جاءت إمرأتهم سافرة الوجه متّقدة العينين، باسمة الثغر،
تحسد تألّق خريفها الثالث و الستون نظارة ربيع عشرون.
تحدّثت بلا طلاسم و بذكر الأسماء و عبّرت عن فرحتها و ضحكت و قهقهت و عبّرت عن أملها و عن خوفها و عن توقها لمستقبل مشرق و عن تفاؤلها.
قالت أن الأصل في الإنسان حبّ الحريّة و العدل و مقت الظلم و قالت
أن الحلم بغد أفضل جميل لكن من زرع حصد و أن العمل أساس التقدّم.
و قالت أن لكلّ شعب حقّ تقرير مصيره و أن التعاون يكون على البرّ و أن الآثمين لا يعتدى عليهم إلا إذا اعتدوا.
ثم قالت أن بعض الناس جبلوا على الشر و يبغونها عوجا و أنّه لا راحة و لا أمان لمن جاوره زعيم عصابة.
و قالت أن للعائلة و لصلة الرحم منزلة و أن بين الأزواج مودّة و رحمة و أن لكلّ الحقّ في اختيار حياته فالأكرم هو الأنفع لغيره و الأرقى أخلاقا. و قالت أن خدمة الوطن فوق المنافع الفرديّة.
ثم مضت.
و شاهدها رجلنا فلعن الزمن الرديء الذي تخرج فيه المرأة سافرة و لعن البلدان الكافرة التّي تتولّى فيها المرأة أعلى المناصب. و استثاره رأيها في الحريّة الفرديّة و مساواة المرأة مع الرجل. و شتم في سرّه هذه "المومس" المتبرجّة في الفضائيّات و اغتاظ من تفاؤلها و ضحكاتها و هي في العقد السابع و كأنها لم تسمع يوما أن العمر قصير و أن الدنيا فانية. و عجب من نقص عقلها إذ هي أرادت أن تساوي بين من لا يتساوى.
و شاهدها رجلنا فرأى فيها خفاشا ليليّا لا يعيش إلا باختفاء شمس العرب فيخرج ليقتات من بترولهم و من دمائهم. و ثار لإبدائها الرأي فيما تشهده تونس و باقي بلدان العرب. و اعتبر هذا برهانا ساطعا عن المؤامرة التي أعدّت في الغرف المغلقة وراء الكواليس. و عجب من إيلائها الإقتصاد الأولويّة في حين أن لإعتبارات أخرى مطلق الأهميّة و المصيريّة.
و شاهدها رجلنا فعرف فيها عميلة الشركات العالميّة و سفيرة الإمبرياليّة الرأسماليّة و رسولة الخوصصة و اقتصاد السوق. و رأى عرق العمال يتصبّب من ثيابها. و لمس في حديثها عن الإقتصاد و عن بعث المشاريع تحالفا مع رأس المال المحلي.
و آوى ثلاثتهم إلى النوم و قد تعكّر صفو أذهانهم فحلموا بها. فواحد رآها و قد سحق ارادتها فروّضها و أخافها و جعل لها ليلة كل أربع. و واحد رآها و قد جاءته ذليلة تطلب المعونة لبلادها و الرحمة لشعبها من قوّته القاهرة. و واحد رآها و قد أصبحت واحدة من آلاف يرتدين بدلة زرقاء لا تكاد تفرّق واحدة عن الأخرى.
و عند الصباح، استيقظ ثلاثتهم...فإذا على الحشايا بعض من أحلامهم.