مازال الموعد النهائي لانتخابات التأسيسي لم يحدد بعد، كما أن قنوات التفاوض بين
الحكومة والهيئة العليا المستقلة للانتخابات لم توضح بعد مسارها رغم بوادر
الانفراج التي بدأت في الظهور بفتح باب الحوار مع الأحزاب.
وضعية الترقب والانتظار ولدت فرضية جديدة وهي إمكانية وضع الشعب أمام استفتاء
على دستور59 ثم الانتقال المباشر إلى انتخابات تشريعية رئاسية، أو تحديد
قائمة بمطالب مصيرية للمرحة (تحديد مهام المجلس التأسيسي ومدته، بقاء حكومة
الباجي قائد السبسي الى حدود موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية...) ويقع الاستفتاء عليها.
فهل التوجه إلى الاستفتاء يعني إلغاء لانتخابات التأسيسي؟ وما هي تداعيات هذا التوجه على المسار الديمقراطي؟
الصباح توجهت بهذه الأسئلة الى رجل السياسة مصطفى الفيلالي الذي وضح أنه لا يمكن
القيام باستفتاء إلا على نص موجود سلفا، واذا ما تم الاتفاق على الاستفتاء
على نص دستور 1959 فيرى الفيلالي أنه يجب العمل وفقا لرزنامة عمل تنطلق
بمراجعة نص الدستور وخاصة منها الفصول المتعلقة بالسلط الثلاث ومسؤولية
الرئيس أما مجلس النواب والغاء النفوذ المطلق لمؤسسة الرئاسة.. من طرف
خبراء في القانون الدستوري. ثم يقع عرض النص الجديد للدستور على الاستفتاء
والمرور الى انتخابات تشريعية ورئاسية، ويشير أنه بامكان الحكومة الحالية
الاستمرار في العمل الى ذلك التاريخ ويقول: "باذن الله يمكن للبلاد
التونسية أن يكون لها حكومتها الشرعية في
جانفي 2012 وتعود بالتالي الى مسيرة العمل العادية مع ربحها للكلفة التي
كانت ستنفقها على انتخابات المجلس التأسيسي، وللوقت الذي كان سيضيع قبل
وأثناء الانتخابات.."
استفتاء لتقييد التأسيسي...
من جهته تناول أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد مسألة الاستفتاء من منظور آخر
فرأى أن عديد الأطراف تتعامل اليوم مع انتخابات التأسيسي على أنها
انتخابات رئاسية غير معلنة وهذا ما من شأنه أن يدخل الكثير من التخوف من
الانتخابات خاصة أن المجلس التأسيسي سيكون سلطة عليا وأولى ومطلقة
باستطاعتها لا فقط أن تضع دستورا جديدا لتونس بالشكل الذي تريد بل انتخابها
رئيس دولة جديد واختيار أعضاء حكومة جديدة وهي حالة من حالات المزج
المطلقة بين السلط لا يمكن تقييده وفقا لسعيد الا بواسطة الاستفتاء الذي
يتعلق بمسائل إجرائية تحدد مدة عمل المجلس التأسيسي، على ان لا يقع التعرض
الى المسائل الجوهرية (مكانة الدين واللغة والهوية...).
وعلى خلاف مصطفى الفيلالي يرى قيس سعيد أن المشكل الذي يطرح مع فرضية الاستفتاء
على دستور 59 هو أن البلاد اليوم تمر بفترة اعادة تأسيس والعودة الى النص
الأصلي لدستور 59 ربما يكون فيه بعض الايجابيات من جهة الرجوع الى شرعية
الدستور والعودة الى بعض الاستقرار...ولكن يقول سعيد أن فيه في المقابل
سلبيات فالشعب التونسي أراد القطع نهائيا مع الفترة السابقة والمفروض أن
يرتقي الجميع مرة أخرى الى مستوى المرحلة لا في السلطة ولكن في القطع
نهائيا مع الاستبداد ولا يمكن القطع فعليا الا اذا تم التفكير بإعادة
التأسيس وليس العودة الى الوراء.
ويضيف أستاذ القانون الدستوري أن ما حصل اليوم (الدعوة الى استفتاء على دستور
59) في مستوى آخر هو قطيعة متجددة بين النخبة السياسية من جهة وعموم الشعب
التونسي فقد تم الانحراف من جديد بمطالب الشعب التونسي الداعية إلى القطع مع الماضي بجميع انتاجه السياسي والدستوري، كما أن عديد الأطراف لا تنظر إلى قصر باردو إلا على أنه طريق نحو قصر قرطاج.
إذن فعدم تحديد تاريخ جديد لموعد انتخابات مجلس تأسيسي قد يؤدي الى فرضيتين
اما المرور الى استفتاء على النص الأصلي لدستور 59 الذي يستوجب إعادة نظر
في عدد من فصوله، مع غض النظر عن مطلب شعبي شرعته الثورة وهو القطع مع
القديم بنظامه ودساتيره...أو الحفاظ على مسار الثورة الشعبية وتنظيم
استفتاء يلغي التخوف من سلطة التأسيسي المطلقة ويفرض مدة عمل أعضائه وقنع
الأحزاب بأن الوصول إلى المجلس التأسيسي لا يعني دخول قصر قرطاج.
ريم سوودي