أثارت أحداث قفصة والقصرين الأخيرة جدلا واسعا وأسالت الكثير من الحبر والعديد
من ردود الأفعال بلغت حدّ التراشق بالاتهامات بين مختلف التيارات، لكن يبقى
الجزم في أسباب هذه التحركات مؤجل إلى حين البت في نتائج "المناظرة"
بالنسبة لشركة فسفاط قفصة ومراجعة "القائمة الاسمية المنقوصة لشهداء القصرين".
في البداية اعتبر رئيس مدير عام شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي التونسي،
قيس الدالي أن التسّرع في الإعلان عن نتائج تحمل عديد الثغرات والأخطاء كان
من بين الأسباب المختلفة في بلوغ هذه التحركات ذروتها وتسجيل خسائر فادحة
على مستوى الشركة. وذكّر الدالي بالموقف الصادر مؤخرا بتجميد الإعلان عن نتائج
أخرى تتعلق بمناظرة بالشركة إلى حين مراجعة كاملة للنتائج المعلن عنها من
قبل لجان خاصة سواء من أعضاء من التأسيسي تابعة لولاية قفصة كما اقترح
البعض أو من قبل لجان فنية أخرى هو موقف سليم إلى حين عودة الهدوء للجهة.
الاحداث والايديولوجيات!
ومن جانبه أفاد علي هوشاتي الإعلامي ورئيس تحرير مجلة "أصداء المناجم" الصادرة
عن شركة فسفاط قفصة في اتصال هاتفي لـ "الصباح" أن خصوصية الجهات والحالات
الاجتماعية المتردية للعديد من مواطنيها سبب مباشر لما جدّ من احتجاجات
بلغت ذروتها لكن تغذية الأزمة قادتها أطراف وصفها "بالمفلسة إيديولوجيا".
وأضاف محدثنا " لا ننسى ما تم تداوله مؤخرا في بعض وسائل الإعلام المحلية من أن أطرافا بشرت بثورة جديدة تنطلق من الحوض المنجمي"!!
وجهات سياسية
ومن جهة ثانية اختلف تناول التيارات
السياسية للأحداث الأخيرة في ولايتي قفصة والقصرين، حيث اعتبر علي العريض
القيادي في حركة النهضة رسالة الاحتجاجات في قفصة "مشروعة لكن ما رافق هذه
التحركات من أضرار لحقت مؤسسات الدولة أدانته الحركة دينيا وأخلاقيا".
واعتبر القيادي أن الأحداث التي جدّت مؤخرا في بعض الجهات يجب أن نبحث فيها من
ناحية الوقت والظرفية خاصة وأن الحكومة المقبلة لم تتشكل، في المقابل على
المواطن ان يعي ان هناك حكومة تصريف أعمال لازالت قائمة تؤدي عملها وهذا
ينفي ادعاءات بعض الأطراف بان البلاد في فراغ سلطة وهذه الحكومة تقوم
بدورها إلي حين تشكيل الحكومة المقبلة قريبا. وذكر المتحدث بان هذا التأخير
في تشكيل الحكومة مرتبط بقوانين ونواميس يجب احترامها وكما تمت الدعوة من
قبل رئيس الجمهورية المؤقت لانعقاد المجلس التأسيسي سيتم ووفقا للنواميس
انتخاب رئيس جمهورية داخل "التأسيسي" وفيما بعد يعيّن شخصية هي التي ستشكل الحكومة المقبلة.
الشهداء والمزايدات
أما حركة الديمقراطيين الاشتراكيين فقد أكدت في بيان صدر مؤخرا أن مطالب سكان
القصرين وقفصة هي من صميم مطالب ثورة الشعب التونسي عموما وأكدت في بيانها
على ضرورة إخراج قضية الشهداء من المزايدات السياسية والإسراع بتشكيل لجنة
مستقلة من ممثلين عن عائلات الشهداء وعن مكونات المجتمع المدني لتولي لضبط
القائمة النهائية لشهداء الثورة وتحديد صيغ واليات رد الاعتبار السياسي
والمعنوي لهذه العائلات.
معالجة الاسباب
من جانبه يرى عبيد البريكي الأمين العام المساعد بالاتحاد العام التونسي
للشغل أن طريقة معالجة أسباب المشاكل بالبحث عن ما وصفه "بكبش فداء" في كل
مرة تجد فيها أحداث في الجهات الداخلية لن تؤدي إلا لمزيد من التوتر.
وأكد البريكي على أن المطالبة بالحق في الشغل هو حق مشروع لكل تونسي ويجب أن يصبح هذا المطلب دستوريا أي يجب أن
يتضمن الدستور الجديد فصلا واضحا يقر بحق الشغل لان هذا الإقرار سيؤدي
فيما بعد إلى تكريس الحق في منحة البطالة. وكان الاتحاد قد اصدر بيانا يدين
فيه انتهاك حرمة مؤسسات الدولة على خلفية ما جد في ولاية قفصة ودعا إلى
اعتماد مقاييس موضوعية وواضحة في تناول مثل ملف الانتدابات.
استقالة الحكومة..
ورغم تباين الآراء والمواقف حول ما جد مؤخرا في بعض الولايات الداخلية من ان
الأحداث ممنهجة و"ماكينة" المؤامرات مازالت تعمل ارجع البعض الآخر ما حدث
من احتجاجات إلى حقيقة وضع اجتماعي متأزم يعيشه متساكنو هذه الجهات، كما
خلص البعض الآخر إلى فرضية ان ما جدّ ربما يعود إلى إعلان الحكومة المؤقتة
استقالتها مبكرا وتوليها تصريف الأعمال إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة،
بينما يعتبر أستاذ القانون الدستوري سليم اللغماني أن استقالة الحكومة
رسميا لم يترك أي فراغ في السلطة لأنها أعلنت أنها ستبقي لتصريف الأعمال.
كما استبعد اللغماني أن تكون الأحداث الأخيرة في عدد من الجهات الداخلية لها
علاقة "بالاستقالة " لان متساكني هذه الجهات باتوا متيقنين أن مطالبهم باتت
موجهة إلى "الشرعية" وهي الأطراف المنتخبة.
وفي سؤال لـ"الصباح" حول علاقة تأخير تشكيل الحكومة بالإحداث الأخيرة أكد
اللغماني انه لا يمكن الحديث عن أي تأخير لان تشكيل الحكومة من خلال تحالف
يأخذ حيزا من الوقت مع العلم أن التصريح بالتحالف كان على مستوى ممارسة
السلطة وليس تحالفا دستوريا وهو ما يشير إلى الاختلاف في مشروع الدستور وهو
مشكل حقيقي ومن الوارد جدا أن يحدث جدلا وتفاديا ذلك، على الأحزاب الثلاثة
على فصل العمل الحكومي عن العمل في "التأسيسي" وهي فرضية صعبة لأنه لا
يوجد انسجام بين الائتلاف الحكومي والمشاريع الدستورية وهو ما يؤثر عن
انسجام الحكومة المقبلة.
جهاد الكلبوسي
الأحد 27 نوفمبر 2011 - 16:29
