تطورات الاوضاع على الصعد العسكرية في ميادين القتال وجبهاته تبدو واضحة لا
لبس فيها او غموض، حيث تواصل قوات المعارضة الليبية تقدمها نحو مدينة
طرابلس من الجنوب والغرب، بعد استيلائها على مدن مهمة مثل الزاوية وصرمان
وصبراتة في الغرب وغريان في الجنوب، ولكن الحال ليس كذلك عندما يتعلق الامر
بالجوانب السياسية لهذا الصراع، والمستقبل الذي ستكون عليه ليبيا بعد
الاطاحة بنظام العقيد معمر القذافي من السلطة.
غارات طائرات حلف الناتو
المكثفة التي تستهدف كتائب القذافي، وبعض تجمعات قواته تلعب دورا كبيرا في
تحقيق هذا التقدم في ميادين القتال لصالح المعارضة، بعد ان نجحت هذه
الطائرات الحديثة والمتطورة في تدمير جميع القدرات الدفاعية والهجومية
للنظام الليبي واصبحت تقوم بطلعاتها دون اي اعتراض او عوائق.
اللافت ان
هذه الغارات تصاعدت وتيرتها في الايام الاخيرة مما يوحي بوجود خطة للبدء في
مهاجمة طرابلس العاصمة، وربما محاولة دخولها قبل نهاية شهر رمضان الحالي،
وقبل انعقاد الاجتماع المخصص لقيادة حلف الناتو في بروكسل لتقييم العمليات
على الارض، والتمديد لهذه العمليات فترة اخرى قد تمتد بين ثلاثة الى ستة
اشهر.
عندما بدأت عمليات حلف الناتو العسكرية في ليبيا كان هناك اعتقاد
سائد بان مهمتها ستكون سهلة وقصيرة المدة، لانعدام التكافؤ العسكري نتيجة
للوضع البائس لقوات النظام، ولكن صمود كتائب القذافي لاكثر من خمسة اشهر في
مواجهة الحلف العسكري الاقوى في العالم فاجأ الكثيرين في قيادة الحلف
بشقيها السياسي والعسكري.
المعضلة الاكبر التي تواجه كلا من نيكولا
ساركوزي رئيس فرنسا وديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا اللذين يلقيان بثقل
بلديهما خلف المخطط العسكري الراهن لتغيير النظام في ليبيا تتمثل في كيفية
تجنب ما حدث في العراق بعد الاطاحة بنظام الرئيس العراقي صدام حسين من
فوضى واعمال نهب وسلب، وانهيار مؤسسات الدولة وغياب البديل السياسي الواضح
لتولي زمام الامور في البلاد بفاعلية.
المعارضة الليبية المتمثلة
بالمجلس الانتقالي الليبي المؤقت بقيادة السيد مصطفى عبد الجليل وزير العدل
السابق في نظام القذافي تواجه ازمة انقسامات على درجة كبيرة من الخطورة
بين التيارين الليبرالي العلماني المدعوم من الغرب، والتيار الاسلامي الذي
يحظى بشعبية كبيرة في اوساط الليبيين الذين يغلب عليهم طابع التدين. وهذه
الانقسامات كانت الدافع الاكبر لحل المجلس التنفيذي (الوزارة) وطرد جميع
اعضائه، واعادة تكليف رئيسه السيد محمود جبريل بتشكيل مجلس تنفيذي جديد بعد
جدل كبير حول مدى اهليته لهذا المنصب، نتيجة اقامته الطويلة خارج ليبيا
طوال الاشهر الماضية.
المفاجأة الكبرى التي بدأ مهندسو التدخل العسكري
يكتشفونها في ليبيا تتمثل في طغيان الجناح الاسلامي المتشدد عندما يتعلق
الامر بالوضع على جبهات المواجهة. فمعظم المقاتلين الاشداء هم من انصار هذا
الجناح. وظهرت هذه الحقيقة بجلاء عندما قامت احدى الكتائب الاسلامية
باغتيال الجنرال عبد الفتاح يونس قائد قوات المعارضة بحجة الولاء لنظام
القذافي، واعلان هذه الكتيبة (ابو عبيدة الجراح) التوقف عن القتال تحت راية
حلف الناتو.
خلف الكواليس تجري حاليا جهود مكثفة من قبل الرئيس ساركوزي
لتكوين تحالف بين المعارضة الليبرالية العلمانية وقيادات التكنوقراط في
النظام الليبي يتولى قيادة الدولة وتسيير شؤونها، والتعاون سويا من اجل
قتال الجماعات الاسلامية المتشددة باعتبارها خطرا مشتركا على الجانبين، في
المقابل يقوم سيف الاسلام القذافي وبعض اشقائه بمفاوضات واتصالات موازية مع
جماعات اسلامية متشددة في صفوف المعارضة وقواتها لتشكيل تحالف مضاد يتولى
قتال الليبراليين العلمانيين وحلف الناتو معا، كرد على محاولة استبعاده، اي
سيف الاسلام، من اي ترتيبات مستقبلية في ليبيا ما بعد القذافي.
من
الصعب الجزم، في الوقت الراهن على الاقل، بان ايا من التحالفين سيملك اليد
العليا في ادارة ليبيا الجديدة، ولكن ما يمكن التكهن به، ان النموذج
الافغاني، اي نموذج حامد كرزاي هو الاكثر ترجيحا، اي وجود نظام ضعيف في
طرابلس مدعوم من حلف الناتو وقواته، ويواجه معارضة شرسة من محيط اسلامي
متشدد يرفض حكمه.