إرهاب وإرهاب

عدد المساهمات : 1563 تاريخ التسجيل : 24/01/2010

تونس - الصباح

منير الشرفي

أصدرت هيئة «كبار العلماء» السعودية الأسبوع الماضي فتوى جديدة بتجريم الإرهاب. و لقد
فرضت هذه الهيئة نفسها منذ سنوات عديدة كسلطة دينية إسلامية تبتَ في
القضايا الشائكة و تصدر الفتاوى في المسائل التي سكت عنها أو لم يتعرض
إليها النص القرآني بوضوح. و لقد أصبحت هذه الهيئة بمثابة المرجع الديني
الذي يعتمد عليه المسلمون في كامل أرجاء الأرض ويعودون إليه، رغم أن
الإسلام، على عكس المسيحية، لا يعترف بسلم كهنوتي.

هذه الفتوى تزامنت، و قد يكون ذلك من باب الصدف المدروسة، مع اجتماعات القمة النووية
التي دعا إليها الرئيس الأمريكي أوباما في واشنطن في نفس اليوم، ليناقش
خلالها ممثلون عن أكثر من 47 دولة تجديد إجراءات حظر الانتشار النووي و منع
تسربه إلى «القوى الإرهابية» أو إلى «الدول التي ترعى الإرهاب».
و لئن تداولت عبارة «الإرهاب»
في اللغة السياسية الدولية منذ العملية التي قام بها الفلسطينيون ضد
رياضيين إسرائيليين شاركوا في الألعاب الأولمبية بمدينة مونيخ الألمانية
سنة 1972، فإنها بقيت عبارة غامضة المفهوم بالنظر إلى ما يحمَلها مستعملوها
من معان مختلفة و أحيانا متناقضة.
فالإرهاب يعني لغويا كل عمل
يقوم به فرد أو جماعة ضد الآخرين مما يدخل فيهم الرعب و الخوف. أما
استعمالات هذا المفرد سياسيا من قبل الغرب فتمحورت بالأساس حول العمليات
الفدائية و أحيانا الانتحارية التي تستهدفه من قبل المسلمين. في حين أن
هؤلاء يرون أن تلك العمليات ليست سوى ضربا من ضروب الجهاد الواجب دينيا ضد
الكفار من جهة و دفاعا عن النفس ضد الاستعمار من جهة ثانية. و في الواقع
فإن كلا الطرفين وقف في تحليله و في موقفه عند ويل للمصلين.
فأما الجهاد في سبيل الله ضد
الكفار فلقد مات ضحية له من المسلمين أضعاف أضعاف الآخرين. و لا أحد يقدر
على إحصاء ضحايا عمليات المتطرفين الدينيين في الجزائر و في المغرب و في
مصر و في العراق... حيث يجرأ المسلم على قتل المسلم باسم الجهاد في سبيل
الإسلام لمجرد اختلاف في بعض التأويلات. و هل يوجد ضلال أخطر من هذا الصنيع ؟
زد على ذلك ما أقدم عليه المتطرفون من
عمليات في المدن الغربية دفاعا عن قضايا عربية وإسلامية، لكن و رغم عدالة
هذه القضايا فإن تلك العمليات أودت بحياة مدنيين أبرياء في باريس أو في
مدريد لا ناقة لهم و لا جمل فيها، بل ربما هلك فيها عرب و مسلمون أو حتى
أجانب من المؤِيدين لقضايانا.
أما من وجهة نظر الغرب فإنه لم
ينعت بالإرهاب أي عملية من العمليات التي تقدم عليها إسرائيل من تقتيل و
تشريد و تعنيف و تدمير و هدم للبيوت على أهلها في أراض استولوا عليها عنوة.
كما لم يصف بالإرهاب الحروب الظالمة و الاحتلال المباشر واللاشرعي و
المخالف حتى لمنطق العصر للعراق و لأفغانستان.
اليوم و قد بدا الطرفان، المسلم
و الغربي، وكأنهما متفقان على التنديد بالإرهاب، فإن المسألة في واقع
الأمر لم تزد إلا تعقيدا. ذلك أن المسلمين اعترفوا بإرهابهم في حين أن
الغرب لم «يعترف» إلا بإرهاب المسلمين. و كأني بالإرهاب لن
يسمح به مستقبلا إلا في اتجاه واحد. و ستبقى إسرائيل الدولة الوحيدة في
المنطقة المالكة لما طاب لها من رؤوس نووية...

كاتب تونسي