الطلاق من أبغض الحلال إلى الله عز وجل، والطلاق علاج للحالات المستعصية التي
لا يمكن فيها الإصلاح بين الزوجين والجمع بينهما، ويكون فراقهما خير من اجتماعهما .
فما الطلاق؟ وما أسبابه؟ وما ضوابط الطلاق في الإسلام؟
أما الطلاق فهو حل للرابطة الزوجية وإنهاء للعلاقة بينهما، العرب قبل الإسلام في الجاهلية كان للرجل أن
يطلق زوجته ما شاء أن يطلقها فإذا أوشكت عدتها أن تنقضي راجعها ثم طلقها فأنزل الله تعالى قوله:
الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان في الديانة اليهودية المنحرفة الطلاق بيد الرجل ويحق له أن يطلق زوجته لعيب
خُلقي أو خَلقي وليس للمرأة أن تطلب الطلاق.
في الديانة النصرانية المنحرفة الطلاق محرم جاء في إنجيل متّى: (ما جمعه الله لا يفرقه إنسان) لذا
يعيش كل منهما حياته الخاصة بين الخليلات في عهر ودعارة منهيان رابطة العلاقة الزوجية بينهما.
في إسلامنا الطلاق بيد الرجل ولكن للمرأة الحق أن تطلب الطلاق وللقاضي أن يفرق بين الزوجين
إذا أثبتت الزوجة أن ضررا وإيذاء لحق بها من قبل الزوج.
الطلاق بيد الرجل لأن عليه الالتزامات المالية في النفقة في المهر ما يجعله أكثر صبرا وأكثر ترويا قبل
الطلاق، والمرأة ليست كذلك فليس عليها من الالتزامات فيما لو حصل شجار أو نزاع أن تنطق ألفاظ
الطلاق لو كان الطلاق بيدها.
أما أسباب الطلاق:
فمنها العامة والخاصة ومنها الظاهرة والباطنة:
حديثنا عن الظاهر العام ومعظمها يعود إلى:
1- الأسرة المفككة:التي أصبحت سمة من سمات واقعنا، التربية المعوجة، الوالد الذي يظن أن مهمته
تنتهي بمجرد توفير الطعام والشراب لولده وهي نظرة لا تعدو أن تكون كنظرة الإنسان إلى الحيوان .
ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له أما تخلت أو أبا مشغولا
فلا يجلس مع ولده جلسة المؤدب المعلم له فينشأ جيلا لا رجولة فيه وليس له إحساس بمسؤولية الزواج ولا
يفكر بآثار الطلاق بعد ذلك وعواقبه.
والأم التي تظن أن مهمتها تنتهي بمجرد الوضع وتوكل أمر تربية الولد بعد ذلك إلى الخادمة أو المربية
ولا تعد ابنتها للحياة الزوجية وإذا أرادت أن تعدها فإنما تعدها حتى تكون ندا لزوجها تعلمها كيف تسلبه ماله؟
تعلمها كيف تبرؤه من أهله من أمه من أبيه؟
الأمر الذي أثمر لنا بعد ذلك الأسرة المفككة الضائعة التائه.
2- تنازع القوامة: فالأصل أن القوامة للرجل: الرجال قوامون على النساء [النساء:34].
فالرجل هو الذي ينفق على الأسرة وهو الذي يتولى مسئوليتها في الدنيا وأمام الله عز وجل يوم القيامة.
ويتولى حمايتها وهو أكثر تحكما بعواطفه من المرأة فهو الأنسب في سياسة الأسرة والقوامة عليها ولكن
التربية المعوجة هي التي أثمرت لنا المرأة المسترجلة التي شابهت الرجال الأمر الذي أصبح بعد ذلك سببا من
أسباب الطلاق وهو فقدان الاحترام والمودة بين الزوجين، والأصل أن الأسرة تقوم على المودة، تقوم على الرحمة:
وجعل بينكم مودة ورحمة [الروم:21].
ولكن التربية هي التي تجعل المرأة تغفل عظيم حق زوجها عليها، ورسول الله
يقول:
((لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها))([1]).
يقول أنس كان الأصحاب إذا زفوا امرأة إلى زوجها يوصونها برعاية حقه وبطاعته.
تحفظ لنا كتب التاريخ وصية أمامة بنت الحارث وهي توصي ابنتها يوم زفافها تقول: فكوني له أمة يكون
لك عبدا، وكوني له أرضا يكن لك سماء، وبالخشوع له والقناعة وحسن السمع له والطاعة، والتفقد لموضع عينه
و أنفه، فلا تقع عينيه على قبيح ولا يشم منك إلا أطيب ريح، والتفقد لوقت طعامه ومنامه، فإن تواتر الجوع
ملهبة وتنغيص النوم مغضبة.
نعم المرأة في واقعنا تخرجت من الجامعات والكليات ولكن خبرتها في الحياة وإقامة الأسرة المسلمة
ورعاية الزوج قليلة وإن لم تكن مفقودة، فهي في جهالة جهلاء وضلالة عمياء.
3- فقدان الاحترام: الرجل الذي نظر إلى زوجته أنها لا تعدو إلا أن تكون حماما يقضي فيها حاجته، فلا أحاسيس ولا مشاعر،
رسول الله
يقول:
((أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم))([2])،
والمرأة التي تنظر إلى زوجها نظرة السيد إلى الخادم، ولا يجوز أن يرفض لها طلبا، وتكلفه
ما لا يطيق من الكماليات وتتباهى بين صويحباتها بقوة شخصيتها وضعف شخصيته.
4- اختلاف الطبائع واختلاف الأخلاق: والله تعالى خلق خلقه منهم الطيب ومنهم الخبيث، ومنهم البخيل ومنهم الكريم، منهم الغضوب ومنهم الحليم، فإذا وجد
خلقان متنافران في الأسرة فإما أن يصبر أحدهما على الآخر، وإما أن يكون الطلاق محتملا. رسول الله
يقول:
((لا يفرك (لا يبغض)
رجل امرأته فإن كره منها خلقا أحب فيها آخر))([3]).ورب العزة يقول:
فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا [النساء:19].
5- مجالس النساء الفارغات: مجالس النساء إذا كان فيها النصيحة البناءة والتذكير بالله وباليوم الآخر وتعظيم حق الزوج ورعاية الأبناء فاحرص على
حضور زوجتك إليها، فإنها نافعة، وإن كانت مجالس غيبة ونميمة وتفاخر وإثارة للزوجة القانعة على زوجها، والراضية
بإفساد ما بينها وبين زوجها فيقول ابن الجوزي رحمه ال:له (وأكثر العلاج في إصلاح المرأة منعها من محادثة جنسها وأن
تكون عندها عجوز تؤدبها وتلقنها تعظيم الزوج)([4]).
6- النظرة المعوجة في أول النكاح وفي أثنائه: في أول النكاح: أن ينظر إلى النكاح على أنه صفقة تجارية الكل يريد أن يربح والكل يريد أن لا يخسر، الأمر الذي يجعل بعد
ذلك النفوس متوترة ثم تبادل الاتهامات والأقاويل والخداع.
أن يطلب من الزوج مقدما دينارا واحدا مثلا، ثم يستنزف حاله كله بحجة أنه ديناه.
في إسلامنا رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول:
((أعظم النكاح بركة أيسره صداقا))([5])
لأنه لا طمع فيه، تأمل معي:
خطب أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك بنت سعيد بن المسيب إلى ابنه فرفض سعيد بن المسيب إمام التابعين وسيدهم، ورعا
ومخافة من الله تعالى أن تعيش ابنته في بيت الخلافة وكثيرا ما تكون بيوت الخلافة فيها شيء من المظالم.
مظالم والله هي في واقعنا رحمات ولكنها في حسهم الإسلامي مظالم.
فيبعث أمير المؤمنين من يرغب سعيد ومن يرهبه فلا يلتفت إلى ذلك كله.
ويفتقد سعيد بن المسيب أحد تلامذته ابن أبي وداعة يوماً، فلما أتاه بعد ذلك، قال: لم تغيبت بالأمس؟ قال: ماتت
زوجتي، قال: ألا تريد أن تتزوج؟ قال: ليس معي مال، قال: وما عندك، قال: درهمين فقال سعيد بن المسيب زوجتك
ابنتي على درهمين.
يعود بعد ذلك مساء ابن أبي وداعة إلى بيته فإذا بالباب يطرق، قال: من؟ فأجابه الطارق: سعيد بن المسيب، فقال: ابن
أبي وداعة، عله جاء يعتذر عما أبرمه مسرعا، ففتح الباب يقول: فرأيت وراء سعيد ظل امرأة، فقال سعيد: كرهت أن
تبيت أعزب وهذه زوجتك، ودفعها وأغلق الباب، فقال: فاستغربت فعله، فخرجت إلى الجيران، قلت: استروني
ستركم الله، والله ليس عندي طعام أطعم به ابنة سعيد بن المسيب، فيقول: فاحضروا لي الطعام، ولما كان الصباح
أردت أن أذهب إلى سعيد حتى أطلب منه العلم، فقالت لي زوجتي: إلي أين؟ قلت: أطلب العلم من والدك، فقالت: اجلس فإن علم
سعيد بن المسيب عندي.
مفاهيم حقيقية غفلناها في واقعنا لا نكاد نجلس مع بناتنا أو أخواتنا فنعدهم إلى الإعداد الذي ينبغي للحياة الزوجية بل كل ما تأخذه
المرأة من أسرتها أن تكون رجلا في البيت بل لا تكاد تفرقها عن الرجل أيضا.
7- سوء اختيار الزوجة وسوء اختيار الزوج الرجل: وغفلة كاملة عن قول رسول الله عليه الصلاة والسلام:
((من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها))([6]).
ورسول الله عليه الصلاة والسلام يقول:
((إذا أتاكم من ترضون دنيه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في
الأرض وفساد كبير))([7]). رسول الله
يقول:
((من تزوج امرأة لمالها لم يزده الله إلا فقرا ومن تزوج
امرأة لحسبها لم يزده الله إلا دناءة، ومن تزوج امرأة يغض بها بصره ويحصن بها فرجه بارك الله له
فيها وبارك لها فيه))([8]).
8- رغبة الزوج في الزوجة الثانية : وهذا أمر أباحه الشرع:
فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع وهو علاج لمشكلة العنوسة في الأمة وكذلك لمرض الزوجة والشهوة العارمة للرجل وذلك بشرطين
العدل بين الزوجات والقدرة على الإنفاق، ولكن الإعلام فعل فعله في إفساد المفاهيم وصوّر الزواج
الثاني طعنا في كرامة الأولى وخيانة للعشرة، وسببا وجيها لطلب الطلاق.
9- قضية الولد: أن يطلب الرجل الجاهل من زوجته أن تلد غلاما فإذا لم تلد فهي طالق، وغفلة عن قول الله تعالى:
لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا
وإناثا ويجعل من يشاء عقيما [الشورى:49].
ذكر أن رجلا يقال له: أبو حمزة طلب من امرأته أن تلد له غلاما، فولدت جارية فهجرها عاما، مر بعد ذلك
بخبائها (بخيمتها) فسمعها تداعب وليدتها وتقول:
ما لأبي حمـزة لا يأتينا يظل في البيت الذي يلينا
غضبان ألا نلد البنينا تالله ماذاك في أيدينا
ونحن كالأرض لزارعينا نخرج ما قد زرعوه فينا
فكأنها نبهت في نفسه أمرا فدخل وقبل وليدته وقبل زوجته ورضي بعطاء الله.
رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول:
((من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده (يعني الذكور)
عليها أدخله الله الجنة))([9]).
ضوابط الطلاق في الإسلام: ينبغي على المرأة ألا تسأل زوجها الطلاق من غير بأس ومن غير ضرر حقيقي لحق بها ورسول الله
يقول:
((أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة))([10]).
في الطلقة الأولى أو الثانية لا يجوز أن تخرج من بيت الزوجية أو أن يأمرها زوجها أن تترك بيت الزوجية،
يقول الله تعالى:
لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعدّ
حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا [الطلاق:1].
قال العلماء: أي من الرغبة عنها إلى الرغبة إليها، ومن إيقاع الطلاق إلى استئناف الحياة الزوجية بينهما.
أما إذا خرجت المرأة من دار الزوجية ويعلم بذلك أهل الزوجين وتتدخل بعد ذلك الأطراف، الأمر الذي يوسع الشقة بين
الزوجين بعد ذلك.
وصية من الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الرجال والنساء معا: إلى الرجال أن يعرفوا طبائع النساء لغلبة الجانب العاطفي
فيهن يقول عليه الصلاة والسلام:
((استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع أعوج، وأعوج ما في الضلع أعلاه فإن
ذهبت تقومه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستمتعوا بهن على عوجهن))([11]).
ووصية للمرأة ألا تنكر معروف زوجها وإحسانه يقول عليه الصلاة والسلام:
((لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي
لا تستغني عنه))([12])،
ويقول عليه الصلاة والسلام أيضا:
((يا معشر النساء إني رأيتكن أكثر أهل النار، قالوا: مم يا رسول الله؟ قال: لأنكن تكفرن، قلن:
نكفرن بالله؟ قال: تكفرن العشير (أي الزوج)
لو أحسن الزوج إليكن الدهر كله ثم أساء قلتن: ما رأينا منك خيرا قط))([13]).