صالح عطية ـ
تبدو العلاقات الإيرانية الأميركية، مقبلة على شتاء شديد البرودة، بعد
اتهام الولايات المتحدة إيران بمحاولة اغتيال السفير السعودي بواشنطن، وهو
ما اعتبرته طهران من قبيل "الخزعبلات" الأميركية والاتهامات التي لا سند
لها. ورغم أن مثل هذه التجاذبات بين طهران وواشنطن، ليست جديدة في علاقات
البلدين خلال العقود الثلاثة الماضية، فإن الإعلان الأميركي عن المؤامرة
الإيرانية المزعومة في هذا التوقيت بالذات، تثوي خلفه العديد من الحسابات
التكتيكية والاستراتيجية.
إذ تبدو الولايات المتحدة، منزعجة من تداعيات "الربيع العربي" الذي أخذ يمتدّ
في شمال العالم العربي وجنوبه، بشكل بات يهدد بعض الدول والإمارات
والملوكيات ذات الثقل الاستراتيجي بالنسبة للأمن القومي الأميركي، فضلا عن
أن اتجاهات الأمور في الثورات العربية "الأصلية"، على غرار تونس ومصر وليبيا، بدأت
تنفلت من "العقال الأميركي"، وقد تكون غير مطمئنة مستقبلا، إذا ما نظر
إليها من زاوية المصالح، والعلاقة مع إسرائيل، التي يتحدث صناع القرار فيها
عن "ضرر إسرائيلي من الثورات العربية".
ثمة رغبة أميركية حقيقية لصرف الأنظار عن الثورات العربية، عبر خلق بؤر توتر
جديدة، تحيل هدير الربيع العربي على الهدوء المؤقت على الأقل.
لكن الخشية الأميركية لا تقف عند هذا الأمر، لأن ما يجري في العالم العربي،
بدا وكأنه يصب ـ من وجهة نظر البيت الأبيض ـ في مصلحة إيران، التي ستجد
نفسها في وضع أقوى خلال المرحلة المقبلة، بعد أن تتداعى دول وأنظمة المنطقة
العربية للسقوط، ويكون الشرق الأوسط الرقم الأضعف إقليميا وفقا لبعض
التقديرات الأميركية.. أضف إلى ذلك، بروز المدّ الشيعي في المنطقة ما يؤشر
لتغلغل إيراني ضمن البنية الثقافية والفكرية، ومن ثم السياسية في المحيط
العربي، وهو ما يمثل ـ في التصور الأميركي ـ "خطرا" لا يمكن السكوت عنه.
على أن الإعلان عن هذه المؤامرة، بقيادة موحدة من "الصقور الديمقراطيين"
يقودهم الرئيس أوباما ووزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، يعكس إلى حدّ كبير
هواجس انتخابية أميركية، حيث أراد الاثنان الظهور بمظهر المتشددين إزاء
إيران، ضمن أجواء الترشح لفترة ولاية ثانية التي شرع فيها أوباما وحزبه
مؤخرا، وهي الرسالة التي تلقفتها اللوبيات الصهيونية بشكل سريع، عبر تحريك
خطاب التصعيد العسكري ضد إيران من جديد، أو الدفع باتجاه تشديد العقوبات
الاقتصادية على إيران، في أضعف الإيمان. الأمر الأخطر فعلا من وراء هذه
المؤامرة المزعومة، هو جر المنطقة في سياق توتر إقليمي لا تبدو دول الشرق
الأوسط مهيأة له، في ضوء التبدلات السياسية التي تنبئ بها الثورات العربية
الراهنة، بل إن دول الخليج التي تستخدمها الولايات المتحدة ـ عادة ـ في
"شفط" خيراتها المالية والنفطية،
هي اليوم في حالة لا تحسد عليها، وتبدو غير قادرة على مجاراة نسق الثورات
والتغييرات الراديكالية، فضلا عن الحروب والمواجهات العسكرية مع إيران أو غيرها..
من المؤكد أن انتقادات المراقبين الأمريكان للإعلان الأميركي عن "المؤامرة
الإيرانية المزعومة"، تستدعي ـ في الوعي الأميركي ـ سنوات الحرب على
العراق، التي بدأت بقصة واهية إسمها، أسلحة الدمار الشامل، لتنتهي باحتلال
بلاد وتفكيك شعب، ولكن أيضا برحيل الرئيس السابق جورج بوش الابن.
فهل الولايات المتحدة مهيأة اليوم للشيء ذاته مع إيران