كثيرا ما تتبادر حكايات "ألف ليلة وليلة" الى ذهن أي غربي يسأل عن ما يعرفه عن حضارة العرب والمسلمين.
وحتى يتعرف البريطانيون على هذه الفترة المنسية ، افتتح في متحف العلوم في
العاصمة لندن معرض خاص يحمل اسم "ألف اختراع واختراع" يسلط الضوء على
الجذور الإسلامية لعدد كبير من الابتكارات والاختراعات والاكتشافات التي
نراها حولنا في حياتنا اليومية الآن.
إرث إسلامي منسي ويقول البروفيسور محمد مختار القماطي، أستاذ البصريات والنانوتكنولوجي في جامعة
يورك ونائب رئيس "مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة"، التي تنظم المعرض
بالتعاون مع مضيفه متحف العلوم "إن المرء يلحظ عددا لا يحصر من الاختراعات
التي نراها في حياتنا اليومية من البيت مرورا بالمدرسة والمستشفى وحتى
الجامعة والمختبر والتي لها جذور إسلامية بطريقة أو بأخرى" .
ويردف بالقول "إن المعرض يهدف إلى تثقيف العامة في الغرب
بهذه الحقائق وإعادة الاعتبار لإرث حضاري إسلامي منسي".
وفي التاريخ الإسلامي، كلما كانت تربة التسامح الديني والقومي والتركيز على
رفاه الإنسان وقيمته خصبة، تفتحت أزهار العقل والإبداع في كل مجالات
العلوم والآداب والفلسفة. وفي هذه الظروف نبغ وبرز العلماء من العرب
والمسلمين وممن تكلموا العربية من غير المسلمين: مسيحيين وصابئة وغيرهم.
ساعة الجزري (ساعة الفيل) على باب معرض "ألف اختراع واختراع" نموذج بطول ستة أمتار ونصف لساعة مائية من
اختراع العالم الشهير "الجزَري" تجسد خير مثال على ذلك الانصهار الحضاري
الرائع، فهي عبارة عن فيل هندي يحمل هودجا فوقه تنين صيني، فوقه عنقاء
مصرية، وتحتهم آلية صب ماء يونانية ـ وسائق الفيل الروبوتي الخشبي الذي
يرتدي الزي العربي التقليدي! من معروضات المتحف
بالطبع هذه لم تكن سوى واحدة من نحو ستين معروضة ثابتة ومتحركة وتفاعلية ضمها
المعرض، كما هناك الأفلام القصيرة التي تصور مخترعين مسلمين يروون قصص
اختراعاتهم، وألعابا إلكترونية تعرف اللاعب بالمخترعين والمكتشفين في
أرجاء العالم الإسلامي في القرون الوسطى وغير ذلك.
إقبال غربي منقطع النظير في المعرض التقت بي بي سي البروفيسور سالم الحساني أستاذ الهندسة الميكانيكية
في جامعة مانشستر وعضو الشرف في رابطة العلوم البريطانية ورئيس مؤسسة
العلوم والتكنولوجيا والحضارة والمعروف بأنه رئيس تحرير كتاب "ألف اختراع
واختراع: الميراث الإسلامي في عالمنا اليوم".
يقول الحساني: "إن الجمهور الغربي أقبل بشغف منقطع النظير على المعارض السابقة
لألف اختراع واختراع" والتي طافت المدن البريطانية منذ بدء حملة التوعية
هذه عام 2006 ( بدعم من الحكومة البريطانية)، كما أن الجمهور الغربي "أصيب
بدهشة لا توصف" لدى اطلاعه على الحقائق التي كانت بالنسبة إليه أغرب من
الخيال وأكبر من أن تصدق لتجاهل معظم مناهج التدريس في الغرب للدور الثري
والحيوي للحضارة الإسلامية في إثراء الحضارة الإنسانية عموما والغربية
خصوصا. ويضيف البروفيسور الحساني إنه يأمل
أن يسهم المعرض في أن "يزيل القنوط ويعيد الفخر للعرب والمسلمين الذين
يعيشون في بلدان الغرب ويعانون من أزمة هوية"
تبادل حضاري
الكثير يقال عن التفاعل بين الحضارة العربية الإسلامية وغيرها من الحضارات في
العالم، وهذا التفاعل شمل ميادين واسعة مثل الفلسفة والرياضيات والطب
وغيرها. وبالتأكيد حفنة من الناس يعرفون أن
العرب والمسلمين هم من استقدم الكثير من المحاصيل والفواكه إلى أوروبا من
أراض بعيدة كالصين والهند بدءا من البرتقال والموز والأرز والقطن وحتى قصب
السكر والحرير والبهارات. كثيرة جدا قائمة الأشياء التي نعيشها حولنا وكانت قد نشأت أيام ازدهار الحضارة الإسلامية.
القهوة مثلا التي اكتشفها عربي قبل 1200 سنة خلال رحلة إلى إثيوبيا وبات الشراب الساخن المفضل لمعظم سكان العالم.
ألف اختراع واختراع والمسواك الذي كان أساس فرشاة الأسنان. والحناء التي تحولت في عصرنا إلى صباغات
مختلفة للشعر والعطور التي جهزها كيميائيون وعطارون في دمشق وبغداد
والقاهرة وقرطبة ولا يزال الكثير منها يستخدم الآن. كذلك
آلات الموسيقى الوترية (وحسبنا أن نذكر زرياب). والسجاد الذي اشتهرت به
أرض المسلمين حتى أن عددا من أباطرة الغرب بهروا بجماله فاستقدموا منها
أعدادا لا تحصى إلى بلاطاتهم وقصورهم. وهناك
أمثلة أخرى مثل أدوات الزهراوي الجراحية وطائرة عباس بن فرناس (العالم
الأندلسي من القرن التاسع) والتي كانت أول محاولة مؤرحة للطيران. والعالم
ابن النفيس الذي اكتشف الدورة الدموية الصغرى. ولوغاريثمات الخوارزمي التي
وضعت أسس الرياضيات الحديثة. وحسابات بن الهيثم في علم البصريات الفيزيائي.
بين الذاكرة والنسيان ينفض متحف العلوم في لندن في معرض ألف اختراع واختراع الغبار عن تاريخ ظل منسي
من ابتكارات علماء المسلمين ومن عاش في كنفهم في مختلف ميادين الإبداع
والفكر، حتى يقدر الناشئة هذا الدور المنسي كما تقول سوزان موسمان مديرة
مشروع "ألف اختراع واختراع" في متحف العلوم .
وسيطوف هذا المعرض على مدى أربع سنوات قادمة في أنحاء العالم.