آمال أبو التوم
لم تعد البدويات في منطقة النقب مشغولات بتزيين الهودج كما كان متعارفا
عليه في البادية حتى منتصف القرن الماضي. فقد ظهر جيل جديد منهن تلقى
تعليما عاليا ويخوض معترك الحياة من خلال الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة. آمال أبو التوم، ناشطة بدوية من وادي النعم في النقب في نهاية العقد الثالث من
عمرها. وهي تعمل في وحدة النهوض بأبناء الشبيبة في شقيب السلام. وهي بلدة
بدوية يبلغ عدد سكانها حوالي ستة آلاف نسمة وتبعد عن مدينة بئر السبع خمسة
كيلومترات. أقيمت البلدة ضمن سبع بلدات بغرض توطين بدو النقب في مساكن
ثابتة. وقد بادرت أبو التوم، قبل ثلاث سنوات، إلى تأسيس جمعية للدفاع عن
البدويات وتوعيتهن وأطلقت عليها اسم "نساء بدويات من أجل أنفسهن".
وبالرغم من أن هذه الجمعية لا تزال حديثة العهد وقليلة الموارد، إلا أنها حققت
"انجازات لا يستهان بها"، حسب أبو التوم. وكشفت هذه الناشطة لدويتشه فيله
بأن هذه الإنجازات تحققت في مجالات عدة كالتوعية التربوية أو في مجال
الشراكة الإستراتيجية التي أقامتها مع عدة مؤسسات في المجتمع المدني في
إسرائيل. وتستعين الجمعية بـاثنين وعشرين متطوعا ومتطوعة من المهنيين والمتخصصين.
ومما يثير الإعجاب والتقدير، أن البرامج التي فصلتها آمال أبو التوم مناسبة
لمقاييس الجمهور الذي تريد الرقي به، وهي تقوم على "التوفيق بين متطلبات
العصر الحديث والقيم البدوية الأصيلة". وهي تعد دورات للرجال كذلك لضمان
دعمهم لدور المرأة في العصر الحديث. وتقول آمال لدويتشه فيله بحزم
واقتناع: "التغيير يبدأ من تغيير الذات ولكنه يتطلب شراكة. ولذلك مهم جدا
زيادة الوعي لدى الرجل".
نمو سكاني مطردورشة تدريبية لشباب من البدو في بئر السبع أبرز مظاهر المجتمع البدوي في إسرائيل أن نسبة النمو السكاني مرتفعة جدا،
إذ تبلغ 5,5% سنويا، بمعنى أن كل 13 سنة يتضاعف عدد السكان وهذه النسبة
أكثر من ضعف المعدل العام في المجتمع الإسرائيلي. وهكذا ارتفع عدد البدو من
حوالي 11 ألف نسمة في عام 1953الى 170 ألف نسمة في عام 2003 في قضاء
النقب، يعيش نصفهم في مدينة راهط والقرى المجاورة.
التحديات بوجه البدوويواجه المجتمع البدوي عدة تحديات منذ قيام دولة إسرائيل، حيث اضطر لأسباب عديدة
منها جيو-سياسية وعالمية ومحلية، إلى تغيير نمط حياته من مجتمع رحل، يعتمد
بالدرجة الأولى على الماشية والزراعة، إلى مجتمع متحضر. وأدت هذه الأمور،
إضافة إلى انعدام البنية التحتية والمواصلات إلى انخفاض دخله بشكل ملحوظ
مما مس بقدرته على تمويل التعليم العالي لأبنائه وبناته. ولا يزال هناك
حوالي 80 ألف من البدو في 35 قرية غير معترف بها بانتظار تطبيق توصيات لجنة
حكومية تدعو إلى الاعتراف بهذه القرى وتسهيل ربطها بشبكة الخدمات القطرية.
ويشير تقرير أجرته جمعية الجليل العربية للبحوث في إسرائيل ورفعته إلى وزارة
المعارف عام 2003 إلى أن نسبة تسرب البدويات من المدارس في القرى غير
المعترف قد تصل إلى 70% ، فيما تبلغ نسبة الأمية في صفوف البدويات 14،7%
وهي نسبة مرتفعة بالمقارنة مع 4،5% في الوسط اليهودي. لكن هذه الصورة أفضل
بكثير بالمقارنة مع مستوى الأمية لدى البدويات في بعض الدول العربية التي
تصل أحيانا إلى حوالي 99%. وحتى مقابل نسبة الأمية لدى النساء عموما هناك
حيث تبلغ قرابة 50%.
العلم في الصغر كالنقش على الحجر
: نساء بدويات في جامعة بن غوريون السنوات الأخيرة بنشاطات على مختلف الأصعدة لتوفير فرص أكبر للتحصيل
العلمي والأكاديمي بوجه الشبيبة البدوية عموما. واعتمدت جامعة بن غوريون في
بئر السبع مثلا شروطا أكثر مرونة لإفساح المجال أمام البدو للانخراط في
التعليم الجامعي، حيث يبلغ مجمل عدد الطلبة من البدو في الجامعة هذا العام
حوالي 400 منهم 250 طالبة. فيما يقدرعدد الأكاديميات البدويات بألف فتاة
معظمهن يعملن في حقل التعليم.
وقد ساهم الإرشاد الثقافي والاقتصادي والتربوي، الذي تبنته رائدات بدويات من
خلال عشرات الجمعيات المدنية، في تطوير دور المرأة في المجتمع البدوي الأمر
الذي يؤثر بدوره على الجيل الصاعد. ووفقا لأقوال السيدة آمال أبو التوم
لدويتشه فيله فإن "المرأة البدوية العصرية تضع نفسها في مركز الحدث بدلا من
أن تكون عابرة سبيل، بهدف تحسين إنجازاتها على المستويين الفردي والعائلي".
المرأة للتغيير
سراب أبو ربيعة: أول بدوية حائزة على شهادة الدكتوراه للبحث الذي قامت به الدكتورة سراب أبو ربيعة المحاضرة في جامعة بن غوريون
فإن البدوية اضطرت إلى المقايضة بين تطلعها للحصول على تعليم جامعي مقابل
موافقتها على شراكة زوجية تقليدية، حفاظا على العادات والتقاليد. أي أن
التغيير يتم، حسب الباحثة أبو ربيعة "بالتنازلات وليس بالثورات". وتضيف
سراب أبو ربيعة، ومن خلال تجربتها الشخصية كأول بدوية حازت على الدكتوراه
في جامعة بن غوريون، بأنه "كلما ازداد التواجد النسائي البدوي في المحيط
العام كلما ازدادت فرص صهر الآراء المسبقة عنها في المجتمع الإسرائيلي".
معادلة النجاحويقول الدكتور عارف أبو ربيع، رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون،
لدويتشه فيله إن "التحصيل الجامعي في دولة متقدمة كإسرائيل هو بطاقة
الدخول إلى أماكن العمل والثقة بالنفس كما يطور الشعور بالانتماء إلى
المجتمع المدني والقدرة على تثقيف الأبناء، كنز المستقبل. ومن هذا المنطلق
فإنه آن الأوان أن توفق إسرائيل بين نفقاتها العسكرية الضخمة وبين حصة
التعليم والصحة والرفاه الاجتماعي من الميزانية".
ليندا منوحين عبد العزي
مراجعة: أحمد حسو