مشهد واحد من زوايا مختلفة

بقلم محمد شكري الميعادي

مشهد هناك

تعيد السّماعة إلى مكانها الطالبة الرّائعة الخلق والخلق لم تعد ترى أيّ جدوى من الاتصال بأهلها في الجنوب للاستفسار عن سبب تأخر وصول الحوالة المالية التي وعد والدها بإرسالها فلا جواب لدى والدتها ولا جديد الجواب نفسه ستردّ بالقول أنّها تحترق من أجلها و أنّها ستتصرف في غضون ثلاثة أيّام ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله وللمرة السّبعين تحتار البنت بماذا ستجيب صاحب الإقامة الذي هدّد بإخراجها من المبيت إن لم تدفع ما عليها وكيف ستقتني بقية لوازمها الدراسيّة وكيف ستتصرّف حيال زميلتها التي طلبت منها استرجاع مبلغ الخمسة دنانير كانت قد أقرضته إيّاها منذ أسبوعين وما الحلّ في شفرة هاتفها الجوال التي ستفصل بعد منتصف الليل فهي لم تقم بشحنها منذ شهرين تختلط الأمور على الطّالبة وتنسى لدقائق أنها لم تذق طعم الأكل منذ صباح يوم أمس وتخرج من الهاتف العمومي إلى الشارع المستطيل

مشهد هنا

يجلس الكهل منفردا في ركن من أركان المقهى يشعل سيجارته الثالثة على التوالي وبيده قلم رصاص وورقة بيضاء عملية حسابية صغيرة العيد على الأبواب وعليه أن يوفّر مصاريف النقل لبناته الطّالبات الثلاث اللواتي يزاولن تعليمهنّ بالجامعات شمالا وتكلفة تذاكر النّقل ذهابا وإيابا بين الشمال والجنوب لا تقلّ عن المائة وخمسين دينارا فاتورة الكهرباء بما فيها معلوم الإذاعة والتلفزة التونسية ق7 ستون دينارا فاتورة الماء أربعون دينارا مرض زوجته المزمن يستوجب أدوية ثمنها سبعون دينارا إيجار البيت يستوجب دفع تسعين دينارا بعد سنتين يكون قد سدد معاليم القرض البنكي ليعود راتبه إلى حاله أربع مائة وخمسين دينارا كما كان سابقا الوقت غير مناسب للتفكير في الديون القديمة غير أنّه كلّما اقترب منه شرطيّ أحسّ برهبة فهو لم يسدّد خطيّة مروريّة سبق وتسلّم التنبيه الأخير قبل تحولها إلى ما يطلق عليه اسم جبر بالسّجن كلّ هذا لا يهم يتبادر إلى ذهنه سؤال إضافي هل يتسع جيبه ليطلب قهوة لا يتسع الجيب تضيق المقهى على رغبة الكهل البسيطة يغادر المقهى إلى الشارع المستطيل

مشهد آخر

يستقبل المذيع بإذاعة الجوهرة الساحلية اتّصالا هاتفيا جديدا من مستمعة جديدة الموضوع حول الخيانات الزوجية تقول المستمعة لمنشط البرنامج بالله عليك ما دامت العائلات لا تعتني ببناتهن القادمات من الوسط و الجنوب ولا تقدّم لهنّ ما يفي بحاجاتهنّ لمزاولة تعليمهنّ ببلادنا فمن الأكيد سيكون أبناؤنا وأزواجنا عرضة وضحيّة لتلك الطّالبات اللواتي لا يضيّعن فرصة لإغراء شبابنا وجرّهم إلى شتى أنواع الفساد قصد سلبهم أموالهم يشاطرها المذيع الديمقراطيّ رأيها الموضوعي يختم المنشّط برنامجه فلا مجال للتّأخير إذا حان موعد الآذان أو موعد نشرة الأخبار غير أنّ سائق سيّارة الأجرة أغلق صوت المذياع ولم يترك لنا فرصة للتمتّع بفقرة في الأخبار كانت تتحدّث عن نجاح تفعيل برامج اللامركزية في تونس ولكن لا بأس فشريط المزود الذي أطربنا بسماعه كان لحنه شبيها بأغنية غابة للشيخ إمام

مشهد افتراضي موحّد

في محطّة برشلونة السّاعة السّابعة صباحا تقف جموع كبيرة من المسافرين المتدافعين أمام المدخل الرّئيسيّ المؤدي إلى القطار المتّجه إلى الجنوب التّونسي ولا شكّ يحتاج هذا الخطّ النّاشط و الحركيّ إلى رحلات إضافية خصوصا و أنّ من بين هؤلاء الجموع مرضى مرتبطين بمواعيد في المستشفيات الجامعية الواقعة بمدن الحوض ألمنجمي ومنهم آلاف الطلبة الذين عليهم الالتحاق بكلياتهم في تطّاوين وبنقردان ومنهم أصحاب الشهادات الذين يسافرون شهريا للمشاركة في المناظرات والإطارات من عمّال الشركات والمصانع الكبرى الواقعة بمدينتي توزر وسيدي بوزيد إضافة إلى المسافرين الحالمين بتحصيل لقمة العيش في بقيّة مدن الجنوب التونسي

لا مشهد في الأفق مختلف

و قد انتقيت لكم أيضا من صفحة الكاتب على الفيسبوك
هذه الكلمات

على الفايسبوك الكل متضامن مع غزّة و مع فقراء العالم والكلّ من عشّاق مرسال خليفة وأميمة الخليل
على الفايسبوك الكلّ ذوّاق يعشق موسيقى بتهوفن وموزار الكلّ يردّد قصائد أحمد فؤاد نجم ويطرب لأغاني
الشيخ إمام وماجدة الرومي على الفايسبوك الكلّ محبّ لدرويش و تميم الكلّ
عاشق لجاك برال و شارلزنافور وبيار باشلي والكلّ مغرم بالفنّ التشكيلي
والمسرح وصور الورد والأطفال كم نحن ملائكة على الفايسبوك ولكن على
الفايسبوك فقط
...

و أقول لصديقنا محمد شكري
صدقت يا صديقي
و لكن أين المفر
إنه واقعنا المرين
من على يميننا و شمالنا
و من خلفنا و من أمامنا
و فوق الأرض و تحت السماء
فقصبرا آل ياسر

عدد المساهمات : 367 تاريخ التسجيل : 09/02/2010

رائع يا أخي تناول متميز
لواقع مرير

عدد المساهمات : 1467 تاريخ التسجيل : 18/03/2010

بارك الله فيك أخ تارق على هذا الاختيار الجميل
و شكرا لصاحب المقال على هذا التناول

» نبيل القروى يعتذر للشعب التونسي تمرير مشهد تجسيد الذات الإلاهية في فيلم «برسيبوليس» غلطة لن تتكرر
» الربا والاقتصاد والتمويل الاسلامي رؤية مختلفة
» القبض على أشخاص مسلحين في أماكن مختلفة بالبلاد
» طفل واحد لكل تونسيـة في العشرية القادمة
» أساليب تعبير مختلفة تساعد على بناء الهوية الذاتية للطفل