hayfa
عدد المساهمات : 1563 تاريخ التسجيل : 24/01/2010
| موضوع: عندما تصبح الفتوى من أسلحة الدمار الشامل السبت 6 مارس 2010 - 14:00 | |
| الصباح في 6 مارس 2010
حسين حسون
|
| في يوم من الايام التي دونتها في ذاكرتي كنت في مطار غير دولي في مدينة نائية باحدى البلاد العربية حيث تاخذني مهنتي دائما، انتظر ساعة المغادرة في قاعة انتظار المسافرين. وبما ان المطار غير دولي ولا يحمل صفة المطارات الرئيسية، اشعلت سيجارة اذ لم الاحظ وجود تحذيرات بعدم التدخين.
| وبينما كنت اقرا في احدى الصحف وادخن سيجارتي جاءني رجل ذو لحية كثيفة وقال لي بلهجة حاسمة : لو سمحت اطفئ السيجارة. نظرت اليه ولم يتبين من مظهره انه من موظفي المطار، فسألته: هل انت موظف هنا؟ اجاب: لا. فقلت : ولماذا تطلب مني ان اطفئ سيجارتي؟ فاجاب وقد عقد حاجبيه وبصوت رخيم: الا تعلم ان الصلاة ستبدا بعد 20 دقيقة؟ فوجئت وقلت له: وما علاقة ذلك بالسيجارة فانا لست في المسجد ولا يزال هناك وقت على الصلاة. ثم احسست بكتف رجل كان يجلس بجانبي وهو ينهرني خفية وكأنه يقول لي لا تجادله. وهنا اطفات سيجارتي وغادر المنزعج. تذكرت هذه الحادثة عندما قرات فتوى منذ يومين للشيخ السعودي عبد الرحمن البراك يجيز فيها قتل كل من يؤيد الاختلاط بين الجنسين سواء في المدارس او الجامعات او اماكن العمل. وتقول الفتوى ان «من استحل الاختلاط فهو كافر، ومعنى ذلك انه يصير مرتداً فيُعرّف وتقام الحجة عليه ووجب قتله». وتنضم فتوى البراك هذه الى سيل الفتاوى التكفيرية التي تهطل علينا كالمطر وكلها تستند وفق مطلقيها الى اسس الشرع والدين، ومعظمها تخلص الى الدعوة للقتل بحد الحرابة حتى اصبحت هذه الفتاوى وكأنها جزء من اسلحة الدمار الشامل. ان منطق فتوى البراك تناهض منطق الحياة التي نعيشها في الجانب الدنيوي، وتفسر على هواها في الوقت نفسه ما حدده الشرع في الجانب الديني. ففي الجانب الدنيوي تعتبر الفتوى دعوة الى سفك الدماء في كل المجتمعات العربية والاسلامية بدون استثناء اذ ان جميعها باتت مجتمعات مختلطة بين الجنسين، اي الرجال والنساء، سواء في العمل او الدراسة او كل مظاهر الحياة الاخرى، مع ما يستتبع ذلك من محاولات تبيح بالتالي نسف هذه المجتمعات والاسس الحديثة التي تقوم عليها وتقسيمها الى مجتمعات ذكورية واخرى انثوية، مع ما يتطلب ذلك من وضع قوانين جديدة تتلاءم مع هذا المنطق واعادة هيكلة مؤسسات الدول وشرائعها ودساتيرها. اما من الناحية الدينية فان هذه الفتوى كسواها من الفتاوى التكفيرية تطرح الف سؤال وسؤال عن مدى شرعيتها اذا ما اخضعناها الى القوانين الشرعية الاسلامية والاختلاف في تفسير الشرع. فالكثير من الفتاوى تتناقض في تفسيراتها للنصوص الدينية وباتت كل فتوى تاتي ترجمة لتوجهات واضعيها، فادى هذا التهافت الافتائي الى الايقاع بنا في شراك لم نعد قادرين على التخلص منها في حال وقعنا فيها. واذا ما اردنا ان نفهم حقيقة ما ترمي فتوى البراك اليه فاننا نرى انها تستند في الحقيقة الى افتراضات غير حاصلة لتغيير واقع حاصل. فالبراك يفترض ان الاختلاط سيؤدي الى فعل حرام وبالتالي فهو يستبق ذلك بالدعوة الى تحريم الاختلاط. لكن لماذا تفترض الفتاوى سوء النية مسبقا ولماذا لا يكون حسن النية هو الاساس والباقي تفاصيل؟ على سبيل المثال يفترض الشيخ البراك ان الاختلاط في الجامعات بين الطلبة والطالبات سيؤدي الى تعارف الجنسين وهذا التعارف، حسب افتراضه، سيؤدي حتماً الى الحرام. هنا اذن سنفترض ان كل طلاب وطالبات الجامعات لا يذهبون الى الجامعة او لم يرسلهم اهلهم اليها الا لفعل الحرام وليس للتحصيل الدراسي والتهيئة للمستقبل. اي ان كل ابناء اجيالنا اذا ما ذهبوا الى الجامعات المختلطة فهم انما يذهبون الى اوكار الزنى او مربعات الفحش حتى بات هذا المنطق يصور الجامعة وكأنها ملهى ليلي تتحول فيه الطالبات الى راقصات او مومسات ويتحول فيه الطلاب الى اولاد شوارع يسعون الى اللهو والعربدة. حتى اهالي الطلاب وجب قتلهم، وفق الفتوى التي تقول ان «من استحل الاختلاط « وفي هذه الحالة فان الاهالي استحلوا الاختلاط وتقام الحجة عليهم. ان هذا الكلام فيه تهشيم غير طبيعي لشبابنا وشاباتنا وفيه اذلال للنفس البشرية واشاعة الريبة لتكون هي السند في كل ما نقوم به او ما ننوي القيام به، وفيه دعوة الى ارباب العائلات لكي لا يثقوا بابنائهم وليفترضوا ان كل شاب او فتاة هو مشروع رذيلة. لقد وضعت القوانين لكي تنفذها الدولة، والدولة هي المسؤولة اولا واخيرا عبر مؤسساتها واهمها القضائيةعن تنفيذ القوانين، والا فان كل صاحب فتوى سيضع نفسه مكان الدولة ليشرع ما يريد ويحلل ما يريد ويحرم ما يشاء، ويدعو متى اراد الى القصاص مهما كان نوع هذا القصاص حتى لو وصل الى القتل. ان الله عز وجل حرّم قتل النفس البشرية الا بالحق، والحق معناه محاكمات وقضاء وادلة وشواهد، والحق ايضا معناه قتل من يعتدي او يحتل ارضك وينتهك عرضك او يستبيح دمك غدراً وعدواناً، هذا الذي يستحق القتل وفق مبدأ الدفاع عن النفس. ومن المفترض ان تقوم الدولة هنا بتحديد من يستحق القصاص والمحاكمة والاستناد الى الادلة والوقائع، تماما مثلما تقرر الدولة مثلا اعلان الحرب على عدو او غاصب ومحتل. المشكلة تكمن في ضياع المرجعيات الدينية التي تكون على مستوى الفقه والعلم والفكر لتفسر النصوص وفق حياتنا اليومية وبما يتلاءم مع العصر ومتطلباته وتقدم استشاراتها ونصائحها، بينما يعود للدولة وحدها حق معاقبة المذنبين ومن بينهم من يدعون الى قتل الناس بحجة الدفاع عن الشرع.
كاتب لبناني
|
|
|
| |
|