أثار القانون الإنتخابي للمجلس التأسيسي وخاصة الفصل الخامس عشر منه ردود أفعال متباينة لدى السياسيين والمتتبعين للشأن التونسي بين مؤيد له ومحترز عليه إذ يقضي هذا الفصل بإقصاء كل من نسب إلى التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل من المشاركة في الحياة السياسية والشأن العام للبلاد وبالتالي مصادرة حقوقهم المدنية والسياسية.
قرار جعل التجمعيين الصامتين طيلة ردهات ومراحل الثورة يخرجون عن صمتهم ويمضون في تظاهرات سلمية واحتجاجات ضد اقصائهم من المشهد السياسي العام وتحميلهم اخطاء غيرهم من زعماء وقادة الحزب فالثورة التونسية جاءت رافعة شعار "لا للاقصاء والتهميش" في حين ان المجلس الاعلى لتحقيق اهداف الثورة اقصاهم تماما
فبرغم الجدل القانوني القائم حول قانونية ومشروعية هذا القرار الذي يعتبر من مشمولات القضاء لا من مشمولات هيئة وطنية استشارية يطالب التجمعيون السابقون بمراجعة هذا الفصل واخراجه من طابعه الشمولي وتفعيله لتحديد المسؤوليات الفردية لا الجماعية ويقولون انهم مع المحاسبة الفردية لا الجماعية.
كلام يجد له صدى ايجابي في صفوف عديد المواطنين والحقوقيين وحتى من نسبوا الى المعارضة في العهد السابق.
ومع انني ادعم عنصر المحاسبة كضرورة حتمية ثورية لنظام استبد بالناس بن قتل وتهجير لان الثورة تجب ما قبلها الا انني استنكر هذا النوع من العقاب الجماعي الذي ياخد فيه المرء ويحاسب لاخطاء غيره فما ذنب مدير مدرسة سابق مثلا ليتم اقصاءه وحرمانه من حقوقه السياسية؟
فجميع التونسيين يعلمون جيدا ان الانتساب الى تجمع شرط ضروري لتقلد المناصب الادارية حتى البسيطة منها فمنهم من استجاب طمعا ومنهم من فرضت عليه الاستجابة لهذا الشرط رغم عدم اقتناعه وسخطه على زبانية الحزب المنحل ومليشياته.
ولعل هذا السبب الاخير هو الذي جعل الثورة التونسية سلمية وشعبية حيث لم يبدي منخرطوا التجمع أية مقاومة أو حملات ضد المواطنين تدخل بالبلاد في حالة زنقة زنقة مثل ما يحدث اليوم في ليبيا.
فالتجمعيون معظمهم قد تخلى عن بن علي وحاشيته وهو في اشد وأمس الحاجة إليهم وخذلوه في محاولة التعبئة الجماهيرية على اثر خطابه غير المأسوف عليه يوم 13 جانفي ولم يستجب له سواء بعض المواطنين المفقرين الذين نادوا بحياته حتى لا يموتون جوعا وحرمانا فحتى هذه الشريحة البسيطة كانت انتهازية واستغلت ضعفه الجماهيري لابتزازه." حتي لا نتحول من مرحلة إنتقالية إلى مرحلة إنتقامية">
فلسائل ان يسال أين هو الجمهور التجمعي الذي ناهز مليون ونصف مليون منخرط أيام الثورة إنهم ثائرون إنهم مواطنون ضاقت صدورهم وأنفاسهم ذرعا من بطش قياداتهم الميليشياوية الضيقة والتي تنحصر في أعضاء الديوان السياسي والقيادات الأمنية المزروعة داخل الحزب وهياكله.
وبما أن تونس ما بعد الثورة كما نتمناها جميعا ديمقراطية أساسها القانون والمؤسسات ومكونات المجتمع المدني فان اعتناق هذه الثقافة يستوجب تحديد المسؤوليات قضائيا في الاقصاء فمن تثبت ادانته او تورطه في أي قضية تمس أو مست بالصالح العام فان السجن والحرمان هو مصيره الحتمي في تونس الكرامة أما إصدار الأحكام المسبقة واستعمال فزاعة التجمعيين ورمي الناس بأخطاء غيرهم قد يعكر الأجواء الوفاقية التونسية ويحيد بالثورة التونسية من مرحلية انتقالية إلى مرحلة انتقامية تكون عواقبها وخيمة على بناء الصرح الديمقراطي التعددي وترجع بتونس الى تكريس الاحادية الحزبية ودكتاتورية المشاعر العامة التي كانت السبب الرئيسي وراء استبداد المخلوع وحاشيته المضيقة.
حلمـــي الهمـــامي