عبد المجيد
عدد المساهمات : 1467 تاريخ التسجيل : 18/03/2010
| موضوع: قائد السبسي يصفع أحمد منصور.. فينفجر مُقهقها الخميس 16 يونيو 2011 - 10:58 | |
| بقلم عبد الرؤوف المالكي هذه المرة لم يضحك الصحفي المصري أحمد منصور مثلما ضحك في المرات السابقة ساخرا من ضيوفه, كان في كل مُقابلة صحفية ينصب الفخ للضيف بدم بارد ليُربكه فيتعثر هذا الأخير في الأسئلة الشائكة والخبيثة ويفقد أعصابه. هكذا فعل مع نائب رئيس الجمهورية المصري الراحل حسين الشافعي الذي نجح أحمد منصور في إخراجه عن طوره وحرق أعصابه فانفجر غاضبا، شاتما، مُهددا، مُتوعدا... وطبعا انتصر المُحاور على الضيف, وكذلك فعل مع كثير من الضيوف، ومنهم وزير الداخلية الأسبق الطاهر بلخوجة الذي أخفق في الدفاع عن رئيسه الحبيب بورقيبة فأفحمه أحمد منصور، ولم يملك سوى أن يُردد «لا يا سيدي، لا يا سيدي ...» مع نصب الياء الأولى، التي يُفترض أن تُكسر...
في الحوار الخاص الذي بثته قناة «الجزيرة» القطرية يوم الإثنين الماضي مع الباجي قائد السبسي عاد منصور إلى حجمه الطبيعي لأول مرة,كان التلميذ يسأل والأستاذ يُجيب، ليس فقط بأريحية وثقة في النفس، بل كان الضيف هو المسيطر تماما على الحوار من البداية إلى النهاية. وإذا ما قرأنا هذا الحوار من زاوية المعايير الأكاديمية لفن المقابلة الصحفية سنجد أنه اشتمل على جزءين رئيسيين هما المعلومات والمواقف. ففي الجزء الأول كان الصحافي ينشد في المقام الأول معلومات جديدة لم يسبق أن أذيعت، حتى يكون هو المقابلة التي تُولدها وتبثها إلى المشاهدين وفهم قائد السبسي هذا الهاجس بحسه السياسي النبيه فأغرق مُحاوره بشلال من المعلومات الجديدة، حتى جعله يلهث وراءه ويستوقفه في كل مرة، مُستوضحا ومُدققا ومُكملا. هكذا «هرب» قائد السبسي بالمُحاور، كما يُقال عندنا في تونس، لأنه صانع قرار، وصانع القرار هوالوحيد الذي يملك أن يُعطي معلومات خاصة ومن تلك المعلومات كشفُ النقاب عن بدء محاكمة بن علي في العشرين من الشهر الجاري، وتحديد عدد التهم الموجهة إليه وإلى من معه، وتوزيعها إلى محاكمتين عسكرية ومدنية...
إجابات دقيقة ومُرقمة
في هذا السياق حاول الصحفي إحراج الوزير الأول بأسئلة عن القناصة وقتلة الأطفال والشبان في القصرين وسيدي بوزيد، مُرددا ما قال إنه سمعه عن تقصير في محاسبتهم، فوجد قائد السبسي مالكا تماما لملفاته، إذ رد بإجابات دقيقة ومُرقمة عن القضايا الجارية ضد المظنون فيهم، مُعرجا على المسؤولين الأمنيين الذين تمت إقالتهم أو مُحاسبتهم، ومُوضحا في الوقت نفسه أنه لا سبيل لعقاب جماعي، لأن هذه العقلية تصلنا بالقرون الوسطى، كما قال. وهنا لاحظ المشاهد أن قائد السبسي استمر في التقدم ماسكا بزمام المبادرة بفضل قدرته على الرد على جميع الأسئلة، مثل الإعلان عن استعداد تونس للإعتراف بالمجلس الوطني الإنتقالي الليبي إذا ما طلب منها ذلك، أو مُتخلصا بدهاء مثل رده على السؤال: «ماذا قال لك أوباما عندما كنتما تتحادثان على انفراد؟» فأجاب قائد السبسي من دون أن يُجيب... وكذلك فعل الوزير الأول حين تبنى المُحاور موقف طرف سياسي معروف في التشهير المُبطن بخصم سياسي، إذ زعم منصور أن بعض رجال الأعمال يدفعون حزبا سياسيا إلى الواجهة لكي يحتل المكان الذي أخلاه الحزب الحاكم المُنحل، فتسامى قائد السبسي عن التعليق على تلك المهاترات، وانتهز الفرصة لكي يُنبه محاوره إلى الفرق بين حزب بورقيبة وحزب بن علي، واستطرادا إلى الفرق بين شرعية الأول ولا شرعية الثاني، فتظاهر منصور بأنه لم يفهم ومضى إلى السؤال الموالي «أليس من أخطاء بورقيبة أنه سمى بن علي خليفة له؟». غير أن قائد السبسي لم يتردد في الرد بأن ذلك كان فعلا خطأ من بين أخطاء أخرى. إنها لعبة سحب بساط بفطنة وثقة في النفس نزعت من المُحاور أهم أسلحته، ونقلت الإرباك إلى الجهة الأخرى ويجوز القول إن قائد السبسي تغلب بشكل واضح في تلك الجولة لأنه راوغ مُحاوره بدهاء.
كما عكس قائد السبسي الهجوم عندما تعمد منصور التعريض بالجيش التونسي زاعما أن الحكومة تأتمر بأوامر قيادة الجيش، لكن الوزير الأول لم يُجب بطريقة واضحة ومُقنعة فقط، وإنما أماط اللثام عم حاول الصحفي إخفاءه من دور حاسم للمؤسسة العسكرية في مصر اليوم.
الهجوم بدل الدفاع
في الجزء الآخر من الحوار، الذي كان متداخلا مع الأول، حاول الصحفي الهمز واللمز، خاصة بالتلميح إلى دور قائد السبسي في حكومات بورقيبة، فوجد هنا أيضا رجل دولة هادئا، استطاع بلباقة أن يضعه في مكانه. قال قائد السبسي لأحمد منصور «أعرف موقفك من بورقيبة وأنا مستعد لمحاورتك»، وما يهمنا ليس مضمون الموقف من الرئيس الأول للجمهورية (الذي قد يختلف حوله الناس مع قائد السبسي وقد يتفقون)، وإنما الروح التي واجه بها الضيف مُحاوره، وهي روح هجومية وليست دفاعية مثلما فعل كثير من الذين جلسوا إلى منصور وكأنهم يُقادون إلى محكمة ثورية أو يُجرون إلى كرسي الإعتراف. قطع الوزير الأول الطريق أمام التلويح بمحاكمته مرتين: الأولى بطريقة غير مجازية حين سُئل هل يقبل أن يُحاكم أو يُدعى للتحقيق معه مثل الغنوشي، فكان صريحا وأكد أنه هو وأعضاء حكومته خاضعون طبعا للمحاسبة عند الإقتضاء، فأفحم مُحاوره.
والثانية كانت مجازية حين لوح المُحاور بإمكان إخضاع قائد السبسي لحوار تليفزيوني قاس حول مسيرته السابقة، وتحديدا عن الحقبة البورقيبية، في إطار برنامج «شاهد على العصر»، فابتسم بأسلوبه الساخر طالبا من الصحفي أن يُكمل أولا قراءة كتابه عن بورقيبة «الأهم والمهم» ثم يأتي لمحاورته لكنه لم يُفوت الفرصة قبل أن يُوجه له سهما أصاب قلب المرمى، مذكرا إياه بأن موقفه من بورقيبة بات معروفا وهذا معناه لمن يقرأ بين السطور «أنت متحامل ولست موضوعيا ولا مُنصفا». وكان قائد السبسي يُشير بذلك إلى أن أحمد منصور عضو في «حركة الإخوان المسلمين»، وقد قضى كل حياته متبنيا بالكامل لمواقفها سواء حين كان يكتب في مجلة «المجتمع» الكويتية الموالية لتلك الجماعة، أو في محطة «بي بي سي» ثم في قناة «الجزيرة». وظهر هذا الإنحياز المُسبق، المنافي لأصول المهنة الصحفية، في الحوارات التي أجراها منصور مع رجال الدولة المصريين والتونسيين والجزائريين واليمنيين الخ والذين استند في محاورته لهم على المواقف المعروفة للإخوان.
وبدل أن يرد منصور على هذه الصفعة بطريقة من الطرق، ارتبك ولم يجد مخرجا سوى أن انفجر مُقهقها وكأنه استلطف جواب الضيف، لكنه في الحقيقة موقف من عجز عن الجواب. أتمنى أن يعتمد الزملاء المُدرسون في معهد الصحافة وعلوم الإخبار هذه المقابلة الصحفية درسا تطبيقيا لتلقين الصحفيين الصاعدين كيفية تفادي السقوط في الفخ الذي وقع فيه أحمد منصور، خاصة أنه وعد بالعودة إلى تونس لمُحاورة قائد السبسي حتى «يضحك مجددا» كما قال، غير أنني واثق من أنه لن يقترب مُجددا من هذه المنطقة المليئة بالألغام.
* أستاذ جامعي مختص في علم اجتماع الإعلام | |
|