تعيش بلادنا في الفترة الحالية مرحلة اقتصاد ما بعد
الثورة الذي تأثر بالتوترات التي حصلت مما ادى الى دق نواقيس الخطر خاصة مع
تواصل انقطاع بعض المؤسسات عن العمل , مما دفع البنك المركزي الى التحذير
من المنزلق الاقتصادي الخطير الذي تعرفه تونس مما يستوجب تظافر كل الجهود
الوطنية لدفع عجلة النمو خاصة ان بلادنا لا تحتوي على موارد طبيعية نفطية
او غيرها تمكن من تجاوز هذه الصعوبات الظرفية.
وعن طبيعة الاقتصاد التونسي والوضعية الحالية التي يمر بها يؤكد السيد
محمد الفريوي وهو خبير اقتصادي وأستاذ الجامعي في الاقتصاد والتصرف ان الثورة التونسية
لن تنجح الا بإنجاح الاقتصاد لانه لا حرية ولا كرامة بدون ضمان العيش
الكريم من خلال مورد رزق يضمن دخلا للمواطن, لأن تونس تعيش مرحلة اقتصاد
العولمة القائم على الاستثمار الأمثل للقدرة التنافسية أي إمكانية بيع
المنتوج الوطني خارج كل البلدان من خلال التوفيق بين الجودة والسعر واحترام
آجال التسليم سيما ان منوال التنمية مقام على التصدير .
كما ان الاقتصاد التونسي مرتبط عضويا بالعلاقات الاقتصادية مع الاتحاد
الأوروبي بنسبة تتراوح ما بين 70 و80 في المائة من المبادلات, وتعمل
المؤسسات التونسية على الاستجابة لهذا المعطى وفق المواصفات الدولية
المعتمدة في الميدان لرفع الدخل وخلق أكبر عدد ممكن من مواطن الشغل .وهذا
الارتباط العضوي بالدورة الاقتصادية العالمية يفرض علينا الإيفاء بتعهداتنا
في تزويد الأسواق التقليدية لبضاعتنا لانه في حال وقوع تغيير في الايفاء
بالطلب الخارجي فإن النتيجة تكون حتما خسارة الاسواق ربما لصالح من يتمكن
من الالتزام بهذه المعادلة الثلاثية وهي: السعر والجودة واحترام آجال
التسليم.
تجد المؤسسات التونسية نفسها الان في وضعية صعبة خاصة وانها غير قادرة على
تسويق بضاعتها والانتاج جراء توقف خطوطها الإنتاجية سواء جراء تعرضها
للتخريب او فقدان اليد العاملة الناتج عن الاضرابات المتواصلة , وهو ما
يجعلها غير قادرة على الايفاء بالتزاماتها المالية من دفع الاجور
والمستحقات المالية للبنوك وبذلك تدخل في حالة عجز بالإضافة الى انعكاسات
التأخير من جبر ضرر ودفع تعويضات وغيرها .
كما يشير السيد محمد الفريوي ان الأزمة الاقتصادية تزداد تأزما عندما تجد
بعض المؤسسات الأجنبية نفسها في حالة عجز اما من خلال تعطيل دواليب العمل
للإيفاء بالتزاماتها او ضياع وسائل الإنتاج المتأتية من التصرف العشوائي
الذي أدى الى تدمير طاقة الانتاج مما يجعلها ربما تقرر التوقف عن العمل اما
بصفة وقتية في انتظار تحسن الوضع الامني أو بصفة نهائية مما يخلف اعدادا
مهولة من العاطلين الذين يضافون الى صفوف التونسيين العائدين من ليبيا
والاعداد الأخرى المسجلة في سجل البطالة او الذين فقدوا موارد رزقهم و هذا
الوضع المتردي قد يؤدي الى عواقب وخيمة خاصة اذا أضفنا اليها بعض القطاعات
شبه المشلولة حاليا من ذلك السياحة التي تعتبر إحدى اهم ركائز الاقتصاد
الوطني.
وأعرب الخبير الاقتصادي عن خشيته بأن تؤدي هذه الوضعية الى عديد الاحتمالات
من ذلك عدم توفير الدخل للمواطنين عبر الوسائل المعهودة وعجز المصارف
وبالتالي تراجع دخل الدولة المتأتي من الجباية وبذلك تعجز عن توفير السيولة
اللازمة.مشيرا إلى ان إمكانية التجاء المؤسسات الى الاقتراض فإن ارتفاع
قيمة الفائض سيثقل كاهل هذه المؤسسات نظرا إلى وجود عديد المخاطر وعدم
الاستقرار .
وعن الحل الأمثل للخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية أكد الفريوي انه على
كل تونسي غيور على وطنه التحلي بروح المسؤولية وبذل جهده من موقعه الخاص
والقيام بدوره الإنتاجي لتدور عجلة الاقتصاد ونمر الى مرحلة الامان ونتمكن
فعلا من إنجاح الثورة وما تتطلبه من كرامة وحرية وعدالة اجتماعية.
المطالبة بالاصلاحات السياسية الواجبة امر شرعي لكن التحلي بالمرحلية لتنفيذ المطالب الاجتماعية يوفر الاطار الامثل لانجاح الثورة.
وقال في هذا الإطار «يجب التحلي بالروح الوطنية وتغليب المصلحة العليا
للبلاد على المآرب الشخصية ...لأنه لايمكن لأي ثورة كانت أن تحل جميع
المشاكل فالواجب ان تحل جميع المشاكل, والواجب الوعي بدقة المرحلة لإرجاع
الحياة إلى سيرها العادي حفاظا على الممتلكات وإضفاء الاستقرار على
المعاملات الاقتصادية وتمكين الأعوان الاقتصاديين من العمل الجاد كل من
موقعه للمساهمة في الاقتصاد مما يمكن من تدعيم مناخ الثقة وسلامة المعاملات
والأمن للمواطن ولممتلكاته .
كما اقترح في نفس الوقت حلولا يرى أنها تساعد على الحد من النزيف الاقتصادي
وتتمثل خاصة في إمكانية قيام المؤسسات المصرفية برعاية البنك المركزي من
تقديم مساعدات مالية لتمكين المؤسسات من الإيفاء بتعهداتها ريثما يعود
النشاط إلى سالف عهده, بالإضافة الى بعث مشاريع كبرى في الجهات من شأنها ان
تمكن من امتصاص البطالة المرتفعة .
كما دعا الخبير الاقتصادي التونسي الى محاولة البحث عن أسواق جديدة لترويج
المنتوج التونسي بآفاق واعدة والحد من نزيف تدهور الإنتاج .
وأضاف ان المناخ الاقتصادي القائم على السلامة والاستقرار وإمكانية الكسب
المشروع والدخل الجيد توفر فضاء للمستثمر مهما كانت هويته من بعث مشروعه في
تونس باعتبار الضمانات الأساسية في استقلال القضاء وضمان حق الملكية
اعتمادا على البنية الأساسية والتحتية وتوافق المصالح بين كل الأطراف في
التحلي بالمسؤولية والعمل ضمن إطار من الشفافية والمساءلة الواجبة من اجل
التوفيق بين الحرية والكرامة بغية تحقيق المصداقية وسيرورة الكيان
الاجتماعي.
المصدر جريدة الشروق