يدرس الكتاب ظهور الحضارات وما استوى بينها من تفاعلات ابتداء ممّا قبل التاريخ حتّى سنة 500 م. ويذهب في ذلك مذهب المقارنة التي تظهر على نحو متواز ما حدث في الأجزاء العامرة من القارّة الأوروبيّة والآسيويّة مثل الصين والهند واليونان والشرق الأوسط. ويعكف على تحليل مصير الإختراعات التكنولوجيّة من اليونان القديمة إلى الصين في القرن الخامس عشر. ويتناول الجزء الثالث أسباب التوسع الأوروبيّ في مرحلتين: تمتدّ الأولى من 1500 إلى 1750 وفيها تستكشف أوروبا الغربية العالم وتستعمر أمريكا الجنوبية والشماليّة. تغيّر بذلك وجه العالم ومحوره الذي كان حتّى ذلك الحين مُتمثّلا في الشرق. أمّا المرحلة الثانية فتمتدّ من 1750 الى 1950 وفيها تنضاف إلى الثورة الصّناعيّة الثورة الدّيمقراطيّة وأحداث جسام أخرى تسمحُ لأوّل مرّة في التاريخ لدولة واحدة بتوسيع نفوذها ليشمل الكون كلّه.
أمّا عالم الأجناس، جاك غودي، فيرى أنّ التّسليم بمقولة التّفوّق الغربي مطبّ يحسُن تفاديه. فكتابات المُؤرّخين الذين يدّعون تفسير صعود أوروبا كقوّة ضاربة في القرن التّاسع عشر تقوم على فرضيّة خاطئة، حسب رأيه، تُسطّرُ تاريخا للكون تُمليه خلفيّات تُجافي تماما الصّرامة العلميّة. ويأسف جاك ودي لأنّه حتّى المؤلفين الذين أُعجب بهم، من أمثال فرناند برودال، وقعوا في هذا المطبّ.
وإن كانت أوروبا، على حدّ قوله، قد سرقت التاريخ من بقيّة الحضارات فهي مدينة بذلك في المقام الأوّل لكونها قد فرضت على بقيّة العالم أُطُر تفكيرها هي. فكلّ تاريخ يُكتب اليوم يعتمد ترتيبا زمنيّا مسيحيّا باعتبار أن العام عدد واحد هو التاريخ المُفترض لميلاد المسيح. وكلّ تقسيم زمنيّ يعتمدُ مرجعيّة التطوّرالأوروبي الذي يُعتبرالأحسن والأمثل: ما قبل التاريخ، اختراع الكتابة (بداية العصور القديمة)، سقوط الإمبراطوية الرومانية (بداية العهد القروسطيّ)، اختراع الطباعة إضافة إلى اكتشاف امريكا (بداية العصور الحديثة) وأخيرا الثورة الصناعيّة وظهور الرأسماليّة. يرفض جاك ودي هذا التقسيم ويرى فيه منتهى سوء النيّة بدليل أنّه يتجاهل تاريخ آسيا وتاريخ افريقيا. لا تاريخ إذا لبقيّة القارّات إلاّ انطلاقا من تاريخ الإنسان المسيحي الأبيض. إنّ كلّ عمل يعتمد هذه المقاربة يشكو في نظره من قصور أساسيّ وهو قبول التفوّق الغربي على أنّه من المسلّمات واعتبار أنّه من المنطقيّ أن يؤدي إلى الهيمنة الأوروبية على مصائر العالم. على عكس ذلك، يرى أنّ هذه الهيمنة ناتجة عن ظروف معلومة من أهمّها احتكار أوروبا لكتابة التاريخ. وممّا لا شكّ فيه أنّ بقيّة الحضارات قد عرفت الكثير من الابتكارات كالعقلانية والاختصاص المهني والتّجارة على مستوى واسع وحبّ الآخر والتّسامح. إلاّ أنّ أوروبا تدّعي أنّها هي التي ابتدعتها كلّها.
كاتب تونسي