كشف محمد الصياح، الوزير الأسبق في عهد بورقيبة أسرارا لأول مرة عن موضوع
الميليشيات التي طالما علقت بشخصه... ونفى الصياح أن يكون الحزب الاشتراكي
الدستوري قد شكل أية ميليشيا، لكنه أشار الى مجموعات تم تشكيلها في العام
1978 لمراقبة حظر التجول، وأوضح أنه عانى من رقابة أمنية لمدة 6 أشهر بسبب
ما وصفها بـ«التهمة» غير الموجودة أصلا...
وتحدث الصياح عن «لجان النظام» التي قال انها انشئت من شبان كانت لديهم بطاقات
مراكز الأمن وليس من الحزب... وفيما يلي الجزء الثاني من الحوار الذي جمعنا مع الصياح...
أجرى الحوار: صالح عطية
٭ هناك نية لانشاء «الحزب الدستوري الجديد» بديلا عن التجمع الدستوري، ما هو رأيك؟
ـ هذا ما أتمناه، بحيث يقع حل التجمع الذي كان فلتة من فلتات هذا الحزب في تاريخه...
٭ من هي الشخصية التي يمكن أن تمسك الحزب في هذه المرحلة الانتقالية؟
سؤال في ذهني منذ فترة، لكنني أقول أن لا أحد بامكانه تحديد شخصية معينة،
ويمكن أن تلتقي مجموعة من «الدستوريين» على اسم مشترك، وأنا شخصيا أرفض أن
أعلن عن اسم محدد...
وهنا اسمح لي بأن أفتح قوسين، حول احدى الشخصيات المعروفة التي اقترحت اسم أحمد
المستيري لرئاسة البلاد، لأن ذلك ليس معقولا من الناحية السياسية
والأخلاقية... الحزب ينبغي أن يتشكل من جديد مثله مثل جميع الأحزاب التي
تظهر حاليا، وفقا لقانون الأحزاب...
٭ نأتي الآن الى موضوع الميليشيا التي علقت بك تاريخيا ـ كما يتردد ـ والبعض
يتحدث عن ميليشيات تقوم بدور الافساد والعنف في البلاد حاليا... هل من
تفاصيل حول هذا الملف؟
ـ لا وجود اطلاقا لميليشيا صلب الحزب الاشتراكي الدستوري، فهذه تهمة ابتدعها عجز ومسيئون... وللتاريخ فإن أول من روّج لهذا الموضوع،
هو سيد محمد المصمودي عندما صرح وهو في ليبيا، بظهور ميليشيات في تونس،
وقال إن معلومات ثابتة تؤكد هذا الموضوع، وتشير الى وجود انقسامات صلب
الدولة تمهيدا لرحيل بورقيبة، وتحدث عن مجموعات تهيء نفسها لاغتيال عدد من
النقابيين.. وأذكر أننا اجتمعنا في الديوان السياسي بحضور الحبيب عاشور
وكان معنا وزير الداخلية، الطاهر بلخوجة (الذي أصبح الآن رجلا ديمقراطيا!
يضحك...)، وقلت للسيد الهادي نويرة آنذاك، أن الذين يروجون لمسألة
الميليشيا، يقومون بتسميم الأفكار في المجتمع، وطلبنا من بلخوجة الإجابة
على هذا الاستفهام، فطلب مهلة للبحث، واللافت للنظر أن المرحوم عاشور لم
يول اهتماما للموضوع وقال لي بصريح العبارة «يا سيد محمد يمشيو يزمرو»...
وبالطبع، اتسعت دائرة الموضوع لتشمل المنتمين للحزب الذين كانوا يتصلون بي
للاستفسار عن هذه الميليشيا.. وكنت أجيبهم أن الميليشيات موجودة في
الشرق، وليس لدينا مثل هذه الأمور في الحزب. والغريب أن بلخوجة صرح في
كتابه بأنه «لم يكن على علم بذلك»، وبالتالي فهو أكد ضمنيا وجود الميليشيا،
وهذا أمر غير مقبول أخلاقيا على الأقل...
٭ هل معنى هذا أن الميليشيا مجرد اختلاق؟
ـ ذات يوم اتصل بي رجل في الوزارة، كان يريد مقابلتي لكن الحراس منعوه
فاشتبك معهم، وعندما سمعت صوته يتعالى طلبت منهم السماح له، فقال لي:
البلاد في خطر، وثمة ما يتهدد أمنها، فيما الدولة صامتة... قلت له: الدولة
وحدها جيش وأمن وحكام وساسة، فرد قائلا: «يرزيك فيهم هذوما»، مشيرا الى أن
أحمد المستيري وحسين بن عمار ومحمد المصمودي يتآمرون ضد الدولة، وطالب
بتشكيل مجموعات لحماية البلاد من هؤلاء، فأطردته، لكنني أرسلت تقريرا الى
وزير الداخلية آنذاك، الضاوي حنابلية لاطلاعه على الموضوع من دون أن أتلقى إجابة...
وبعد شهرين أو ثلاثة، حصلت عملية تحويل طائرة الخطوط
التونسية من جربة الى طرابلس (ليبيا)، وهاتفني وزير الداخلية آنذاك
ليعلمني بالقبض على المختطف قائلا «هذا صاحبك الذي بعثت تقريرا بشأنه قبل
بضعة أشهر»... لقد قبضنا عليه وتبين أنه مختطف الطائرة...
وبعد بضع سنوات، أي خلال تولي ادريس قيقة وزارة الداخلية في فترة محمد مزالي،
تناهى الى علمنا أن هذا الرجل جاء به أبو إياد الى تونس، بعد أن عثر عليه
صلب احدى الفصائل الفلسطينية المتطرفة، حيث قدم نفسه على أنه أحد الأعوان
السريين للحزب، وأن لديه مهمة صحبة مجموعة لارباك المسؤولين في الأجهزة،
وذكر عدة أسماء بينها عامر بن عائشة ومحمد جراد والحبيب فتح الله وغيرهم،
وأنه مكلف باعداد تقارير عن مجريات الأمور هناك، وزعم أن هذا الثالوث شجعني على ذلك...
وكتب الرجل لاحقا مذكرات أورد فيها أن عبد الله فرحات كان مهمتا بنا صحبة عدد من الضباط، وأنه كانت لدينا النية لتسهيل دخول العقيد الليبي الى تونس... وهلم جرا من هذه المزاعم والترهات..
وفي أعقاب هذه التطورات فتح تحقيق في الموضوع استمر لبضعة أشهر، وكنت شخصيا من
بين العناصر التي شملها، وتم استفساري عن مجموعة الشبان الذين كلفوا
بالجامعة، فأجبت بأن تلك المجموعات تشكلت بأمر رئاسي، وبإيعاز من وزير
التعليم العالي، حيث تم انشاء جهاز جديد بعد عرض الموضوع على الديوان
السياسي للحزب، وتم الاتفاق على هذا الأمر، على أن يهتم بهم وزير الداخلية،
فيما يمكنهم الجيش من «الكسوة» والتدريبات الضرورية وهم في الغالب من الشبان...
٭ ألم يقع استخدامها ضد المعارضة في بعض الأوقات؟
ـ كان ذلك خلال فترة حظر التجول اثر احداث 1978، حيث تم تمكينهم من هراوات لمراقبة منع الجولان، وكانوا أيضا مرفوقين بأعوان أمن...
٭ وماذا عن لجان النظام؟
ـ هؤلاء يتم تعيينهم من الشعب ولديهم بطاقات وخاتم الأمن وليس الحزب، وعندما اتضحت هذه المعطيات أخلي سبيل المجموعة التي اعتقلت لمدة 6 أشهر ورفعت عني الرقابة الأمنية.