تونس ـ «الشروق»:
«محمد مزالي، صداقة دفينة وانحراف سياسي»
(Mohamed Mzali, amitié enterée et dérives politiques).
هكذا اختار «مهندس» خطة هروب مزالي الى الخارج في سبتمبر 1986 عنونة كتاب أصدره مؤخرا عن «منشورات دار تونس»
(Tunis éditions)..
مؤلف الكتاب ليس سوى الضابط السامي الأسبق بجيش الطيران في أواخر الستينات
السيد رشيد عزوز الذي انطلقت علاقته المتينة بمحمد مزالي وزير الدفاع
الوطني آنذاك، ذات يوم من أيام جويلية 1968 لما التقيا بالقاعدة العسكرية
الجوية ببنزرت وتواصلت حتى بعد استقالته (رشيد عزوز) من الجيش الوطني
واعتنائه بهندسة الأشغال العمومية وتحوّل مزالي في ما بعد الى وزارة
التربية والشباب والرياضة ثم الى الوزارة الأولى.. لتتواصل العلاقة الى حدّ
ليلة «هروب» مزالي عبر الحدود التونسية الجزائرية واستقراره بفرنسا حيث
التحق به الى هناك عزوز: «لقد شرفني مزالي بعد أن عبّر لي عن ثقته بي، بأن
أهداني صداقته على امتداد عشرات السنين، فكيف لي أن أفكر ولو للحظة في رفض
مساعدته عندما طلب مني، وهو على تلك الحالة من الشدة، أن أهبّ لنجدته
بمساعدته على الهروب خفية من البلاد وانقاذ جلده من تهديد محدق.. فرجل
الشرف، وذو التربية العسكرية الصارمة والصديق الوفي غير مسموح له بنزع ثوب
واجب الصداقة.. وهو ما قمت به فعلا بلا أدنى حسابات ولا تردّد وخاصة بلا ندم».
بهذه الكلمات، تحدث رشيد عزوز في مقدمة كتابه ليؤكد حجم الصداقة
التي جمعته بمزالي.. صداقة دفعته الى حدّ «التضحية بحياتي الشخصية وخاصة
بحياة أبنائي للمساهمة في نجاح عملية انقاذه» على حدّ قول الكاتب في مقدمته.ترميم
منذ المقدمة، يكشف رشيد عزوز أن اختياره تأليف هذا
الكتاب لم يكن ليحصل لولا اطلاعه على كتاب محمد مزالي الذي أهداه إياه في
جانفي 2009 «نصيبي من الحقيقة»: «قررت على الفور الرد على مزالي بعد أن
اكتشفت في قراءة سريعة للكتاب عدم توافق عميق وتام معه في ما ذهب إليه» يقول رشيد عزوز.
لقد اكتشف الصديق الوفي لمزالي بعد قراءة «نصيبي من
الحقيقة» أن الضرورة تقتضي «استعادة وقائع تاريخية مرتبة وثابتة وأخرى
مخفية جزئيا أو متغيّرة كما ورد في كتاب مزالي.
.. وهي محاولة الغاية الوحيدة منها الادلاء بشهادة عمّا عشته، للتاريخ ووفاء لوطني».
جحيم في تقديمه للكتاب، وصف المحامي والوزير الأسبق الفرنسي «مونيك باليتيي»
(Monique Pelletier) حادثة تهريب رشيد عزوز لمحمد مزالي عبر الحدود
الجزائرية بأنها «بداية نزول عائلة عزوز الى الجحيم.. فابنه نزار وشقيقه
المحامي وابناه أوقفوا وسجنوا وتعرّضوا للتعذيب آنذاك وحوكموا دون أن
يتمتعوا بحقوق الدفاع ودون أن يعلموا في الأثناء بحجم المساعدة التي قدمها
رشيد لمحمد مزالي..، فيما مرضت ابنته (12 سنة) وتمت مصادرة أملاك عائلة
عزوز وأغلق مكتب الهندسة التابع لرشيد وسحب منه الترخيص...!!
ومثلما ذهب الى ذلك رشيد عزوز في الكتاب، فإن الوزير الفرنسي الأسبق حاول جاهدا
التأكيد على أن مزالي رفض آنذاك مدّ يد المساعدة لرشيد حتى بعد نجاحه في
العودة الى أرض الوطن سنة 2002 والحصول على التعويضات اللازمة من الدولة عن
الضرر الحاصل له.
فاضل الطياشي