نيويورك ـ الصباح ـ من مبعوثنا إلى الولايات المتحدة رفيق بن عبد الله ـ قوة عاملة هادئة، معظمهم من مستويات تعليمية عالية ينتمون إلى الطبقة الوسطى، نجح أغلبهم في تجسيم «الحلم الأمريكي» لكنهم قليلو الرغبة في العمل الجمعياتي ولا يولون اهتماما كبيرا للسياسة..تلك هي أهم خصائص تركيبة الجالية التونسية المقيمة بالولايات المتحدة الأمريكية التي يقدر عددها بحوالي 15 ألفا تمثل 1،5 بالمائة من مجموع الجالية التونسية في العالم. وهي من أقل الجاليات العربية والإسلامية عددا.
وتتوزع الجالية التونسية بين المقيمين بصفة دائمة (تحصلوا على بطاقة خضراء) أو الذين حصلوا على الجنسية الأمريكية بموجب قانون الهجرة الأمريكي الحالي، لكن العدد التقريبي لا يشمل بعض التونسيين المهاجرين الذين لم يحصلوا بعد على وثائق الإقامة الدائمة أو الذين هاجروا بطرق غير شرعية وهؤلاء يصعب تحديد عددهم بدقة.
زيارتي للولايات المتحدة كانت مناسبة للالتقاء ببعض التونسيين المهاجرين هناك على غرار عادل صحاب ماجستير في المالية هاجر قبل 4 سنوات تقريبا، ورغم أنه حديث العهد بالهجرة نجح في بعث مشروعه الخاص (تجارة أجهزة الكترونية)، ويسعى حاليا إلى استثمار امواله لتوسيع مشروعه خاصة بعد نجاحه في الحصول على بطاقة دائمة.
ما يميز جاليتنا بالولايات المتحدة هو أنها تمثل 20 بالمائة من النخبة التونسية المهاجرة من رجال أعمال وعلماء وباحثين في ميادين مختلفة، وجامعيين، وعدد قليل من الأطباء. عكس جاليات عربية أخرى النسبة الغالبة فيها هم من العملة والتجار الصغار من ذوي المستويات التعليمية المنخفضة.
جاليتنا التونسية تتكون أيضا من طلبة تونسيين هاجروا إما لإكمال دراستهم العليا او للبقاء نهائيا للبحث عن عمل بعد التخصص والحصول على شهادات جامعية عليا. على غرار نبيل الذي هاجر بعد زواجه بأمريكية وتمكن من الظفر بعمل وهو الآن يستعد لمواصلة دراسته والتخصص في التمريض بعد حصوله على بطاقة الإقامة. ومثل نبيل كثير من الشباب التونسيين المهاجرين.
لم تخرج الجالية التونسية رغم حداثة عهدها بالهجرة للولايات المتحدة عن مميزات الجالية العربية وربما هي متفوقة في هذا المجال اذا اعتبرنا أن السبب الرئيسي لهجرة التونسي للولايات المتحدة كانت وما تزال مزاولة الدراسة ونهل العلم، وبدأت الهجرة الحقيقية خلال التسعينات من القرن الماضي خاصة مع دخول نظام القرعة لانتقاء المرشحين للهجرة.
رغم حداثة بداية هجرة التونسيين للولايات المتحدة وضآلة عددها مقارنة بالجاليات العربية الأخرى وباقي الجاليات التي تكون النسيج الاجتماعي للولايات المتحدة فإنها تعمل على أن تجعل لوجودها المكانة اللائقة بها والفاعلة في المجتمع الأمريكي. هكذا أفادنا السيد علي الخميلي رئيس المركز التونسي الأمريكي الذي التقيناه بنيويورك.
المركز هو منظمة غير ربحية تسعى إلى لم شمل الجالية التونسية بالخارج، وهو اول مجمع للتونسيين المهاجرين أحدث سنة 1999 بهدف لم شمل التونسيين المقيمين في الولايات المتحدة من جمعيات وأفراد وربط الصلة فيما بينهم وصلتهم ببلدهم الأم تونس.
ويعمل المركز التونسي الأمريكي بالتعاون مع أفراد وجمعيات أصدقاء لتونس على ترسيخ الثقافة التونسية وسط الجالية التونسية الأمريكية ونشرها والتعريف بها في المجتمع الأمريكي ومساعدة التونسيين على فهم الثقافة الأمريكية قصد تسهيل اندماجهم في مؤسسات المجتمع الأمريكي بدور الفاعل المؤثر والمتأثر.
ينظم المركز التونسي الأمريكي سنويا أياما ثقافية كل سنة من أهمها يوم التونسي الأمريكي وجائزة ابن خلدون يوم 27 ماي من كل سنة يحضره المئات من التونسيين المقيمين وأصدقاء تونس من الأمريكيين. تكونت جمعية جائزة ابن خلدون سنة 2004، وتسند الجائزة السنوية إلى أحد التونسيين المقيمين بالولايات المتحدة أو لأمريكي تألق في مجال عمله مساهما في خدمة الجالية التونسية وتونس. وقد أسندت في الأربع سنوات الماضية لثلاثة تونسيين وأمريكي صديق لتونس.
غير أن مؤسسي المركز التونسي الأمريكي الذي أحدث ببادرة من تونسيين مقيمين بأمريكا يواجهون صعوبات عديدة منها نقص الدعم، لكنهم عازمون رغم ذلك على مواصلة النشاط.
ويعتز السيد الخميلي الذي هاجر منذ 40 عاما من المتلوي من ولاية قفصة ويعمل حاليا صيدليا في جمعية محلية بنيويورك، بهويته التونسية معبرا عن فخره حين ينجح في ايصال بعض المعلومات عن منجزات تونس وارثها الثقافي والحضاري الضارب في التاريخ. كما يتم العمل من خلال معهد ابن خلدون على تجذير الهوية التونسية لدى الجالية وتنظيم محاضرات حول تونس وتاريخها تسلط الضوء على النهضة الاقتصادية والاجتماعية التي بلغتها بلادنا.
ويقول في هذا الصدد «رغم الصعوبات نجحنا في ضم حوالي 4500 منخرط إلى المركز، ونسعى إلى مضاعفة عدد المنخرطين». مضيفا أن كل تونسي مقيم في الولايات المتحدة يمكنه الاتصال بموقع المركز: www.tunisiancommunity.org
يعمل المركز على ربط علاقات تعاون مع جامعات ومراكز امريكية فقد تمكن مثلا في ولاية مسيسيبي من ربط علاقات تعاون مع وكالات أسفار سياحية. كما توصل الى عقد اتفاقية مع جامعة الاباما لتبادل الطلبة. ويعمل على المدى المتوسط على العناية بالجيل الجديد من التونسيين المولودين بالولايات المتحدة.
ما يعوز الجالية التونسية بالولايات المتحدة هو ثقافة العمل الجماعي التطوعي وهي من أبرز الصعوبات التي تواجه عمل المركز التونسي الأمريكي اضافة الى تشتت التونسيين المقيمين بعدة ولايات. يتواصل التونسيون عبر الانترنت وخاصة عبر المواقع الاجتماعية مثل فايس بوك. لكن معظم التونسيين المهاجرين لا يهتمون بالنشاط الجمعياتي أو القيام بأعمال تطوعية. أما سياسيا فمعظمهم لا يبالي بما يجري على الساحة السياسية لكنهم يتعاطفون مع قيم ومبادئ الديمقراطيين، بل إن جل التونسيين الأمريكيين الذين لهم حق الانتخاب تحمسوا لأوباما وصوتوا للديمقراطيين في انتخابات 2008.
وعبر السيد علي الخميلي عن أمله في ربط علاقات تعاون مع جمعيات تونسية غير حكومية، واقترح دعم اليوم التونسي الأمريكي باعتباره يوما سياحيا من قبل مؤسسات ووزارات تونسية تعمل في هذا المجال مثل وزارتي الثقافة والسياحة،أو المؤسسات التي تنشط في مجال دعم التصدير وجلب الاستثمارات الخارجية. ويمكن ان يكون الدعم في شكل ايفاد محاضرين تونسيين إلى الولايات المتحدة والتكفل بمصاريف تنقلهم.