ما حصل أمس الأول في سجون القصرين وقفصة والمهدية، يطرح أكثر من سؤال حول توقيته والغاية منه ومن يقف وراءه؟
ليس معنى ذلك أننا نميل إلى التفسير التآمري للأحداث، ولكن ما يحصل اليوم في
بلادنا من قطع للطرقات، واعتصامات من دون مبرر مقنع، ومظاهرات لسبب أو
لآخر، وتعطيل عمل بعض المؤسسات الهامة في البلاد، يضاف إليها فرار مئات من
هذه السجون في ظروف أقل ما يقال عنها أنها غامضة وغير مفهومة، كل ذلك يجعل
البلاد أمام وضع مثير للغاية، في وقت كان الشعب التونسي ينتظر انفراجا في
الوضع الاقتصادي وفي ظروفه الاجتماعية الصعبة.
لا يمكن للمرء أن يطمئن للمعلومات التي تتحدث عن مجرد حريق أو احتجاجات قام
بها مساجين، وكانت سببا في عملية الفرار الجماعي التي حصلت، لأن هذا
الانفلات الجديد، بات يتكرر في كل فترة تكون البلاد قد استرجعت الأمن الذي
كان مفقودا، ما يعني أن ثمة جهات وأطراف عديدة تحرص على إرباك الوضع
الأمني، إما لأهداف وغايات سياسية، أو لأغراض عشائرية، أو لحسابات لا علاقة
لها بمصالح البلاد العليا، ومصلحة الشعب التونسي بالذات.
ليس من باب الصدفة في شيء أن يطلق رئيس الحكومة السيد الباجي قائد السبسي قبل
نحو أسبوع صيحة فزع على خلفية تضخم الانفلات الأمني في أكثر من ولاية
ومنطقة، وهو ما يعني أن أطرافا تقف وراء عمليات الإرباك هذه، في محاولة لجر
البلاد نحو وضع سياسي وأمني شديد الخطورة.
ونقولها بكل وضوح، أن بعض الحساسيات السياسية، تعمل على إيجاد عناصر توتر في الوضع
الراهن، سواء بغاية تأجيل الموعد الانتخابي المقرر في جويلية القادم، أو
بنيّة إرباك العملية السياسية الراهنة، التي يخشى البعض من نتائجها والمسار الذي ستنتجه.
لكن المخيف حقا فيما يجري من أحداث على الصعيد الأمني، هو أن يكون البعض يتحرك
بموجب أجندات خارجية لا تريد أن ترى تونس تستقر وتذهب باتجاه تشكيل نموذج
سياسي وديمقراطي في المنطقة، سيما وأن بعض الأطراف الأجنبية يزعجها نجاح
الثورة التونسية، لأنها تخشى على عروشها الخاوية ودولها التي تشبه بيت
العنكبوت، لذلك هي حريصة على الالتفاف عليها و»تعفين» المناخ التونسي الذي
يتجه تدريجيا نحو سياق جديد، سيكون بكل المقاييس، رقما في معادلة الدول الديمقراطية.
فلتكفّ هذه الأطراف عن محاولاتها اليائسة، لأن الشعب التونسي لن تنطلي عليه مثل
هذه الضغوط والخزعبلات، التي قد تدمي القلب ولكنها لا توقفه عن الخفقان.
إن تونس اتخذت طريقها نحو مصير جديد اختاره شعبها منذ الرابع عشر من جانفي،
ولن تثنيها هذه العمليات التي تعكس فشل أصحابها في السياسة والتوقيت، بل
حتى في اختيار التحالفات.
صالح عطية