تونس (الشروق) ـ النوري الصّل
فاز أمس المرشح الموالي لروسيا فيكتور
يانكوفيتش بالانتخابات الرئاسية في أوكرانيا وثأر لنفسه بذلك من «الثورة
البرتقالية» بعد جولة اقتراع حاسمة كادت كييف تستعيد فيها المشهد ذاته الذي
عرفته قبل سنوات من الصراع الأمريكي ـ الروسي لتحقيق النفوذ في هذا البلد.
فمنذ
الثورة البرتقالية التي انطلقت عام 2004 والتي تفجّرت «نتيجة الاعتراض على
نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة انقسمت أوكرانيا الى فريقين أحدهما يرى
أوكرانيا تتوجه شرقا نحو موسكو بينما يريد الاخر التوجه نحو الغرب... في
عام 2004 كان النزال بين كل من فيكتور يانكوفيتش وبين فيكتور يوتشنكو الذي
قاد «الثورة البرتقالية» اعتراضا على فوز يانكوفيتش وما أسماه الدعم الروسي
والتزوير لصالح هذا الاخير...
واليوم عاد النزال بين كل من يانكوفيتش
ويوليا تيموشينكو رئيسة الوزراء وحليفة يوتشنكو السابقة التي فشلت هذه
المرة في إبقاء أوكرانيا ضمن المعسكر الموالي للغرب فيما نجح يانكوفيتش في
اعادة بلاده الى «الحضن الروسي».
الانتخابات الرئاسية الاوكرانية كانت
هذه المرة مفصولة مسبقا لصالح يانكوفيتش لكون الرجل «تخندق» في حملته
الانتخابية بولائه لموسكو رافضا الانضمام لحلف شمال الاطلسي وتمسّكه
بالحفاظ على مكانة اللغة الروسية كلغة رسمية ثانية ولو أنها أكثر استعمالا
في مجالات التعليم وفي المؤسسات الحكومية... فوز يانكوفيتش «معارض
المعارضة» يكون قد حرّر أوكرانيا من «قبضة» الغرب لينبئ بدخول هذا البلد
منعرجا جديدا يزيد من تعقيد اللعبة السياسية فيه ومن تعقيد «المعركة
الاستراتيجية» بين الروس والغرب حول هذا البلد أيضا... فمن حيث الموقع
الجيوسياسي تحتل أوكرانيا اليوم نقطة التماس بين كل من الاتحاد الأوروبي
الساعي الى التوسع وبسط النفوذ وبين روسيا المتمسكة بقلاعها القديمة وعلى
رأسها أوكرانيا التي تعدّ بوابتها نحو أوروبا...
ويؤكد المحللون أن فوز
يانكوفيتش وجّه صفعة موجعة للغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة التي كثيرا
ما صوّرت انتصار «الثورة البرتقالية» في أوكرانيا عام 2004 على أنه «انتصار
للديمقراطية والحريات» والتي دفعت 65 مليون دولار لتخلق حركة معارضة في
أوكرانيا حتى تكون كييف بذلك محطة أخرى من الثورات الملوّنة (صنع في
أمريكا) بعد صربيا وجورجيا وروسيا البيضاء.
أهمية أوكرانيا بالنسبة الى
الولايات المتحدة تكمن في ان سيطرتها على هذا البلد تمكّنها من ضمها
(أوكرانيا) الى حلف شمال الاطلسي لإنهاء روسيا التي عرفت كيف توظّف عامل
الغاز الذي توفره كييف حتى تدرك الاخيرة مدى حاجتها الى موسكو... أما أهمية
أوكرانيا بالنسبة الى روسيا فإنها تكمن في أنها تمثل دولة عازلة قادرة على
صد توسع حلف شمال الاطلسي باتجاه روسيا... كما تطلّ على موانئ «المياه
الدافئة» في شبه جزيرة القرم مثل أوديسيا ويالطا وسيفاستوبول التي تستضيف
الأسطول الروسي وبالتالي تعد أوكرانيا منطقة حيوية من اجل الحفاظ على وجود
البحرية الروسية في البحر الأسود