في ظل غياب الرقابة والتوجيه، أصبحت المساجد وكغيرها من الفضاءات العامة تشهد
حراكا وصل في بعض الأحيان إلى حد الصراع بين منتسبين الى حركات اسلامية
مختلفة، ليفرض الرأي بالقوة فيما أضحى قبول الرأي المخالف من ضرب المستحيل,
ولم يعد العودة الى الكتاب والسنة هو السبيل ومنطلق الحوار بين كل الجماعات والمرجعيات الدينية حيث حضر التعصب وغابت الحكمة والموعظة الحسنة.
تعددت الاراء واختلفت حول تقييم الوضع في المساجد حيث يرى البعض الى القول بان
هذه الظاهرة عادية وهي صحية بعد كبت جثم على نفوس رواد دور العبادة طال
سنين فيما ذهب البعض الاخر الى ضرورة وضع حد للتجاوزات.
بين الدمغجة والتوجيه
لم تهدأ السجلات والنقاشات داخل بعض المساجد منذ 14 جانفي، حيث احتد الحوار
بين مختلفين في الراي فلم يكن الكتاب والسنة هو المرجع بالنسبة لبعض
الأطراف بل كان التعصب لقول «امرائهم» ومشائخهم وفتاواهم هو السبيل
والارضية التي ينطلقون منها. وكانت الدعوة بدورها للمنهج المتبع هي هدف
جميع الفرقاء، اما عن اهم نقاط الصراع بينهم فقد كانت مسألة التكفير حيث
قال محمد وهو احد رواد جامع العبادلة باحواز بنعروس :»يرتاد المسجد عدد من
الشباب المتحمس تراه يحاور هذا ويدعو ذاك ويتجاذب اطراف الحديث مع الاخر
حول مواضيع دينية من بينها الجهاد وتكفير ولي الامر والحاكم المنتظر والذين
سيكفرونه كغيره ان لم يحكم بما انزل الله. ولسائل ان يسال هل من المعقول
ان يقع التركيز على تكفير الغير من قبل افراد غير مؤهلين علميا ان لم نقل
جهلة بامور العقيدة والفقه ؟ وكيف يمكن ربط الدعوة بالجهاد وتكفير ولي
الأمر في حين ان الدين اشمل وارحب؟
تهديد بالسلاح
وصل التعصب في الدين وعدم قبول الاخر ورفض الحقيقة بالبعض الى التعدي على حرمة
غيرهم من المصلين في سابقة خطيرة، حيث وقع مداهمة منزل احد الاشخاص من قبل
افراد ملتحين وحاملين لأسلحة بيضاء وسلاسل حيث قال المعتدى عليه وهو شاب
في العقد الثالث من عمره :»لقد فوجئت بافراد ملتحين من منتسبي النهج
التكفيري يقتحمون منزلي ويعتدون على اخي بسكين وهددوني بعدم الاقتراب من المسجد او الحديث مع أي كان من رواده حول الدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وليس بالعنف وتكفير الرئيس ومن ولاه من المرؤوس.»
انتقال الصراع إلى الفايس بوك
واجهة اخرى اعتمدها منظرو ومنتسبو التيارات الاسلامية المتشددة لنشر دعوتهم وهي
المواقع الاجتماعية عبر تكوين صفحات على «فايس بوك» او من خلال «التويتر»،
فكانت الدعوة الى الجهاد من اقوال لخطبائهم ودعاتهم او عبر «الاناشيد
الجهادية» .في المقابل تم انشاء صفحات تدعو الى الكف عن النهج التكفيري ومن ورائها اراد باعثوها و كما يقولون - ان تكون اداة من اجل كشف المفسدين والدفاع عن السنة وعن أهلها. ـلقد اضحت المساجد في فترة ما بعد الثورة مسرحا لصراع فقهي وعقائدي تتجاذبه توجهات
دينية مختلفة من سلفية وسلفية جهادية ودعوة وتبليغ وصوفية وغيرهم..وفي ظل
غياب الرقابة فان هذه الفضاءات في حاجة الى خلق جهة منظمة تحل محل الرقيب
للحد من كل التجاوزات والمتاهات التي نحن في غنى عنها.
جمال الفرشيشي