رغم إقرار مسؤوليه بحياده عن الأحزاب السياسية مازال الاتحاد العام التونسي
للشغل يعيش تحت ضغط الاتهامات بتمويل أطراف سياسية ولاسيما لفائدة "حزب
العمل التونسي" الذي يتزعمه الدكتور النقابي عبد الجليل البدوي. ويتعلل
سياسيون أن دعم الاتحاد لهذا الحزب يأتي في إطار حرص الهيكل العمالي على
ضمان أكبر عدد ممكن من النقابيين في المجلس التأسيسي بعد أن فهمت المنظمة
أنه لا يمكنها التأثير للحصول على مقاعد في إطار "الكوتا" والتي كان أثارها
أعضاء الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة عن اتحاد الشغل.
ويردّ أعضاء من المكتب التنفيذي للمنظمة "أن هذه الأفكار تدخل في إطار التأويل السياسي لا غير وأن الاتحاد لا يدعم أيّ طرف على حساب طرف آخر".
وبالرغم
من هذه التصريحات فإن ذات الأطراف لم تقتنع بما قيل متهمة الاتحاد بالدّعم
المادي والمعنوي لهذا الحزب وإعطائه صلاحيات مالية ودخول المال النقابي
على خط الأحزاب السياسية وهو ما أثار حفيظة أحزاب تشكل بدورها المشهد
النقابي داخل المنظمة.
فما مدى صحّة هذا الموقف؟ وهل يتحوّل الدعم النقابي أساسيا لأحزاب على حساب
أحزاب أخرى؟ وما هو دور المال النقابي في المحطة السياسية القادمة؟ وهل
يشكل دعما أساسيا للأحزاب إلى جانب المال السياسي؟
نعم سندعم.. ولكن
وفي ردّه على جملة الأسئلة المطروحة اعتبر الكاتب العام لنقابة التعليم
الثانوي -أكبر النقابات "المسيسة" داخل المنظمة- أن الهيئة الإدارية
الأخيرة عبّرت عن موقفها بإبقاء المنظمة على الحياد عن جميع الأحزاب".
وقال الطاهري: "إن من قوّة الاتحاد تنوّع التيارات السياسية الممثلة داخله وهو ما حوّله إلى فضاء للحوار والنقاش والصراع وهو ما ينهي مقولة دعم هذا الطرف أو ذاك إيمانا بأن للمنظمة دورا في ضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي للبلاد".
ولم ينف الطاهري "أن الطبقة الشغيلة لن تخفي دعمها للأحزاب التي تحمل نفس هموم
العمال من دفاع عن الحقّ النقابي وحقّ الشغل دون أن يغفلوا عن رفضهم
للأحزاب ذات التوجه الليبرالي والتي تدعم التفويت في المؤسسات الوطنية أو
تلك التي تدعم التطبيع مع الكيان الصهوني أو الأطراف السياسية التي تدعم
التعددية النقابية المشبوهة".
محترفو مغالطة
واعتبر رئيس "حزب العمل التونسي" عبد الجليل البدوي أن ما يتداوله البعض من دعم
اتحاد الشغل لحزبه هو من "قبيل الإشاعة غير المسؤولة" واصفا مطلقي هذه
"الإشاعة بمحترفي مغالطة الرأي العام".
وبيّن البدوي "أن كل ما في الأمر هو أن الحزب مدعوم من قبل النقابيين الذين
ساعدونا على الانتشار والتعريف به ولا أحد يمكنه منع النقابي من ممارسة العمل السياسي بما في ذلك قيادات الاتحاد".
واستغرب البدوي من هذا التناول الإعلامي للموضوع داعيا في هذا الإطار إلى ضرورة
البحث وفضح الأحزاب التي لها مصادر تمويل مشبوهة ومن عدة جهات".
المال النقابي
ورغم نفي الطاهري والبدوي لدور المال النقابي في دعم أطراف سياسية، فقد أكد عضو
المكتب السياسي لحزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي والمكلف بالعلاقات مع
المنظمات والأحزاب فتحي الخميري المسألة قائلا: "في اعتقادي أن الاتحاد
العام التونسي للشغل سعى إلى تمويل ودعم بعض الأطراف السياسية، حيث اتخذ
هذا الدعم أشكالا متعددة سواء كان ماديا مباشرا، أو دعما معنويا من خلال
الإعلام او الدعم البشري بدعوة نقابيين لحضور اجتماعات هذه الأطراف".
واعتبر الخميري "أن هذا التدخل خلق تدخلا مباشرا للمال النقابي الذي بات شكلا
جديدا من أشكال الدعم السياسي إلى جانب المال السياسي الداعم للحياة السياسية".
بوابة المرحلة
وأوضح الخميري: أن الاتحاد كان عبر التاريخ هو الفضاء الوحيد المتاح للعمل
السياسي بالنسبة للأحزاب المحظورة حيث يبرز الصراع بين مختلف الكتل
السياسية والمرجعيات الإيديولوجية وعادة ما ينتهي بالتوافق، وبعد 14 جانفي
وسهولة تكوين الأحزاب لم يعد هناك ضرورة لتواجد هذه الأحزاب داخل الاتحاد
غير أنه يحاول المحافظة على دوره التاريخي كفاعل في الحياة السياسية سواء
بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر من خلال دعمه بعض الأطراف السياسية".
وتوقع المتحدث: "أن يكون المؤتمر القادم للاتحاد مجالا للصراع السياسي نظرا لما
يمثله الاتحاد على المستوى المادي، وككتلة ناخبة يمكن أن يحدد مصير
الانتخابات في مختلف المحطات القادمة"، معتبرا أن "الحل الحقيقي يكمن في
دعم التعددية النقابية وتحديد مستوى النضالية والصدقية في التعامل مع
الملفات العمالية".
خليل الحناشي