالتفاف يجب أن يكون حول شخصية معينة أو حول حزب معين يسيطر على بقية المكونات الباحثة عن التوحد أو التحالف أو العمل المشترك . أما النوع الثالث و هو الأسهل من حيث الاندماج و الانصهار و هو يتمثل في الأحزاب الجديدة التي تكونت بعد 14 جانفي و التي يفتقد عدد كبير منها إلى مرجعية سياسية أو إلى خلفية إيديولوجية و التي لا ارتباط عاطفي لدى مناضليها بأحزابهم باعتبار قصر مدة انضمامهم إليها مما سيسهل عليهم التواجد مع مكونات أخرى في نفس الهيكل أو الحزب . و على صعوبة محاولات الانصهار و التحالف او سهولتها فان مبادرة ” الأب ” الباجي قايد السبسي قد تزامنت مع عمليات اندماج عديدة و لعل أهمها تحالف (بصدد التكوين) بين الحزب الديمقراطي التقدمي ، و حزب آفاق و حزب طريق الوسط علما و أن حزب طريق الوسط أعلن عن اندماجه منذ أسابيع مع الحزب الجمهوري و ثانيها تحالف (في طريق التكوين أيضا ) بين حزب الوفاق ، و حزب تونس الجديدة ، و حركة المواطنة ، و حزب اليسار الحديث و حزب الحرية و التنمية و ثالثها انصهار تسعة أحزاب في حزب واحد مسمى الحزب الوطني التونسي و الأحزاب المندمجة هي الحزب الحر الدستوري التونسي، حزب المستقبل، الحزب الإصلاحي الدستوري، حزب الوطن الحر، الاتحاد الشعبي الجمهوري، التحالف من أجل تونس، صوت التونسي، الحركة التقدمية التونسية، حركة تونس . و ذلك في انتظار ما ستقرره مؤتمرات أحزاب أخرى لازالت إلى اليوم لم تحسم أمرها بين المضي بمفردها او ضم أحزاب أخرى إليها أو البحث عن الأدنى المشترك الذي سيمكنها من الالتقاء مع غيرها في تحالف …… فهل ستنجح مبادرة الأب في إقناع الابن بروح التحالف و العمل المشترك ؟ و هل ستنجح نظرية التثليث في السياسة ؟
نشر في كتاب التقدمية | |
|