Admin Admin
عدد المساهمات : 2831 تاريخ التسجيل : 24/01/2010
| موضوع: حركة "النهضة" في مفترق الطرق2.2 الخميس 18 أبريل 2013 - 18:52 | |
|
بقلم : د. محمد نجيب القروي- إعادة سيناريو 1988-89: الائتلاف ضد الإسلاميين لقد ساهمت "النهضة" في تيسير إعادة إنتاج التحالف الذي كوّنه بن علي في 1988 وبعده حين "فتح" الحزب الاشتراكي الدستوري لدماء جديدة "مأدلجة" بتحويله إلى "التجمّع الدستوري الديمقراطي", وأنقذه بإعطائه نفسا جديدا بينما كان يحتضر في أواخر أيام بورقيبة . ثم ضمن موافقة بقية القوى تقريبا لضرب الحركة الإسلامية ومن بينها اتحاد الشغل وأحزاب "المعارضة" الموجودة آنذاك (القانونية وغيرها) والتي وافقت بن على أن "يأكل الثور الأبيض" بينما هي "تنظر في اتّجاهات أخرى". وإنّنا نرى اليوم تشكّل السيناريو ذاته بفارق أن النهضة اليوم ماسكة بالسلطة السياسية (ولا غير) وأن "التجمّع" غيّر اسمه من جديد ليصبح "حركة نداء تونس" وهو في "المعارضة". والبقية لا تغيير يذكر من قوى سياسية ومجتمع مدني واتحاد الشغل وإعلام ....
الفرق هو أن الحرب لن تكون هذه المرّة بالبوليس والسجن والمحاكمات ولكن بالتشويه والبروباقندا وتقنية "تخويف الشعب لإخضاعه" والدعم الأجنبي المعلن والضمني والحرب النفسية وحتّى ضرب الاقتصاد وزعزعة أركان الدولة لإسقاط الخصم منها . وأن النهضة لا يمكنها هذه المرّة كسب التعاطف الشعبي والدولي حيث أنّها في واجهة السلطة وليست في دور الضحية ممّا ييسّر ضربها اعتمادا على مفاهيم قديمة كانت لها استعمالات وقبول ليس بقديم العهد أخرجت بسرعة من الرفوف لاستعمالها بدون براءة مثل "الحزب الحاكم" أو "ديقاج" أو "القمع البوليسي" أو "الديكتاتورية" وحتّى هذه الأيام الإيحاء بأن "الانتخابات الأخيرة كانت مزيّفة" , مقابل ازدراء والتقليل من أهمّية المفاهيم الأساسية الجديدة مثل "الشرعية الانتخابية" و"تمثيلية الشعب" و"هيبة الدولة" ومهاجمة "الرموز العدوة" لإسقاط إشعاعها وتأثيرها . وبمضخّمات الإعلام يصبح قطّاع الطرق "شباب غاضب" والدفاع عن الذين يهاجمون مسلّحين وبأعداد كبيرة مراكز الأمن والولايات شيء طبيعي ومشروع جدّا (إلاّ إذا كانوا سلفيين) ورجل الأمن الذي يدافع عن مركزه وأمنه متّهم واستعمال الرش (عوض الرصاص الحي) فضيحة كبرى يجب محاكمة رئيس الحكومة ووزير الداخلية
والوالي من أجلها . أي المعنى هو أن القوة العامة لا يجب أن تستعمل مهما حصل وأن البلاد يجب أن تسلّم لكل من تحدّثه نفسه بالحرق والنهب وإيّاكم أن تعترضوهم وإلاّ حاكمناكم . أي مسؤولية ووطنية هذه التي تتسامح مع المجرم وتشجّعه بدعوى "الاحتجاج" وتريد معاقبة المدافع بدعوى استعمال القوة بينما هو "القوة العامة" بعينها والمسؤول عن المناعة ؟ (ثم نحاسبه ثانية لمّا تفقد هيبته ويفقد الأمن من البلاد , مفارقات عجيبة) . فقط لتصفية الحسابات مع طرف هو اليوم في الحكم , متناسية أنّها سترث غدا الوضع والمفاهيم التي غرستها اليوم بقصر نظر رهيبة وروح وطنية نسبية جدّا .
ما بعد 6 فيفري
بعد أن تأكد عجز الحكومة وإصابتها بالشلل الذي تجسّد خاصة في الإخفاق على مدى ستة أشهر في تغيير وزراء تبيّن للعموم فشلهم , وبعد محاصرة الحركة وقصفها من جميع الجهات والتصعيد الشديد من مختلف الأطراف وحتى من حلفائها في الترويكا , جاء حدث اغتيال شكري بلعيد وفي المساء نفسه تقديم موعد إعلان مبادرة رئيس الحكومة بتكوين حكومة كفاءات وطنية (وهو موقف نضج مليّا في الأسابيع السابقة وكان مقرّرا الإعلان عنه يوم الجمعة الموالي في حال فشل المفاوضات) , جاءت أحداث 6 فيفري "لتهدي" للحركة ما اعتبره البعض بمثابة طوق نجاة غير إرادي وغير منتظر . فبالرغم من تسرّع الخصوم إلى انتهاز حادث الاغتيال لاتّهام "النهضة" بدون أي دليل , وهي مناورة تندرج بوضوح ضمن الخصومة السياسية والدعاية ضد الحركة , فإن هذه الحادثة أحدثت صدمة كان من الممكن أن تسمح للنهضة بالنزول من على الركح واسترجاع الأنفاس واستخلاص الدروس من التجربة الصعبة والمراجعة والاستعداد إلى الانتخابات القادمة بعيدا عن أضواء السلطة ومساوئ نتائج العمل الحكومي التي لا يمكن إلاّ أن تكون ضعيفة في الظروف الراهنة وأمام حجم الإنتظارات , أضف إلى ذلك مشوّهة "بفضل" الاعلام والخصوم.
ولكن مرّة أخرى , وبعد تضييع فرصة مؤتمر جويلية 2012 للتقييم الجدي والصريح وتغيير الوجهة وإعطاء رسائل إيجابية ومن بينها تصحيح طريقة الحكم واتّخاذ القرار وتعديل في القيادة السياسية والفصل بين السياسي والدعوي , مرّة أخرى حال التشبّث بالسلطة والمصالح الشخصية والحسابات القصيرة المدى دون اغتنام الفرصة وتدارك الخطأ الأصلي بعد أن "طارت سكرة الحكم" واشتد طوق الأسر بفعل القصف العنيف والمتواصل من طرف الخصوم وتعطيلهم للعمل الحكومي ومجازفتهم حتى باقتصاد البلاد وأمنها واستقرارها من أجل إسقاط "العدو" , إلى جانب المطلبية المشطة من كل جانب مقابل ظروف تشتد صعوبة محلّيا ودوليا .
والآن ؟
يمكن تشبيه المشهد الحالي بجيوش تحشد قواها من أطراف متعدّدة ومتناقضة أحيانا , داخلية وخارجية بأشكال مختلفة , يجمعها هدف مرحلي واحد وهو القضاء على الإسلاميين وإخراجهم من الحكم نهائيا. مقابل حزب عزل ولا يزال عن المجتمع (بفعله الذاتي أوّلا وبفعل خصومه ثانيا) عبر حملات إعلامية مستمرة تستعمل كل ما أوتي إليها من أحداث وأخطاء حقيقية للنهضة وإشاعات لتسخيرها في المعركة في عملية بروباقندا وغسل أدمغة مثالية (وبمدد إضافي من "الأصدقاء" في الخارج) سيحتفظ بها التاريخ كحالة للدراسة . هذه العملية التي غذّتها النهضة في جزء كبير بمد خصومها بانتظام بهفوات وبمادة ثرية ما يفتأ المتربّصون بها يتلقّفونها عبر هياكل منظمة ومنسقة فيما بينها لاستغلالها عبر كل الوسائط وحتى النخاع .
لكن ما هي الرهانات هنا ؟ وماذا يعني ضعف أو قوة النهضة أو تهميشها عن الساحة السياسية في صورتها الحالية وتجاذبها بين مختلف "المتطرفات" ؟
النهضة ودورها في التوازن
مهما كانت أخطاء القيادة فادحة وانحراف جزء منها بالمشروع من مشروع حضاري مجتمعي إلى مشروع سلطة , إلاّ أن حركة النهضة بتاريخها وامتدادها وتأصّلها في المجتمع كحركة إسلامية معتدلة , لهذه الحركة وفي هذا الظرف بالذات الذي تعيشه بلادنا دور اجتماعي رئيسي وهو دور المحافظة على التوازن الهش بين أطراف تنتظر لحظة الحسم بينها . حيث أن الساحة في تونس اليوم أشبه بحلبة اجتمع بها فريقان كل وراءه جمهوره ومحرّضيه وكل منهم يزمجر ويتوعّد ويصعّد ويستعرض عضلاته: فريق العلمانيين المتطرّفين و"الملحدين الإيديولوجيين" من جهة بذراعهم "الاجتماعية" اتّحاد الشغل ووراءهم الغلاة من أهل الثقافة والتعليم والإعلام والطبقة الفرنكوفونية والخارج الفرنسي خاصة والأموال , هذا الفريق المقتنع بأن "الدين أفيون الشعوب" وأنه عنصر التخلف والانحطاط في مجتمعاتنا وأن لا مكان له أبدا خارج جدران المساجد والبيوت ولا مكان لأتباعه إلاّ بين جدران السجون أو في القبور. وفي الجهة المقابلة فريق ما يسمّى "بالسلفيين الجهاديين" وبحوزتهم كميات من السلاح ووراءهم شباب متحمّس وتمويلات وحركات جهادية منتشرة في دول الجوار, نصّبوا أنفسهم بأنفسهم كحرّاس العقيدة الوحيدين وفي داخلهم عقيدة راسخة بامتلاكهم دون غيرهم للحقيقة المطلقة وأن لا مكان "للكفّار" في أرض الإسلام , ولإن مكّن "لأهل الكفر" تحوّلت تونس من "أرض دعوة" إلى "أرض جهاد" وشرّع لهم حمل السلاح , أمنيتهم الأسمى الاستشهاد في سبيل الله.
وفي هذه الحلبة تلعب اليوم "الحركة الإسلامية" دور " نظام المخزن المؤقت " الذي يستوعب الطاقة عن يمينه وعن يساره ويمنع الالتحام شديد التفجّر بين هاذين المتناقضين والذي لا قدّر الله سيأتي على الأخضر واليابس ويعود بنا أشواطا إلى الوراء حيث لا قدرة لنا على تحمّل وتجاوز سنوات جمر مثل أشقّائنا الجزائريين الذين لهم من الثروات ما سمح باستيعاب الخسارة (عدى الخسائر البشرية و"هروب العقول" إلى الخارج).
ولكن بالرغم من هذا الدور الأساسي في هذا الظرف الدقيق , فأنّى للحركة الإسلامية أن تدّعي الحفاظ على مكانها على ركح السياسة إن لم تصلح حالها الذي آل بها وبالبلاد إلى ما هي عليه اليوم ؟ وهل أن هذا الدور يمكن أن يكون لوحده سببا كافيا لإبقاء هذا الحزب في السلطة , إن لم يتمكن في الحد الأدنى من إيجاد حلول لمشاكل البطالة ولم يتمكن من توفير الأمن وإنعاش الاقتصاد ؟
مستقبل النهضة : الاصلاح من الدّاخل أو الانقسام
لحركة النهضة رصيد قاعدي وتاريخي ونضالي ما يخوّل لها التعويل على قاعدة انتخابية صلبة حيث أنها تستجيب لحاجة حقيقية لشريحة من الشعب التونسي . إذا السؤال هنا ليس بقاؤها أو اندثارها , بل المطروح هو هل أنها ستتمكن من استعادة ديناميكية نموّها وعكس التيار الحالي , أو أنها ستتصلّب وتنحسر وتنقسم في نهاية المطاف ؟ وهنا تذهب الآراء في اتّجاهين : البعض يراهن على إمكانية إصلاح الحركة من الداخل والبعض الآخر يرى استحالة الإصلاح الذاتي وضرورة إحداث كيان جديد مختلف في التصوّرات وسبل العمل والأهداف المرحلية , مدافعا عن هوية هذا الشعب والوطن وعن دينه وأصالته ولكن بطرق مختلفة .
خيار الإصلاح من الداخل والذي يؤمن به حتى بعض القيادات المهمّشة , لتمسّكها بالحركة وتاريخها النضالي باعتباره ملكا لجميع أبنائها ولا يجوز التفريط فيه وفي الحركة ككل وإن مرّت بفترات صعبة واستبد بها البعض . ولكن يبدو أن هذا الإصلاح , على فرضية إمكانه , لن يتم إلاّ بعد وقت طويل نسبيا مرورا بالمؤتمر الاستثنائي المقبل (2014) على أقل تقدير وعلى فرضية أن القيادة الحالية تعترف بالإخفاق وتنسحب لتسلّم المشعل لقيادة جديدة تقدّم مشروعا واضح المعالم وخارطة طريق معقولة وواقعية , بعد تقييم صريح وشامل لمسيرة الحركة منذ نشأتها . وهذا بطبيعة الحال سوف يفوّت على الحركة وقتا ومحطّات مصيرية في هذه الفترة بالذات . ولكن ما حظوظ حصول مثل هذه "الثورة" في صفوف هذه الحركة الكبيرة بما تعنيه من "قصور ذاتي" (بالمعنى الفيزيائي) ؟ خاصة وأنّنا شاهدنا في الأشهر الأخيرة مدى التشبّث بالمواقع والمناصب حتّى في أعتى الظروف .
وهناك من يعتبر أنّه في كل الحالات وبالنظر إلى التجارب المحلّية القريبة (بورقيبة وتجربته مع حزب الثعالبي, ثم تجربة المستيري وجماعته مع الحزب الاشتراكي الدستوري الذي ورثه التجمع الدستوري الديمقراطي وسار على نهجه) لا يمكن تصوّر هذا الإصلاح من الداخل بأي صورة من الصور. وخاصّة وأننا نرى مقاومة شديدة حتى للإفصاح على أخطاء الماضي ونقدها لتجاوزها . وكأن النهضة تواجه صعوبات للتحوّل من حركة شديدة السرية والتكتّم إلى حزب جماهيري يتقدّم للنّاخبين وعليه واجب الصراحة والشفافية ويملك ديناميكية التقييم والاعتراف بالأخطاء وإصلاحها وتجاوزها ككل هيكل بشري .
نظرية إحداث حزب سياسي جديد لا ينعت بالإسلامي ولكنّه يحوي طيفا واسعا من التونسيين يشتركون في برنامج ومن بين نقاطه المحافظة والاعتزاز بالهوية العربية الاسلامية وتنمية شعور الانتماء إليها . ويعتقد هؤلاء أنه يوجد اليوم في تونس جمهور لا يستهان به لا يجد من بين الأحزاب الحالية من يمثله ويعبّر عن قناعاته . هي أو هو تونسي(ة) مسلم(ة) يمكن أن يكون ممارسا أو غير ممارس للشعائر الدينية , ولكنّه متمسّك بدينه وبهويته وسئم الكذب والمراوغة في السياسة ويرغب في دعم أناس صادقين غير طامعين , مخلصين لوطنهم ولا عقد لهم تجاه هويّتهم . هذا التونسي قد لا يرى في النهضة اليوم الحزب الذي يستجيب لرؤيته , ولكنه كذلك لا يؤيّد العلمانيين وموقفهم من هوية البلاد والعباد , ولا يرغب في الالتحاق بنداء تونس لاقتناعه أن التغيير والتطوير لن يأتي على أيدي رجال الأمس (ولا يؤمن بالإصلاح من الداخل حتى في هذه الحالة التي تقع فيها إعادة تجميع قدماء "التجمّع" وماكينته تحت اسم "نداء تونس") .
ولكن هل أن بعث مثل هذا الحزب في هذا الوقت وما قد يمثّله من جهد جهيد لتكوين الشبكة ومن خطورة التصادم مع النهضة لتداخل جماهير ناخبيهم الافتراضيين والوقت القصير المتبقي للإنتخابات , هل له حظوظ لطرح برامجه وأخذ مكانه على الساحة السياسية واستقطاب جماهيره المفترضة وتأمين جهوزيته للإنتخابات المقبلة ؟ وهل يوجد على الساحة , سوى الإسلامية (النهضوية وغير النهضوية) أو غيرها (وطنيين لا إيديولوجيين , قوميين...) من النساء والرجال ذوي الكفاءة من هم مؤهّلون ومستعدّون لخوض هذه المغامرة مع ما تفترضه من "قضم" في القاعدة الإسلامية الواسعة وقياداتها وإحداث "الانقسام" الذي تخشاه النهضة أيّما خشية ؟ وحتّى التحالف الانتخابي مع الأحزاب المحافظة الصغيرة الموجودة على الساحة ؟
في الأخير...
هل سيتمكن الشيخ راشد الغنّوشي والقيادة الحالية من إدراك حجم الضرر الذي لحق بالبلاد أوّلا وعلاقات المواطنين ببعضهم , ثم بالحركة و"بالمشروع الإسلامي" ثانيا ؟
ثم إذا أدركوا ذلك , هل سيعترفون بنسبة دورهم في هذا التدهور؟
وأخيرا إذا اعترفوا به , فهل يتجاوزون ذواتهم بإحداث رجّة إيجابية ووضع ديناميكية تغيير على رأس الحركة لدفعها في مسار جديد يصالحها مع العديد من أنصارها ومع شركائها في الوطن ؟
ولكن ولو سلّمنا أن ذلك سيحدث , وهو مستبعد , هل سيتعقّل من صنّفوا أنفسهم "كأعداء" للإسلاميين وليس خصوما فقط , وهل سيضعون مصلحة الوطن والمواطن (على الأقل مرحليا) فوق عداوتهم الإيديولوجية لإنقاذ الجميع وإنقاذ المسار الانتقالي والممارسة الديمقراطية , هذه الممارسة التي لا تحلو للجميع حيث يئس البعض من الوصول عبرها إلى السلطة .
الأسئلة مطروحة والوطن ينتظر ... ولكن الوقت يمر ... والأخطار تداهم
فهل من مجيب ؟
(1) نظام المخزن المؤقت système tampon
(2) قصور ذاتي Inerti
|
|
| |
|