تونس ـ الشروق :
اعتبر الخبير التونسي في العلاقات الدولية الدكتور عبد المجيد العبدلي أن فشل الرئيس الأمريكي الاخير في جمع الامريكيين حول مزاعم بوجود تهديد خارجي، دليل على نهاية صلاحية «إسطوانة الارهاب» وانها لم تعد تقنع المواطن الغربي الذي أصبح يهتم اكثر بالمسائل الاقتصادية وبمسألة معاداة الاسلام أيضا.
وأشار الدكتور العبدلي في حديث مع «الشروق» الى أن الشعوب الغربية أصبحت اليوم على دراية بالوقائع التي تريد حكوماتها أن تغطيها باختلاقها لتهديدات خارجية، عبر أجهزة مخابراتها مؤكدا أن الشعوب تطالب اليوم بمعاقبة أمريكا وحلفائها الذين ارتكبوا بالفعل جرائم ارهاب دولة بعد ما كشف موقع ويكيليكس عن حربي العراق وأفغانستان، وفي ما يلي نصّ الحوار:
أجرى الحوار: عبد الرؤوف بالي
كيف تقرؤون الظهور الاخير لبـن لادن الذي تزامن مع تفاقم الاحتجاجاجات العمالية في فرنسا ومسألة الطرود المفخخة قبل 4 أيام من الانتخابات الامريكية؟
ـ ما شهدناه مؤخرا هو أحد ميزات العولمة، فهي تخلق الأحداث وكل حدث يأتي لينسيك في الآخر، هناك تسارع في الأحداث وخاصة مع تطور وسائل الاتصال المرئية بالأساس حيث أصبح كل خبر يأتي يلغي خبرا آخر.
وعند الحديث عن «الارهاب» نجد أنه ليس هناك تعريف واضح لهذا المصطلح الى حد الآن.
اليوم نجد أن كل الاخبار أصبحت مفتعلة لتلهية المواطن وذلك بخلق حدث خارجي، وأسهل ما يمكن اختلاقه هنا يكون حدثا على علاقة بالارهاب لأنه ليس له مفهوم محدد.
فهل فعلا ما يحدث في اليمن هو من فعل «القاعدة»؟ وهل ان «القاعدة هي من أرسل تلك الطرود المفخخة؟
ـ في نظري «القاعدة» وقع تضخيمها أكثر من اللازم، حتى أن الشعوب لم تعد تستسيغ هذا الافتعال من قبل حكوماتها.
فمثلا لماذا لم يتحدث أحد عن الطرود التي تم اكتشافها في اليونان؟ هل يعود ذلك لكون مرسلها تنظيما يساريا وليست «القاعدة»؟ حاليا يتم تناول كل حالة بمعزل عن الحالات الاخرى.
ومن المؤسف أن بعض الحكومات العربية أصبحت تجاري هذا التيار، وهو ما جعل محاولات تغطية الأزمات الداخلية للبلدان بأحداث خارجية لا تنجح.
هل يمكن أن تعتبر أن الحكومات الغربية أصبحت تستخف بمواطنيها وتحاول اخضاعهم عبر اختلاق قصص عن «الارهاب»؟
ـ الحكومات الغربية أصبحت لا تختلف عن حكومات العالم الثالث، فمثلا عندما يطالب ساركوزي بالتجسس على الصحفيين،ماذا يمكن ان يسمى ذلك.
لكن الجانب الايجابي في الأمر هو أنه حتى الشعوب الاوروبية لم تعد تهتم اليوم بما يختلق من قصص عن «الارهاب» وبقيت الحكومات وحدها تهتمّ بهذه المسألة.
العولمة محت الفرق بين من يدعي الديمقراطية ومن يوصف بالدكتاتورية وغيرهما، لكن لو تم تحديد مفهوم للارهاب لن نجد هذه الضبابية التي تحيط بهذا المصطلح.
هناك من يرى أن رسالة بن لادن أنقذت ساركوزي من التحركات العمالية في فرنسا هل يمكن أن نعتبر ذلك نجاحا آخرا لـ «اسطوانة الارهاب»؟
ـ إسطوانة الارهاب لم تنجح في فرنسا لأن النقابات كانت مقتنعة بضرورة تعديل قانون التقاعد، والفرنسيون يعلمون أن معدل العمر ارتفع في كل العالم وأوروبا خاصة، والخلاف اقتصر على مساعدات شكلية لكن في النهاية هناك قناعة بموجبات التبديل والاصلاح.
هل يمكن أن نعتبر أن ورقة الارهاب احترقت ولم يعد بإمكان الحكومات الغربية استغلالها سواء مع شعوبها أو مع العالم الخارجي؟
ـ «حربوشة» الارهاب هي مثل كرة الثلج سترتد على صانعيها، فمثلا أوباما عندما أتى الى الحكم قال انه سيتصالح مع الاسلام لكنه فعل العكس، وطالما لا تحاسب الدول عن«إرهاب الدولة»، يظل مصطلح الارهاب مسيسا، ولذلك نترك إرهاب الدول ونحاسب الأفراد، فمثلا في العراق من خلق حرب الطوائف التي لم تكن موجودة زمن الرئيس صدام حسين، أمريكا بالطبع لكن لا يمكن محاسبتها.
اليوم أصبحت شعوب العالم الثالث تعرف خالق الأزمة لكن ليس لها القدرة على محاسبته.
هل يمكن أن نقول إن الأزمات الاقتصادية طغت على المواطن الغربي وجعلته بعيدا عن تأثير «حربوشة الارهاب»؟
ـ في تصوري أقرب مثال بين أيدينا اليوم هو مظاهرات فرنسا التي يحركها أطفال المدارس وطلبة الجامعات وشاهدنا كيف كانوا متمسكين بمطالبهم لكن عند الحديث عن الارهاب يرد نفس الأشخاص (المتظاهرون الفرنسيون) بأن الأمر لا يعنيهم، أي أن مفعول الارهاب انتهى بالنسبة إليهم والمسائل الاقتصادية طغت على تفكيرهم.
اللعبة انطلت عليهم في الأول لكنهم اكتشفوا أن الشعوب هي من دفع الثمن، وبذلك نجد أن الحكومات فقط مازالت تهتم بقصص الارهاب التي تختلقها.
فأمريكا مثلا قالت في 11 سبتمبر انها تضرّرت من الارهاب، لكن اتضح في ما بعد أنها مارست الفعل ذاته في كل من العراق وأفغانستان، لكنها لم تجن أي مكسب لا عسكري ولا اقتصادي.
المواطن الغربي لم يعد مهتما والجانب الاقتصادي هو ما يعنيه، فالحالة الاقتصادية المتردية غطّت على كل شيء فمثلا الأزمة المالية صدرتها الدول الغربية لنا في البداية لكنها ارتدّت عليها وهي تعاني من تأثيراتها الى اليوم.
هل يمكن أن نعتبر أن عدم تحديد مفهوم واضح لمصطلح الارهاب ارتدّ أيضا على الحكومات الغربية؟
ـ الأحداث التي وقعت مؤخرا أكدت أن الشعوب لم تعد تجاري حكوماتها، بل انها اليوم تتخاطب في ما بينها عبر الانترنات وتعرف الوقائع التي تحاول الحكومات تزويرها أو تغطيتها، وهو ما جعل الأخيرة تتجاوزها الأحداث.
إن مصطلح الارهاب أدى دوره لمدة عشر سنوات وقد تجاوز أجله، وعندما نشاهد ما كشف عنه موقع ويكيليكس مؤخرا من أدلة على ارتكاب الولايات المتحدة وحلفائها لإرهاب الدولة نتأكد من أن الحكومات بالفعل أصبحت متأخرة بعض الشيء، فالشعوب اليوم أصبحت تنتظر أن تعاقب الدول الارهابية خاصة مع وجود أدلة على ذلك، لكن لن يتم ذلك.
ما الذي يمكن أن نستنتجه من خلال الفشل الأخير لــ«اسطوانة» الارهاب على مستوى الشعوب؟
ـ مع انتهاء صلاحية اسطوانة الارهاب أصبحت الشعوب الأوروبية تتشبّث بمواقف داخلية متطرفة، حتى أن الحملات الانتخابية أصبحت ترتكز على مسائل داخلية مثل العداء للاسلام وهو ما شهدناه مؤخرا في معظم الدول الأوروبية وفي الولايات المتحدة أيضا.
الشعوب الأوروبية أصحبت تخاف من الاسلام بينما في السابق كانت مثلا تنظر الى الفلسطيني كإرهابي.
في العالم الثالث مازلنا نهتم بالقشرة دون اللب، فنحن ننقل الأخبار التي تخلقها المخابرات الغربية، لكن هناك سؤالا نوجهه الى من يقول ان بن لادن لا يزال على قيد الحياة، أليس زعيم «القاعدة» مريضا ويحتاج الى تصفية دمه بصفة دورية؟ حتى الأناس الذين يعيشون في رفاه تام لا يصمدون إذا كانوا يعانون من الأمراض الجسدية التي يعاني منها بن لادن.