[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

قال الله تعالى :

يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِندَاللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ

[سورة الصف : 2-3]

العلم لا يراد به أصلاً إلا العمل ، وكل علم لا يفيد عملاً ، ولا يتوقف
عليه حفظ مقاصد الشريعة ، ليس في الشرع ما يدل على استحسانه.
والعلم الذي مدح الله تعالى ورسوله أهله على الإطلاق هو العلم الباعث على العمل

وليس عالماً ذاك الذي لم يعمل بعلمه ، ولا يستحق وصف
التكريم هذا ، فعن علي - رضي الله عنه - قال : (يا حملة العلم : اعملوا به ،
فإن العالم من علم ثم عمل ، ووافق علمه عمله ، وسيكون أقوام يحملون العلم ،
لا يجاوز تراقيهم تخالف سريرتهم علانيتهم ، ويخالف علمهم عملهم ، يقعدون
حِلقاً ، يباهي بعضهم بعضاً ؛ حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى
غيره ويدعه أولئك لا تصعد أعمالهم إلى الله عز وجل) . وقال الحسن البصري -
رحمه الله - : (العالم الذي وافق علمه عمله ، ومن خالف علمه عمله فذلك
راوية سمع شيئاً فقاله) . وقال الثوري : (العلماء إذا علموا عملوا ، فإذا
عملوا شُغِلوا ... ) . وقال : (العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل) .

فالذين لا يعملون بعلمهم ولا يتسق سلوكهم مع عملهم ، فضلاً عن أن يكونوا من
الراسخين في العلم ، وإنما هم رواة أخبار وحفظة أسفار ، والفقه فيما رووه
أمر آخر وراء هذا . أو هم ممن غلب عليهم الهوى فغطّى على قلوبهم .
وهنا ينبغي أن يوجّه اللوم ، والعتاب كلُ العتاب ، لمن يفعل ذلك ، وحسبك أن
الله تعالى سمّى ذلك الانفصام بين القول والعمل مقتاً ، بل جعله أكبر
المقت وأشدّ البغض ، فقال :
كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ
الإيمان ليس مجرد كلمات يديرها الإنسان على لسانه ، ويتحلى بها أمام
الناس ويتشدق بها في المناسبات دون أن يكون لها أثرها في سلوكه وواقعه ،
ودون أن تترجم إلى واقع حي يراه الناس ، فيكون هذا الواقع العملي الظاهر
والالتزام مؤشراً على الإيمان الصحيح وعمقه في نفس صاحبه .
يقول صاحب الظلال - رحمه الله تعالى - : (إن الإيمان
الصحيح متى استقر في القلب ظهرت آثاره في السلوك والإسلام عقيدة متحركة ،
لا تطيق السلبية ، فهي بمجرد تحققها في عالم الشعور ، تتحرك لتحقق مدلولها
في الخارج ، ولتترجم نفسها إلى حركة وإلى حركة في عالم الواقع .

ومنهج الإسلام الواضع يقوم على أساس تحويل الشعور الباطن بالعقيدة وآدابها إلى حركة سلوكية لتبقى حية متصلّة بالينبوع الأصيل)

والمؤمن لا يخالف قوله فعله ، وهو الذي يبدأ بنفسه
أولاً فيحملها على الخير والبر ، قبل أن يتوجه بهما إلى غيره ليكون بذلك
الأسوة الحسنة والقدوة المثلى لمن يدعوهم ، وليكون لكلامه ذلك التأثير في
نفوس السامعين الذين يدعوهم ، بل إنه ليس بحاجة إلى كثير عندئذ ، فحسْبُ
الناس أن ينظروا إلي واقعه وسلوكه ، ليروا فيهما الإسلام والإيمان حياً
يمشي أمامهم على الأرض وليشعّ بنوره على من حوله ، فيضيء الطريق للسالكين ،
وتنفتح عليه العيون ويقع في القلوب ، فيحمل الناس بذلك على التأسي
والاتباع .. فهو يدعو بسلوكه وواقعه قبل أن يدعو بقوله وكلامه.. ولنا في
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير أسوة ، فقد كان عليه الصلاة والسلام
إذا أمر الناس بأمر كان أشد الناس تمسكاً به ، وكان يحمل أهل بيته على ذلك
قبل أن يدعو غيرهم .

وعن سعيد بن هشام قال : سألت عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - فقلت :
أخبريني عن خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقالت : أما تقرأ القرآن ؟
قلت : بلى ، قالت : » كان خلقه القرآن « ، فمهما أمره القرآن بشيء
امتثله ، ومهما نهاه عنه تركه .
وهي إجابة دقيقة من عائشة - رضي الله عنها - وهي إجابة
موجزة جامعة أيضاً ، تحمل في طياتها كل ما يخطر على بال المرء من أخلاق
الكمال وصفات العظمة ، فحسبك أن يكون عليه الصلاة والسلام ، ترجمة عملية
حية لمبادئ القرآن الكريم ، فإذا أردت أن تعرف أخلاق الرسول -صلى الله عليه
وسلم- ، فانظر إلى القرآن الكريم واقرأ ما فيه من آيات تحث على الأخلاق ،
وإذا أردت أن ترى القرآن الكريم واقعاً عملياً في حياة الناس فانظر إلى خلق
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وادرس سيرته بكل وعي وعناية واهتمام وبقلب
مفتوح على الخير ،

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
...