بقلم: منصف الخميري *
أغادر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي طوعيا اليوم وفخر كبير يسكنني بكوني
ساهمت بتواضع في بناء لبنات أولى لمنظومة توجيه جامعي متطورة تقنيا ومفتوحة
على مشاغل الطلبة وانتظاراتهم. وأظل على استعداد لبذل كل ما يلزم من جهد
في مستويات أخرى لتطوير المنظومة التكوينية في بلادنا والارتقاء بآليات
التوجيه والإعلام بصورة خاصة.
إن الظرف الخاص الذي تعيشه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي يدعوني في هذه
الفترة الدقيقة التي تمرّ بها تونسنا الشهيدة بعد سقوط السلطة السياسية
بقيادة «هذا الحائز على شهادات عليا في الطلق العشوائي»* (والتي أفخر بعدم
الإنتماء إليها يوما رغم الضغوطات والإغراءات) إلى توضيح أسباب تقديم
إستقالتي من خطة مدير التوجيه والإعلام بالإدارة العامة للشؤون الطالبية وذلك من منطلق المسؤولية ومناهضة سياسة خلط الأوراق وممارسة سياسة النهب العيني والسياسي والإداري.
لا فرق لديّ بين من يركب حصان الثورة المجيدة التي دفع ثمنها فقراء المزارة
والهيشرية وباطن العقعاق وقنيفيدة وتل الغزلان والولجة الحمراء وقلوب
الثيران... للسطو على الفضاءات التجارية وبين من يستغل وضع الانتشاء العام
بمناخات الحرية والديمقراطية للسطو على كدّ المخلصين وتضحياتهم وإن جرجرهم
النظام السابق في سياق سياسات الولاء القسري بالنسبة إلى بعضهم.
وهذه بعض الاعتبارات التي تدفعني اليوم لاتخاذ هذه الخطوة :
- لا أخفي علاقة هذه الاستقالة مع إبعاد المدير العام السابق للشؤون الطالبية (
والتي لا تربطني به أي علاقات شخصية خارج دائرة خدمة تونس وتقديم أفضل
الخدمات لأبنائها) على خلفية كونه يشرف على إدارة «محسوبة في المخيال
الشعبي على النظام السابق وعلى المحسوبية» وأعلن مساندتي المبدئية له نظرا
لكون ملف التوجيه الجامعي من المكونات الأساسية في هذه الإدارة، وبالتالي
فإن تحفظات الوزير الجديد لا بدّ أن ترتقي إلى مزيد من الجرأة وتشملني أنا
أيضا باعتباري مسؤولا عن «المحسوبية التي وقع وفقها التصرف في ملفات
التوجيه وإعادة التوجيه»، وكان يجدر به أن يقيل كافة الإطارات «المورطين
ضمنيا» في ما نسب إلى إدارتنا من تهم ومآخذ.
- إنتسابي إلى الإدارة العامة للشؤون الطالبية كان سنة 2001 (في إطار إلحاق من وزارة
التربــية آنذاك) لم يكن بحثا عن خطة وظيفية أو امتيازات توفرها وإنما
بناء على طلب ملحّ من المدير العام آنذاك نظرا للكفاءة والجــودة فــي
الأداء التي عبر عنهما سلك المرشدين في الإعـــــلام التوجيه المتخرجين
لتوهم سنة 1996 من دورة تكوينـــية دامت سنتين في إطار ماجستير علـــــوم
التربية اختصاص توجيه مدرسي وجامعي.
- تأكيدي الشديد على أنني لم أجن خلال العشر سنوات التي قضيتها بالإدارة العامة
للشؤون الطالبية لا جاها ولا ثروة ولا امتيازات، بل تنقلا يوميا بـ 120 كلم
وإقامة ليلية بالمكتب خلال الفترة الصيفية وعبء مهام إدارية تتجاوز طاقة
التحمّل البشرية العادية. تضحيات تحمّلتها من منطلق الوطنية وحبّي لتونس
والرغبة في الارتقاء بأداء إدارتنا التونسية الحبلى بكفاءات رائعة ومؤهلات واعدة.
- لم أنتسب يوما إلى حزب التجمع قبل 14 جانفي بالرغم من حجم الضغوطات التي كانت
تسلّط علي نظرا لتمثيلي لوزارة التعليم العالي في المنابر الإعلامية
المختلفة، وأختار اليوم أن أظل مستقلا بعيدا عن الولاءات التي أعتقد أنه
ولّى عهدها وانتهى. لكنني أحتفظ بحقي المطلق في التعبير بحرية عن ميولاتي
الوطنية والتقدمية في خدمة شعب يتوق إلى الحرية والعدالة والديمقراطية.
- إن
ما يشوب عمليات التوجيه الجامعي من شكوك وهو أمر طبيعي بحكم أن أغلب
القطاعات في بلادنا في ظل حكم بن علي كان ينخرها داء عدم الشفافية
والمحسوبية، لكنني أجزم أن الأغلبية الساحقة من الملفات التي كنت أشرف على
دراستها في مجال التوجيه كانت ملفات اجتماعية واستفاد منها بصورة أساسية
أبناء الفقراء وأصحاب الدخل المحدود...وإنني على استعداد كامل للمساءلة في
هذا المجال توضيحا للحقائق ورفعا لكل الملابسات بناء على الأرقام والملفات.
*كنا نجرؤ على هذا الخطاب في مداعبة الجنرال عندما كان المتسلقون منهمكون في رتق جمّازات التكيف المثمر مع «عهد التغيير» سيئ الذكر.
مرشد أول في الإعلام والتوجيه، مدير التوجيه والإعلام