الإنسانية موحّدة بثلاثة كتب و في ثلاثة أبعاد يأمر الله تعالى الإنسان أن يقرأها فيقول :"اقرأ" : لخلق الإنسان بكتاب الهيكل الوراثي و لسلوكه في الدنيا علمًا و ثقافة بالكتب السماوية و أهمها القرآن و كلها في الكتاب العظيم الذي هو اللوح المحفوظ و لحسابه في الآخرة بالكتاب المحمول من كلّ إنسان.
قال الله تعالى : " اقرأ باسم ربك الذي خلق | خلق الإنسان من علقٍ | اقرأ و ربّك الأكرم | الذي علّم بالقلم | عّلم الإنسان ما لم يعلم
"قرأ" فعل متعدي فماذا يقرأ الإنسان ؟ إنّ "اقرأ" الأولى تهمّ خلقه* و الثانية تهم تعلّمه و تثقيفه لحسن سلوكه و في القرآن آية عظيمة أخرى تجمع الخلق و العلم معًا في قوله تعالى : "إنّ ربّك هو الخلاّق العليم | و لقد ءاتيناك سبعًا من المثاني و القرآن العظيم" فالعَلَق أساس خلق الإنسان وهي سبع من المثاني التي اكتشفها العلم الحديث سنة 1960 , وهي المجموعات السبع من 22 صبغية التي تحتوي على المورّثات حيث توجدالوحدات الوراثية معلّقة في شكل لولب وهي الصبغيات المشتركة بين الذكر و الأنثى و عندما يفصلهما الله في كلامه يذكر الصبغية الثامنة (أو عدد23)التي تفصل بين الذكر و الأنثى في قوله تعالى : " خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها و أنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمّهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث" فالأنعام جمع الجمع أي جمع نِعم التي هي جمع نعمة كالصبغيات جمع المورثات التي هي جمع الوحدات الوراثية و كلها نعمة الله للإنسان.
إنّ قراءة كتاب الهيكل الوراثي (22 صبغية) بغية أن يتكوّن الإنسان و قراءة القرآن الكريم (22 حرفا أبجديًّا) بغية أن يتعلم و يتثقف كي يهتدي في سلوكه في الدنيا و الكتابتان متماثلتان و منزّلتان و أما العلم في الإسلام صنفان** : علم الشهادة الذي هو في متناول إدراكنا و علم الغيب الذي يغيب عنا إدراكه و لا يدركه إلا هو سبحانه و تعالى
و المعلوم أن كتاب الهيكل الوراثي فريد لكل إنسان لا يوجد شخصان بنفس الكتاب : بين الأحياء أو الأموات أو الذين ما زالوا لم يولدوا و إن كانا توأمين لأنهما كالشيء و صورته في مرآة فالواحد متحول دوريا بزاوية 180 درجة بالنسبة للآخر و إن كانا ثلاثة توائم °120 و إن كانوا أربعة °90 إلخ... فالإنسان الواحد لا نظير له في كل الخلق عبر الزمان و المكان فإذا حاول الإنسان افتعال هذا الكتاب للخلق فهو يتغير إلى كائن مزعج و مخطر بعيد عن صفات الإنسان ثمّ يمحق... كذلك إذا انحرف الإنسان عن القرآن الكريم يسقط في هاوية الإندثار
و إنّ كتاب خَلْق الإنسان فهو الذي يحمله في جسمه و في كل خلية منه توجد هاته المعلومات في حجم ما يوجد في ثلاثين ألفا مجلدا من الحجم المتوسط و توجد في جسم الإنسان مائة مليارا من الخلايا أي أن جسم الإنسان كله يحمل معلومات تساوي ما في3.1015 أي 3 مع 15 صفر من المجلدات وهذا يعني أن جسم الإنسان يحمل من المعلومات ملاين مرة ما تحتوي عليه مجلدات الدنيا كلها طيلة التاريخ كله و أما القرآن الكريم فهو يستدعي لتفسيره كاملا مجلدات لا تحصى ولا تعد نظرا لاحتوائه علم الغيب علمًا بأن علم الغيب لا حدود له و من ذلك قال الله تعالى : "و لو أنما في الأرض من شجرة أقلام و البحر يمدّه من بعده سبعة أبحرٍ ما نفذتْ كلمات الله إنّ الله عزيز حكيم" فهو في اللوح المحفوظ عند الله و هو أيضا محفوظ في صدور الإنسانية فيستحيل أن يمسه أحد سوى المطهرون. و "يمسه" لا يعني يلمسه بل يدركه و يستأنس به و لا طهارة إلا بالإيمان... وهو مكتوب بالعربية التي هي اللغة الوحيدة التي لها مفتاح الحروف*** دون غيرها من اللغات الأخرى مما يجعلها ثابتة لا تتغير عبر العصور حيث أنها لغة السماء و الأرض..."إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون"
و أما الكتاب الثالث فهو خاص بكل إنسان و قد قال الله تعالى : "و كلّ إنسان ألزمناه طائره في عنقه و نخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا | اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً" وهو من الغيبيات و علم الإعلامية يأكد لنا أنه أمر ممكن و قد صدق الله العظيم
فلكل مسلم ثلاثة كتب بينها القرآن العظيم الذي بينّا طويلا* أنه أيضا معجزة علمية بمعنى علم العصر الحديث و لا يستطيع عاقل أن ينكر ذلك فتكون الإنسانية موحدة بكتب الله الثلاثة المذكورة و يقدم الإسلام للإنسان بهاته الكتب الثلاثة مشروعا متكاملا لكيانه و سلوكه و دوامه في الدنيا ثم في الآخرة ولا يوجد مثيله في التاريخ و لا في أي نظرية وثنية معنوية كالعلمانية (عبادة العلم) أو الإشتراكية أو الدمقراطية ... و لا في أي مذهب وثنية مادية كعبادة الأصنام أو النار أو المال(الرأس مالية)... و التي تهدف كلها إلى مشروع ضيّق لاستعباد الآخر و نهب ممتلكاته. فالمسلم لن يُقهر لِتمسّكه بهاته الكتب الثلاث التي لن يأتيَ بمثلها أي مخلوق و لن يستطيع أن يحرّفها أحد لقوله تعالى : " إنا نحن نزلنا الذكرى و إنا له لحافظون" و المسلم لا يعبد إلا الله الذي لا شريك له و لا يمتثل إلا لأمره و أمره "إقرأ" دنيا و آخرة.
الأستاذ الدكتور و المهندس بشير التركي – 15-11-2004