ماذا ستفعل الخطوط التونسية بطائرتها العملاقة الجديدة؟

يُعتبر النقل الجوّي من أهم روافد الاقتصاد
الناجح. فرجال الأعمال هم أهم حرفاء شركات الطيران لأنهم يعتبرون أن الوقت
من ذهب ويحاولون ربحه باختيار أقصر وقت يقضونه في السفر. أما السلع فقد خفّ
وزنها بتقدّم التكنولوجيا وصغُر حجمها فأصبح نقلها جوّا لا يكلّف غاليا.
ولذا ترى البلدان التي استطاعت أن تجلب المناولة لديها في ميدان تكنولوجيا
المعلومات تعمل على ربط عواصمها بمدن البلدان الصناعية تسهيلا لسفر رجال
الأعمال الذين يتنقّلون لربط الصفقات أو لتفقّد مصانعهم أو معاينة حرفائهم
للتأكد من جدّيتهم وأهميتهم.

وترتبط حاليا تونس العاصمة بأغلب العواصم الأوروبية، ولحسن حظّنا أن
أوروبا غير بعيدة عنّا ممّا جعل الأسطول الذي تملكه شركات النقل الجوّي
التونسية يتكوّن من طائرات متوسّطة المدى لا تتعدّى دبي شرقا وداكار غربا.
وقد فهم جيراننا (المغرب والجزائر) أهمية أمريكا الشمالية من الناحية
الاقتصادية فربطوا مطاراتهم بها من خلال رحلات مباشرة إذ بدأ المغرب ذلك
منذ نهاية السبعينات وتبعته الجزائر منذ سنتين وتتفاوض الخطوط الليبية
حاليا مع الولايات المتحدة لربط طرابلس بنيويورك. أمّا تونس فصرّحت بكونها
لن تملك طائرات طويلة المدى قبل سنة 2012 وفي انتظار ذلك ما على رجال
الأعمال الأمريكيين الشماليين والتونسيين القاطنين هناك وأهاليهم القاطنين
هنا، إلا استعمال الشركات الأوروبية والمغربية.

وإذا كانت السفرة بين مونتريال والدار البيضاء تدوم سبعة ساعات فإنها
تدوم سبعة عشر ساعة بين مونتريال وتونس، وحتى إن استعملنا الدرجة الأولى
فهي لن تدوم أقل من 13 ساعة مع تبديل الطائرة في مطار أوروبي، مع ما يتبع
ذلك من تعب وإعادة تفتيش وخلع الأحذية وإمكانية ضياع الحقائب أو تأخّر
الطائرة الأولى وعدم اللحاق بالطائرة الثانية إلى غير ذلك. ويتساءل المرء
والحالة تلك ماذا سيكون موقف رجل أعمال يبحث عن شريك في شمال إفريقيا
لتصنيع مكوّن لفائدة الشركة الأم الموجودة في شمال أمريكا وتقدّم له اثنان
واحد من المغرب والآخر من تونس، فهل سيختار البعيد الذي سيتعب من أجل
ملاقاته مدّة سبعة عشر ساعة يقضّي أغلبها داخل مطارات أوروبا أم سيختار
القريب الذي يقابله بعد سبع ساعات فقط ويتمكّن من التسوّق بقية الوقت بعد
ذلك في المدينة العتيقة؟

إن غياب خط مباشر بين تونس وأمريكا الشمالية يؤدّي إلى خسارة اقتصادية
كبرى سواء على مستوى السياحة أو على مستوى الأعمال وبالتالي التشغيل، إذ من
المنتظر ازدياد عدد مواطن الشغل التي ستنجرّ بصورة مباشرة أو غير مباشرة
عن الربط الجوي بين تونس ومونتريال بسبب تطوّر السياحة والاستثمار الأجنبي
المباشر بعدّة آلاف من الوظائف الجديدة سنويا نحن في أشدّ الحاجة إليها،
وينافسنا عليها جيران فتحوا بعدُ خطّا مباشرا بين عواصمهم وأمريكا
الشمالية.
وفي انتظار 2012 اشترت الخطوط التونسية في ديسمبر الماضي طائرة جديدة طويلة
المدى من صنف آرباص 340 ذات رقمين قياسيين، فهي أطول طائرة مدنية على
الإطلاق مما يمكّنها من أن تحمل 430 مسافرا دفعة واحدة، ثمّ هي مزوّدة
بخزّانات إضافية تجعل مداها يبلغ مسافة قياسية طولها 18700 كلم، وهي بذلك
تستطيع أن تربط تونس بأي مدينة على سطح الكرة الأرضية دون توقّف.

نتمنى أن تغتنم الخطوط التونسية هذه الفرصة وتقدّم آجال فتح الخط
المباشر مع مونتريال فتلتحق بلادنا بركب الدول التي طوّرت بنيتها الأساسية
في ميدان النقل الجوي حتى لا نبقى متخلّفين وراءها، ولا يبقى التونسيون
القاطنون بالولايات المتحدة وكندا وأهاليهم وأصدقاؤهم، والذين ينفعون تونس
اقتصاديا سواء كانوا من السياح أو من رجال الأعمال عالة على شركات طيران
جيراننا الذين سبقونا في هذا الميدان، خاصة أن الخطوط الفرنسية تحضّر نفسها
لفتح خط مباشر مع مونتريال انطلاقا من تونس قريبا.

د. أحمد بوعزّي