الانسان الفرس]
طبقا للأساطير اليونانية القديمة، ينحدر الإنسان
الفرس أو القنطور من سلالة إكسيون، ولهذا المخلوق الغريب رأس وصدر
إنسان بينما يأخذ نصفه السفلي هيئة الفرس. وفي الأساطير
المتأخّرة كان القنطور يظهرون بقرون أو أجنحة أو كليهما معا.
وتقول الأسطورة إن قبيلة القنطور كانت تعيش في جبال ثيسالي وتتغذّى على
اللحوم. وأصبحت ترمز إلى الظلام والى قوى الطبيعة الجامحة. وتمثل
جماعات القنطور إحدى أهم الأساطير الإغريقية التي عاشت زمنا طويلا
وُخلدت من خلال الأعمال الأدبية والفنية في العصور
الوسطى. ونشأت الأسطورة على الأرجح كـرمز لفرس كانت محلّ تقديس إحدى القبائل
اليونانية البدائية في عصور ما قبل التاريخ. وتظهر الرسومات القديمة
المحفورة على الكهوف صورة للإنسان الفرس شبيهة بصورة الشيطان. وقد
ثبت في ما بعد عدم صحّة النظرية التي تقول إن شخصية القنطور تعكس نظرة بعض
القبائل البدائية إلى الفرس باعتباره كائنا شريرا. إذ الثابت أن الحصان كان
يحظى على الدوام بمكانة محترمة عند اليونان طوال فترات تاريخهم.
وتقول بعض المصادر إن شيرون، أحد كبار القنطور، كان معروفا بحكمته وبقدراته العجيبة
في الشفاء وموهبته في الصيد والموسيقى. أما اتباعه فتصوّرهم الأساطير
بصورة مناقضة تماما، إذ كانوا يتّسمون بالفظاظة وبإسرافهم في شرب الخمر. وتحفل
الفنون اليونانية حتى اليوم برسومات تصوّر المعارك العنيفة التي كانت
تجري بين الإنسان ومخلوقات القنطور. ويستخدم بعض الكتّاب صورة
القنطور ليرمز إلى الطبيعة المزدوجة للإنسان. وفي العصور الوسطى ساءت صورة
القنطور كثيرا إذ كانوا ُيصوّرون باعتبارهم كائنات شيطانية! ومع
ذلك ظلت هذه الشخصية تتمتّع بالشعبية في أوساط الأدباء والفنانين، ربّما بسبب
النفوذ الكبير الذي لعبته الآداب اليونانية في الثقافة الغربية. وإحدى
اشهر القصص عن جماعة القنطور تتحدّث عن سلوكهم المشين في إحدى حفلات
الزواج، إذ عندما أسرفوا في الشراب حاولوا اغتصاب العروس، ما أدّى إلى
نشوب معركة عنيفة قتل خلالها الكثيرون منهم فيما ُطرد الباقون من
بيوتهم وأراضيهم. وفي تلك المعركة بالذات قتل كبيرهم شيرون الذي كان
أكثرهم احتراما وتبجيلا. فقد كان يلعب دور المعلم للكثير من أبطال
الإغريق مثل جيسون وهرقل وأخيل وسواهم. بعض علماء الانثروبولوجيا
يرجعون اصل أسطورة القنطور إلى قبيلة إغريقية عاشت في الأزمنة السحيقة
وكانت تتّخذ من الفرس طوطماً Totem لها. وثمّة نظرية أخرى تقول إن
ظهور أسطورة الإنسان الفرس يرتبط بثقافة قبائل إغريقية قديمة لم تكن
تعرف ركوب الدوابّ. وعندما رأى أفرادها لاول مرّة بدوا مترحّلين
يمتطون الجياد نشأت في أذهانهم صورة مشوّشة لكائن نصفه إنسان ونصفه
الآخر فرس. المعروف تاريخيا انه أمكن ترويض الخيول وركوبها لاول مرّة
في السهوب الجنوبية لاسيا الوسطى، وبالتحديد في ما ُيعرف اليوم
بكازاخستان. لكن مؤخّرا عثر علماء الآثار على رسومات للقنطور على
الصخر في بعض أنحاء استراليا وجنوب أفريقيا. ويقول علماء استراليون
وبريطانيون إن من المرجّح أن تكون تلك المخلوقات قد عاشت فعلا مع
القبائل البدائية جنبا إلى جنب قبل ما يزيد عن 32 ألف سنة. وتوصّل أولئك
العلماء إلى استنتاج يقول إن مخلوقات الإنسان الفرس كانت تعيش بالفعل
في أزمنة موغلة في القدم، وانه يصعب تصوّر أن يرسم البدائيون أشياء
لم يشاهدوها أو يروها رأي العين. ويؤكّد بعض علماء الطب والتشريح، اعتمادا
على التجارب الجينية، إمكانية ولادة مخلوقات هجينة نتيجة الاتصال
الجنسي بين الإنسان وبعض الحيوانات وهو سلوك كان شائعا بكثرة في ثقافات الشعوب
البدائية. ويسوق العلماء أمثلة عديدة لحالات موّثقة عن بشر ولدوا
بملامح حيوانية أو العكس. في روايات الفانتازيا الحديثة، تغيّرت صورة القنطور
من كونهم جماعات متوحّشة لا تشيع سوى الفوضى والخراب، ليصبحوا مخلوقات
تتصّف بالانضباط والشرف وتمارس نفس الوظائف التي ُتنسب للحيوانات. وقد عاد
القنطور أو الإنسان الفرس إلى الظهور مجدّدا في الفنّ والأدب خاصةً في
روايات الفانتازيا والخيال العلمي. وتحفل أعمال جون فاليري
محاربات الامازيغ
"رأيتُ جيوش اوتريوس معسكرةً على ضفاف نهر سانغاريوس،
تحالفتُ معهم تارةً وتارةً مع الامازونيات. كنّ يحاربن كالرجال لكن
جيش العدو كان يفوقهن عددا وعدّة". برايـام ملك طروادة (إلياذة
هوميروس) رغم انتشار أسطورة محاربات الامازون عبر الكثير من ثقافات العالم
فإنها في الأساس جاءت من الأساطير الإغريقية شأن معظم الأساطير.
والمعروف أن قصة المسلسل التلفزيوني الشهير زيـنا Xena
مستوحاة أصلا من هذه الأسطورة. لكن اصل كلمة أمازون Amazon غير معروف على
وجه الدقّة، غير أن هناك اعتقادا شائعا بأن البادئة a في الكلمة تعني
بدون و mazos تعني ثدي. ومما يدعم هذا الاعتقاد أن ثمّة أسطورة تقول
بأن المرأة الأمازونية كانت تقطع أحد ثدييها لكي تسهّل على نفسها مهمّة
الرمي بالسهام. ومن الناحية التاريخية، اشتهرت مقاتلات الامازون
بأنهن كنّ نساءً في غاية الجمال والفتنة، أو هذا على الأقل ما تؤكّده
الرسومات القديمة التي كانت تصوّر معاركهن ضد الإغريق. وكانت
الامازونيات يتدرّبن على استخدام كافة الأسلحة خاصة في القتال المنفرد.
وكنّ يتّصفن بالشرف والشجاعة كما كنّ يمثلن ثورة على فكرة الجنس أو
ما ُيعرف اليوم بالجندر. وانتشرت كاياتهن بسرعة واصبحت القصص التي
تتحدّث عن بسالتهن وإقدامهن تروى في كل مكان، من أفريقيا إلى آسيا
وأوربا وأمريكا الجنوبية. والمعروف أن نهر الامازون اخذ اسمه من اسم
أولئك النساء المحاربات. وتعتبر أسطورة نساء الامازون جزءا مهما من
الثقافة الإنسانية. فقد كانت قصصهن هي اقدم رمز لخوف المجتمع من فكرة
الأنوثة. وكانت نساء الامازون يشكّكن في نظام الحياة نفسه وكنّ - بمعنى
ما - ثورة ضد الأدوار الاجتماعية التقليدية المناطة بالجنسين، ولم
يكنّ يسمحن بأن يعاملن بأقلّ مما كان ُيعامل به الرجال. في الأدب
الإغريقي القديم هناك الكثير من الإشارات عن نساء الامازون، فقد أتى
هوميروس على ذكرهن في الإلياذة وأثنى على شجاعتهن وإتقانهن لفنون القتال،
كما أن هناك إشارات متفرّقة عنهن في أعمال سترابو و بلوتارك و هيرودوت واركتينيوس الذي روى حكاية مقتل زعيمتهم
بنثيسيليا على يد أخيل. وجميع هذه المصادر الأدبية والتاريخية تتضمن إشارات إلى
المعركة المسمّاة "أمازونوماكي" والتي الحق فيها الإغريق الهزيمة
النهائية بالامازونيات. ويتفق معظم المؤرخين على أن المستوطنات الأصلية
لمقاتلات الامازون كانت في منطقة البحر الأسود. وتقول مصادر أخرى إن
مستوطناتهن امتدت حتى ليبيا وشبه جزيرة الأناضول جنوبا وحتى منغوليا
وأوراسيا غربا. ويقول هيرودوت المؤرخ اليوناني إن وجود الامازونيات كان
محصورا ضمن اليونان نفسها، بينما يقول آخرون إنهن لم يكنّ في واقع
الأمر غير جنود ذكور جاءوا من بلاد فارس وكانوا يحلقون لحاهم ويرتدون
ملابس النساء في المعارك. وأحد الأسئلة المحيّرة يتعلق بالطريقة
التي استطاع فيها مجتمع يتكوّن من النساء بشكل كامل من البقاء والاستمرار على
مرّ أجيال وربّما قرون عديدة. واكثر النظريات ترجيحا تشير إلى أن الامازونيات
كنّ يتصلن برجال من أراض بعيدة وعندما يولد لهن أولاد ذكور
يقمن بإرسالهم إلى آبائهم فيما يحتفظن بالإناث عندهن ويربينهن على طريقتهن
الصارمة. ومما لا شك فيه أن الامازونيات كن مقاتلات عنيفات وفي
الكثير من المناسبات شكلن تهديدا خطيرا لأثينا وكان الإغريق يخشون بأسهن، أما ما
يقال عن تعطشهن للدماء فمسألة ظلت مثارا للكثير من الأخذ والردّ والجدل. وقد ظلّ المؤرّخون ينظرون إلى الامازونيات نظرتين
متباينتين: إما باعتبارهن ظاهرة ميثيولوجية محضة وإما بالنظر إليهن
بحسبانهن مزيجا من الميثيولوجيا المطعّمة بشواهد آثارية واقعية تدلل على حقيقة وجودهن في حقبة تاريخية
معينة تعود بداياتها كما يقول علماء الآثار إلى العصر البرونزي. ومنذ سبع سنوات فقط توصّل العلماء إلى اقتناع
مفاده أن نساء الامازون لم يكنّ ظاهرة أسطورية بحتة اعتمادا على
الحفريات وأعمال التنقيب التي كشفت عن رسومات وتماثيل وأشكال فنية تصوّر جانبا من ثقافتهن وأسلوب الحياة السائد
في العصر الذي عشن فيه.
الجواد المجنح
"سابح هو في الفضاء دوما، وفور أن تلامس قوائمه الأرض تضج غناءً وحبورا. ووقع حوافره على الأرض اكثر موسيقية من
بوق هيرميز إله الُطرُق والتجارة" - ويليـام شكسبــير تقول الأسطورة القديمة إن برسيوس عندما قطع رأس "ميدوسا" سال دمها وغاض في
الأرض لينبت منه الجواد المجنّح الرائع. كانت ميدوسا في ذلك الزمان اجمل امرأة
على وجه الأرض. ويذكر جزء آخر من الأسطورة اسم زيوس باعتباره أبا
للجواد المجنّح. وتقول الميثيولوجيا اليونانية إن الجواد المجنّح كان يذرع الأرض جيئة وذهابا قبل أن يتوقّف على قمة جبل
الاوليمب. وفي أحد الأيام وبمجرّد أن لامست حوافره الأرض انبجست من تحتها أربعة ينابيع
تشكلت منها "ميوسيس" آلهة الشعر والموسيقى الإغريقية. قامت مينيرفا
بالإمسـاك بالجواد المجنّح وقدّمته إلى ميوسيس. ولانه اصبح قريبا من آلهة
الشعر والموسيقى فقد اصبح الجواد المجنّـح في خدمة أهل الشعر والأدب
والفنون. يقول شيـلر الشاعر الألماني إن الجواد المجنّح بيع إلى أحد
المزارعين فقام الفلاح باستخدامه في فلاحة الأرض وزراعتها. لكن الجـواد
لم يكن مؤهلا للقيام بتلك المهمة فهو لم يألف سوى الشعر والفن، فتقدم إلى
سيّده شاب طلب منه ركوبه. وما أن اعتلى الشاب ظهره حتى طار به الجواد
إلى السماء بكلّ عظمة وجلال. كان الجواد المجنّح عصيّا على كلّ
محاولات ترويضه حتى استطاع بيريلوفون الإمساك به وترويضه بسهولة "طبعا
بمساعدة الإلهة"! وبفضل الجواد الطائر استطاع مروّضه قتل "شيميرا"
الوحش الشرّير الذي كان ينفث النار من فمه، كما هاجم الامازونيات، وهنّ
محاربات شرسات يجدن إطلاق وتصويب السهام، كما انزل الهزيمة بالقبائل
البدائية المعادية. ومع مرور الوقت كان الجواد المجنّح يعيش في سعادة
وهناء، واصبحت بطولاته موضوعا أثيرا للاغاني والأناشيد. لكن سيّده لم
يقنع بالعزّ والجاه الذي كسبه من وراء ترويض الجواد وتطويعه. كانت تساور
بيليروفون الغبي رغبة أخرى: أن يصبح إلها! "يعني من قلة الآلهة"!
وفي أحد الأيام ركب على ظهر الجواد وتوجّه إلى قمة الاوليمب. عندما أدرك زيوس
ما كان ينوي بيليروفون فعله أرسل في إثرهما ذبابة سامّة لدغت الجواد، ما
أدّى إلى اختلال توازنه وسقوط سيّده من ذلك الارتفاع الشاهق! ظل
بيليروفون يهيم على وجهه في الأرض طوال ما تبقى من حياته مصابا بالعمى
والعرج! وأينما ذهب كان يقابل بالرفض والنبذ إلى أن مات وحيدا، جزاءً
وفاقا له على عصيان أوامر الآلهة! لكن ماذا كان مصير الجواد نفسه؟!
تقول الأسطورة انه خلافا لمصير سيّده البائس، ُسمح للجواد المجنّح بأن يقضي
بقية حياته في جبل الأوليمب بحضور الآلهة! وُعهد إليه بمهمة جلب البرق
والرعد للإله زيوس أقوى آلهة اليونان. كما استخدمته اورورا "آلهة الشفق
القطبي" مرافقا لها في مسيرها عبر السماء عند الفجر. كان الجواد بالإضافة إلى
رشاقته وتناسق أعضائه يخلي الجنود الجرحى من ميدان المعركة
ويسهم في مجهود الحرب! كذا تقول الأساطير اليونانية وعلينا طبعا أن نصدّقها! واليوم
يحظى الجواد المجنّح بالتكريم والاحترام على أفعاله المجيدة في الأرض
والسماء! فإحدى شركات الطيران لم تجد افضل من اسم الجواد المجنّح
(Pegasus) لتطلقه على جيل جديد من الطائرات العمودية التي تصنعها.
وتحمل إحدى المجرّات البعيدة اسم (Pegasus) تيمّنا بالجواد المجنح. وتقع المجرّة في الجزء الشمالي من
السماء بالقرب من برج الدلو. وعلى أطراف تلك المجرّة يقع مثلث
"اندروميدا"، الأميرة الحبشية الجميلة التي تقول الأساطير الإغريقية إن
غولا شدّها بالسلاسل إلى جرف جبلي ليسهل عليه ابتلاعها قبل أن ينقذها
"بيرسيوس" ويقتل الغول ويتزوّجها.
العنقاء
العنقاء طائر خرافي عربي يقال انه بحجم النسر،
وهو كائن معمّر إذ تذكر بعض المصادر انه يعيش حوالي 500 – 1000
عام.. وتقول الأساطير القديمة إن العنقاء عندما تقترب ساعة موته يعمد إلى
إقامة عشّه من أغصان أشجار التوابل ومن ثم يضرم في العش النار
التي يحترق هو في لهيبها. وبعد مرور ثلاثة أيام على عملية الانتحار تلك ينهض من
بين الرماد طائر عنقاء جديد. وتربط الأساطير الفرعونية
القديمة العنقاء بالتوق إلى الخلود وهي الفكرة المهيمنة في الحضارة المصرية
القديمة. وفي القرن الأول الميلادي كان كليمنت الروماني أول
مسيحي يترجم أسطورة العنقاء كرمز لفكرة البعث بعد الموت. وكانت العنقاء رمزا
لمدينة روما العصيّة على الموت، وقد ظهر الطائر على عملاتها المعدنية
رمزا للمدينة الأبدية. وفي الميثولوجيا الصينية ظلّت العنقاء دائما رمزا
للفضيلة والإباء والقوّة والرخاء. وكان ارتداء مجوهرات عليها نقش
العنقاء دليلا على حبّ لابسها للفضيلة والقيم الأخلاقية العليا. كما كان
العنقاء الذكر رمزا للسعادة والأنثى رمزا للإمبراطورة، مقابل التنين
الذي كان رمزا للإمبراطور. وكان العنقاء، ذكرا وأنثى معا، رمزا للزواج
السعيد. واسطورة العنقاء شائعة في بلاد مصر واليونان والحضارات
الشرقية بشكل عام. يقول المؤرّخ الروماني هيرودوت في كتابه التاريخ: "لدى العرب طائر مقدّس هو
العنقاء لكني لم أره أبدا باستثناء بعض الرسومات له. والطائر نادر
الوجود حتى في مصر، وطبقا للروايات التي سمعتها من بعض المصريين فإنه
يأتي مرّة كل خمسمائة عام ويقيم زمنا في معبد الشمس". وقد أخذت العنقاء
اسمها Phoenix اشتقاقا من كلمة Phenicieus اليونانية وتعني اللون
الأرجواني الذي يتميّز به الطائر. واصبح طائر العنقاء يرمز في ثقافات
العالم إلى النبل والتفرّد كما انه يمثل الرقّة فهو لا يسحق أي شئ يدوسه
كما انه لا يأكل لحم غيره من الكائنات الحية. وحتى في عملية تدميره
لنفسه فإنه لا يؤذي أحدا. كما انه ينفرد بخاصية الإخصاب الذاتي، أي انه لا
يتوالد بيولوجيا وانما يتخلق عنقاء جديد من رماد العنقاء المحترق.
وطبقا للأساطير فإن العنقاء تعيش بجانب الآبار الباردة وتستحم بمياهها
وتنشد موسيقى عذبة لاقناع اله الشمس بالاستماع إليها! وبعد أن تنهض
العنقاء الجديدة من بين الرماد فإن أول ما تقوم به هو تحنيط رماد سابقتها
ومن ثم حمل الرماد إلى مدينة الشمس. إن العنقاء بمعنى ما صورة للنار
الخلاقة والمدمّرة التي بدأ منها العالم وبها سينتهي. وكان العرب
يعتقدون أن المكان الوحيد على الأرض الذي يمكن أن يقيم فيه طائر العنقاء
كان قمّة جبل كاف الذي يعتبرونه مركز الأرض. وأيا ما كان الأمر
فإن العنقاء المصرية المسمّاة بينو كانت مرتبطة بدورة الشمس وبوقت فيضان
النيل، ومن هنا تأتي علاقتها بفكرة التجدّد والحياة. وموطن العنقاء
الأصلي هو الجنّة: ارض من جمال لا تحدّه حدود ولا يتصوّره عقل.
في الجنة لا أحد يموت. وهنا تكمن معضلة هذا الطائر الغريب! فبعد أن يعيش ألف
عام يصبح واقعا تحت عبء الشيخوخة ووهنها المضني، ثم يأتي الوقت الذي
يتعيّن عليه فيه أن يموت. وهنا يشقّ طريقه نحو عالم الموتى فيطير
باتجاه الغرب وعبر غابات بورما وسهول الهند إلى أن يصل إلى الجزيرة
العربية حيث غابات التوابل والنباتات العطرية. وبعد أن يقوم بجمع بعض
الأعشاب العطرية يواصل طيرانه باتجاه ساحل فينيقيا السوري.
هناك فوق إحدى أشجار النخيل السامقة يقيم عشّه وينتظر بزوغ الفجر التالي الذي سيعلن
موته المؤجّل! المسيحية أخذت حكاية العنقاء وأسقطت دلالاتها الفلسفية
والروحية على السيّد المسيح "الذي ُقتل ثم ، كالعنقاء، يعود إلى الحياة
من جديد" كما يذكر الإنجيل. لقد جاءت حكاية العنقاء
من الأسطورة وتحوّلت مع مرور الزمن لتتّخذ مضامين روحية
ودينية وأصبحت رمزا لفكرة البعث، وهي الفكرة التي أصبحت ترتبط مباشرة
بهذا الطائر الخرافي. اليوم يمكن العثور على العنقاء في كتب الأدب والأعمال الفنية والموسيقية،
وكثيرا ما استشهد بها الشعراء في قصائدهم للاحتفاء بالموتى وتخليدهم.
التّنينلآلاف السنين، ظل التنّين يأسر عقول البشر، وقد كان الإلهام الذي استوحى منه الكثير من الكتاب والشعراء
والموسيقيين أعمالهم وإبداعاتهم. وهناك أساطير عديدة تروى عن التنّين على مرّ
القرون. وأقدمها تشير إلى أن التنّين أتى من البحر، وطوال عهود
التاريخ ارتبطت هذه المخلوقات بالماء. وفي الماضي كانت خرائط العالم
تضع على المناطق غير المكتشفة علامة "هنا يسكن التنّين"! وقصص
التنّين المبكّرة كانت تتمحور حول مسألة الخلق أو الحفاظ على الكون من
الفوضى. لكن تلك القصص أصبحت تركز في العهود اللاحقة على حكايات البحث
عن الكنوز وإنقاذ الأميرات! أما اليوم فأصبحت قصص التنّين تترواح بين
رحلات إلى الفضاء الخارجي أو البحث الفلسفي عن الحقيقة .. الخ.
وأقدم القصص المروية عن التنين وردت في أسطورة سومرية تعود إلى العام 5000
قبل الميلاد وتدور أحداثها حول تنّين يسمى "زو". وقصة التنين "زو" هذا
تتضمّن عنصر الإله، وتشرح كيف أن "زو" سرق الألواح التي سجّلت عليها
القوانين من الإله "انليل". ويقوم "انليل" بإرسال اله الشمس "نينورتا"
لاستعادة الألواح. وينفذ "نينورتا" المهمّة ويقتل "زو" في أثناء
المواجهة. كما تتضمّن الحضارة البابلية قصصا مشابهة عن التنّين. وثمة
قصة حثية (نسبة إلى الحثيين) تتحدث عن الطريقة التي تمكن بها اله
العواصف بمساعدة الآلهة "ايناراس" وعشيقها البشري "هوباسيغا" من قتل
تنّين يقال له "ايلوغانكا". وهناك قصة كنعانية من أشعار "بعل" تتحدّث
عن كيف أن الإله بعل هزم تنّينا بحريا له سبعة رؤوس يقال له "يامناهار". وفي
مصر راجت أسطورة تتحدث عن تنّين بحري حاول أن يلحق الهزيمة بـ "رع"
اله الشمس المصري لكنه قتل على يد اله آخر اسمه "سيث"! وتعزى فكرة
إنقاذ الأميرات من براثن التنّين على يد أبطال شباب إلى الأساطير اليونانية.
وكانت كائنات التنين اليونانية هي مصدر الأسطورة في الآداب الغربية.
واقدم قصة إغريقية عن التنّين هي قصة الفروة الذهبية. وفي القصة أن
رجلا يقال له "جيسون" أبحر في سفينة بحثا عن فروة ذهبية بمساعدة أميرة
ساحرة تسمى "ميديا" ، وكانت الفروة بعهدة ملك كلوشيس وكان يحرسها تنين
صعب المزاج! وكانت ميديا قد وعدت جيسون بالزواج منها إن هو افلح في
استعادة الفروة الذهبية من التنين. وهذا ما حدث في النهاية. والصورة
الشائعة عن التنين ترسم له ملامح مخلوق شرير وقاس ومتعطش للدماء وله
جسد ضخم ودائما ما ينفث من فمه النار وله أربع قوائم ومخالب تشبه مخالب
الأسد وجناحان هائلان وجلد خشن ومتغضّن. وبعض أنواع التنّين يملك
القدرة على تغيير شكله ولونه. والتنين يأكل ولكن مرة واحدة في الشهر،
وهو يتغذّى على لحم خروف أو ثور كما يأكل لحم البشر (الأساطير تقول انه
يفضل لحم الفتيات العذارى بشكل خاص)! وتقول بعض الأساطير إن من يأكل
قلب تنين فإنه يصبح قادرا على فهم لغة الطير، أما من يأكل لسانه فإنه يصبح
حجّة في النقاش والإقناع! ومع مجيء المسيحية انتهى التنّين، إذ كان فرسان
القرون الخوالي توّاقين إلى إثبات شجاعتهم واكتشفوا بسرعة أن صيد
التنّين كان عملية مربحة وسرعان ما انقرض التنين بعد ذلك من العالم! وكان الفايكنغ
ينحتون مقدّمة سفنهم على هيئة تنين إيمانا منهم بان ذلك يجلب لهم
الحماية والأمان. واليوم ما يزال علم ويلز يحمل صورة تنّين احمر على
خلفية من اللونين الأخضر والأبيض، وما زال التنين هو الرمز الرسمي لذلك
البلد. ويعتقد أن جسد التنين كان عبارة عن مزيج من الخصائص
الفسيولوجية لحيوانات عديدة، فله جسم أفعى ورأس جمل وقرون غزال ضخم
وعينا أرنب وأذنا ثور وبطن ضفدع ومخالب نسر! ويصوّر التنّين في الشرق
باعتباره مخلوقا طيّبا ورحيما وذكيا! والصينيون يحتفظون بأقدم تاريخ
مكتوب في العالم عن هذه الكائنات يعود إلى آلاف السنين. وتاريخيا هناك
ربط دائم ما بين التنّين وحالة الطقس، إذ يقال بأن أسوأ الفيضانات في
آسيا كانت تحدث بسبب موت تنّين! وفي الصين كان التنّين رمزا لبعض
الأباطرة هناك، وكان هناك قانون قديم في الصين ينصّ على أن الإمبراطور
وحده هو من يحقّ له ارتداء ملابس عليها نقش تنين كرمز للسلطة والمنعة.
وكان لون التنين الإمبراطوري اصفر وهو أعلى الفصائل مكانة ومقاما.
وإذا ما ُقبض على أي إنسان، عدا الإمبراطور، مرتديا رمز التنين الأصفر
فإنه ُيحكم عليه بالموت فورا! وما تزال حيوانات التنّين تظهر في
الاستعراضات والاحتفالات العامة في آسيا واشهرها الاحتفال بعام
التنّين في الصين. لقد عاشت قصص التنين آلاف السنين
ويبدو أنها لن تتلاشى قريبا. ومن المؤكد أن العديد من تلك القصص
والأساطير عن ذلك الوحش الخرافي سوف تروى لتملأ خيال الأطفال والكبار على حدّ
سواء، وسيستمر الفنانون والشعراء والأدباء في استلهام قصص التنّين ورسمه
بشتى الأوضاع والصور طالما أطلقوا لمخيلتهم العنان باتجاه عوالم السحر
والأساطير
عروس البحر"في اليوم السابق، وعندما كان الأدميرال في طريقه إلى ريو ديل
اورو، قال انه شاهد ثلاثا من حوريات البحر كنّ طافيات فوق ثبج الأمواج
الهادرة، لكنهن لم يكنّ بالجمال الذي تصوّره الأساطير، لان ملامح وجوههن
كانت تبدو كملامح الرجال. وقال انه سبق وان شاهد بعض هذه المخلوقات في
غينيا وفي ساحل مانيغيتا". - مقطع من مذكرات كريستوفر كولومبوس، 9 يناير 1493 م
اعتاد الإنسان ولقرون طويلة ماع العديد من القصص التي تروى عن عرائس البحار. وسيطرت صور
هذه الكائنات الغريبة على مخيّلة الفنانين والكتاب والشعراء الذين
حاولوا إعادة الحياة إلى هذا المخلوق الغامض والمحيّر. وغالبا ما
كانت صورة عروس البحر - التي تأخذ في الغالب جسد امرأة وذيل سمكة -
مقترنة في الأذهان بالرّقة والجمال والشهوة . والأمر المؤكّد هو أن
الواسطة الأساسية التي راجت من خلالها صورة عروس البحر كانت القصص
المحكية، وبعد ذلك مباشرة يأتي دور الأدب والفن، إذ مع تطوّر الحضارة
كانت أسطورة عروس البحر نفسها تتطوّر وتأخذ أبعادا وتمظهرات أكثر تنوّعا. ويشير
بعض الكتاب إلى أن جمال عروس البحر الأخّاذ وصورتها الدائمة وهي تمشط
شعرها، واستعصاءها على الرجال، كل ذلك أغرى بالمغامرة والذهاب إلى
المجهول سعيا وراء الوصول إلى تلك الفاكهة المحرّمة! ورغم ذلك فخلف
هذه الصورة المغرية معنى مجازي للموت، فقد أغرى جمال عروس البحر أجيالا
عديدة من المغامرين الذين قادتهم روح المغامرة من اجل اكتشاف سرّها
الغريب إلى حتفهم، على نحو ما تصوّره عشرات القصص الأدبية المتخيلة عن
هذه الأسطورة. ويمكن العثور على عروس البحر في آداب جميع الأمم تقريبا،
فالمعابد الهندية تحوي قطعا نحتية تصوّرها بأوضاع وصور شتى. وتقول
الأساطير الهندية إن الإله فيشنو اتخذ شكل سمكة كي ينقذ مانو من
الطوفان العظيم! ويؤمن البحّارة بوجود مخلوقات مشابهة في بحر الصين
وتروى في هذا المجال قصص عديدة. ويعود تاريخ عروس البحر إلى الحضارات
الإنسانية المبكّرة التي كانت تتخّذ إلهة لها على هيئة امرأة لها ذيل
طويل يشبه ذيل سمكة. وكان البحر دائما يلعب دورا مهما في معتقدات
العالم، فهو يقوم بوظيفة الرحم الذي يكتنز بداخله الخلق والإبداع كما
كان يعتبر مصدرا للحكمة خاصة بالنسبة للأمم والشعوب البحرية. في
الميثيولوجيا الإغريقية تصوّر عرائس البحر كائنات يأخذ كل منها جسد
طير ورأس امرأة، وهي بنات البحر بمعنى ما، ولطالما فتنت البحّارة
بأصواتهن العذبة ودفعتهم إلى الرسوّ بمراكبهم وسفنهم على الصخور التي كانت
تغنّي الحوريات فوقها. وحسب إحدى الأساطير اليونانية القديمة فإن عرائس
البحر ألقين بأنفسهن إلى أعماق البحر وهلكن أسفا على هرب اوديسيوس وانتصار
اورفيوس. وفي العديد من الحكايات التي تروى عنهن فإن عرائس البحر يستطعن
التنبؤ بالمستقبل، تحت الإكراه أحيانا، كما أنهن يمنحن البشر قوى خارقة.
ويمكن أن تقع عروس البحر في حبّ إنسان ثم تغريه بالمشي في إثرها إلى أعماق
البحر. وإحدى أقدم الإشارات إلى لقاء عرائس البحر بالبشر وردت في ملحمة
الاوديسا التي كتبها هوميروس حوالي العام 800 قبل الميلاد.
في الملحمة كان اوليسيس مضرب المثل في العزم والشجاعة، وقد قويت شوكته كثيرا بعد
الأخطار العديدة التي واجهها وتغلب عليها بجسارة وبفضل نصائح الساحرة
"سيرشي" التي تقوده إلى التعرّف على أسرار البحار ليقهر خصومه في مغامراته
الكثيرة. مايكل انجيلو رسّام عصر النهضة صوّر عروس البحر مثالا متطرّفا
في الغواية واغراء البشر عندما رسم لها لوحة في سقف كنيسة سيستين. في اللوحة
التي اسماها "سقوط الإنسان والطرد من الجنة" يظهر كائن على هيئة عروس
بحر جزؤها العلوي امرأة والسفلي حيّة أو سمكة تقوم بغواية آدم وحواء!
من المهم أن نلاحظ أن عرائس البحر طبقا للأسطورة هي مخلوقات مائية في المقام
الأول، والماء له قيمة رمزية قوية. كما أن الماء ، والبحر استطرادا،
يشتمل على ثنائية لافتة، فهو مصدر للحياة والوفرة والتجدّد كما انه
المصدر الذي ولدنا منه. لكن الماء بنفس الوقت يمكن أن يكون مصدرا للموت
والفناء. وعروس البحر تجسّد كل هذه الصفات والمعاني المتقابلة
مجتمعة، فهي إذن رمز للخلود والموت معا. إنها تدعو الإنسان إلى
المجهول والى أن يتغيّر وينتقل من فضاء إلى آخر، ومن حالة لأخرى. وهي
تقوم بدور الدليل أثناء أوقات التحوّل والخطر وعدم اليقين. عرائس
البحر تدعو الإنسان بل تحثه لان يتخلى عن حاله الراهن ويصبح شيئا
جديدا. أما الخوف منها والذي نلمسه في الأساطير فهو خوف من الإخلال
بالتوازن القائم وخوف من التعلم وفقدان الذات، وخوف من النزول إلى
الأعماق "أي منطقة اللاوعي" حسب التفسير الفرويدي.
اليونيكورن
"نحن الآن في العام الثاني عشر. في ركن قصيّ من البحر الغربي
وفي المياه الراكدة للمروج العظيمة، ُعثر على اليونيكورن. كان ارتفاعه خمسة
عشر قدما، له جسم غزال وذيل أسد وقرن وحيد يلمع كسحابة حمراء في سديم
ارجواني". - مقطع من قصيدة صينية قديمة من أهم الكائنات
الأسطورية التي تحدّث عنها الناس منذ اقدم الأزمنة اليونيكورن، هذا الكائن
الأحادي القرن الذي يشبه الفرس في قوامه وهيئته وله قرن وحيد في وسط جبهته.
ورغم عدم وجود دلائل علمية مؤكدة تشير إلى وجوده، فإن هذا الكائن الأسطوري
كثيرا ما فتن مخيلة الإنسان كما لم يفعل أي كائن خرافي آخر. والملاحظ أن
الموروث الشعبي أو الميثيولوجي العربي يخلو من أي ذكر لهذا الكائن أو لأي
كائن آخر يشبهه. الإشارات الوحيدة المتوفّرة عن أحادي القرن وردت في بعض
الأساطير والحكايات التي انتقلت إلينا من تراث بلاد الرافدين القديم.
وبالرغم من كل المحاولات الرامية إلى توكيد أو نفي وجود هذا المخلوق الغريب، فإنه
ظل على الدوام حاضرا في ضباب الأحلام وفي غبار الأساطير وحكايات الأزمنة
السحيقة. وكان يتخذ دائما أشكالا وملامح متباينة في تراث وثقافات العديد من
الشعوب المختلفة. ظل اليونيكورن يعيش في مخيلة الإنسان بشكل أو بآخر
منذ فجر التاريخ. وطبقا للحضارة الصينية فان هذه الحيوانات الفاتنة دخلت
تاريخ الإنسان في حوالي العام 2697 قبل الميلاد عندما شق الجواد الأسطوري
"تشيلين" طريقه بوقار وجلال إلى داخل قصر الإمبراطور "هوانج تي" وتجوّل في
ردهاته وأروقته قبل أن يختفي على حين غرة! ويعتقد على نطاق واسع أن أوّل
إشارة إلى كائنات اليونيكورن كانت في الصين وبالتحديد في حوالي سنة 2500
قبل الميلاد، وكان الحديث عنها مقرونا باعتبارها مخلوقات إعجازية يشعّ جسم
الواحد منها بالألوان المبهرة وله صوت يشبه صلصلة الجرس وقرن من العاج
منزرع في مقدمة رأسه طوله حوالي اثني عشر قدما. كان الجواد الأحادي
القرن يتمتع بمكانة خاصة لدى الصينيين فقد كان رمزا للقوة والحكمة
والخير وكان ظهوره دائما علامة للحظ السعيد والفأل الحسن. فعندما يكون
الحاكم عادلا ورحيما وتسود الناس السكينة والسلام فإن هذا الكائن
الأسطوري الغريب سرعان ما يظهر على الملأ علامة على التفاؤل والحظ
السعيد. كما انه يظهر في مكان مشابه عندما يوشك قائد عظيم أن يولد أو
يموت. وأكثر الأمثلة شهرة هو ما حدث قبل اكثر من 2500 سنة عندما ظهر
هذا الكائن لامرأة شابة اسمها "يين تشين زاي". كانت المرأة حسب ما تقول
الحوليات الصينية القديمة تصلي في أحد المعابد، وكانت تثابر على زيارة
ذلك المعبد بانتظار أن يمنّ الله عليها بمولود ذكر. وبينما هي معتكفة
في ذلك المعبد الجبلي النائي ظهر لها على حين غرة كائن اليونيكورن
وركع قبالتها وألقى بين يديها بقطعة من اليشب Jade وهو نوع من الأحجار
الكريمة. وعندما تفحّصت المرأة الحجر وجدت منقوشا عليه عبارة تقول بأن
ابن الماء سيلد قريبا وسيخلد المملكة وسيكون ملكا بلا تاج! بعد ذلك
بفترة وجيزة تحققت نبوءة الكائن الأسطوري وحملت المرأة الشابة بـ "كونغ فوتسي"!
ولم يكن "كونغ فوتسي" سوى الفيلسوف الصيني العظيم "كونفوشيوس"
الذي استطاع في ما بعد، ومن خلال تعاليمه وحكمته، أن يعيد صياغة
حضارة الصين جذريا وأن ينال شهرة لم ينلها اعظم أباطرة الصين على مرّ
القرون السابقة أو اللاحقة. لقد اصبح "كونفوشيوس" إمبراطورا كبيرا
ولكن من دون تاج الإمبراطورية! وتقول الحكايات الشعبية الصينية القديمة
أن اليونيكورن كان على الدوام يمشي بطريقة ناعمة لانه بطبيعته رحيم
القلب وكان يتعمّد المشي بخفّة على الأعشاب والشجيرات مخافة أن يسحقها بقدميه.
كان له صوت كصوت الريح وكان يتجنّب الدخول في عراك مع غيره مهما كان
الثمن، وكانت حياته تمتد لألف عام! وقد ظهر اليونيكورن في آداب وفنون
بلاد الهلال الخصيب أيضا، كما أن هناك الكثير من الإشارات عنه في الآداب
الهندية واليونانية القديمة. والحقيقة أن الكتب التاريخية في كلّ
العصور تقريبا تحفل بذكر اليونيكورن بما في ذلك كتاب العهد القديم.
تقول إحدى الأساطير الهندية القديمة أن غوتاما بوذا عندما كان يلقي خطبته
الشهيرة في منطقة بيناريس أتاه يونيكورن وجثا عند قدميه ليستمع! وقد ُصوّر الكائن
على انه غزال له قرن واحد. والقرن هو رمز للنيرفانا، أما الكائن نفسه
فنُظر إليه باعتباره نموذجا للسلوك الصالح والمستقيم، كما تؤكد على ذلك
إحدى القصائد البوذية القديمة. وقد لعبت هذه الكائنات الخرافية أهم دور
لها خلال القرون الوسطى في أوربا فظهرت في اللوحات والرسومات التصويرية
وعلى المفروشات التي كانت ُتطرّز بصورها المختلفة الأوضاع والأشكال. وتشير
القصص الفولكلورية العائدة لتلك الفترة إلى انه كان بالمستطاع رؤية ذلك
الحيوان من وقت لاخر رغم انه لم يكن يسمح لاحد بأسره أو الإمساك به. وقد
ارتبط ذكر اليونيكورن بسيرة حياة ثلاثة من اشهر القواد في التاريخ: يوليوس
قيصر والاسكندر الأكبر وجنكيز خان! ويقال بأن الاسكندر ركب على ظهر
كائن أحادي القرن يعتقد اليوم بأنه لم يكن سوى حصان هجين. كما يقال بأن
الاسكندر ورجاله دخلوا ذات مرة في صراع عنيف مع قبيلة من مخلوقات
اليونيكورن! أما بالنسبة لجنكيز خان فتقول بعض المصادر التاريخية انه
سيّر في العام 1206 جيشا ضخما كي يفتح به الهند. وبينما كان يقف في ممرّ
جبلي يطلّ على تلك البلاد ظهر له حيوان أحادي القرن واتجه نحوه ثم ركع
أمامه ثلاث مرات احتراما! وقد اعتبر جنكيز خان تلك الإشارة نصيحة من والده
الميت بأن يعدل عن خطته بمهاجمة الهند فأمر جنوده بالعودة من حيث أتوا.
وترسم بعض الاسكتشات والرسومات التي تعود للقرون الوسطى صورة مختلفة بعض الشيء
لليونيكورن، فهو يبدو قريب الشبه من الغزال وله قوائم طويلة وذيل قصير أشبه
ما يكون بذيل الأسد. كما أن هذا الكائن وحسب تلك المصادر كان يتميّز
بقدرته الفائقة على العدو على نحو يصعب معه الإمساك به.
وتشير بعض الحكايات إلى أن الفتاة العذراء الجالسة تحت شجرة في الغابة هي القادرة
وحدها على جذب اهتمام ذلك الكائن واستئناسه. وقد يكون لهذا أصل في
الحكايات والقصص المنسوبة إلى أوربا الوثنية حيث كان َذكَر آلهة الخصوبة ذا
قرن وحيد. وربما كان اللون الأبيض الذي اصبح مرادفا للعذرية والعفة
انعكاسا لحقيقة أن لون اليونيكورن نفسه ابيض. وعودا على بدء، فإن أباطرة
الصين المتنوّرين ورّثوا الحكم إلى أباطرة اقلّ شانا وأهمية، ومع مرور الأيام
خفّت نبرة الحديث عن ظهور اليونيكورن في حدائق القصر إلى أن توقف
الحديث عنه نهائيا. وبحلول القرن السادس قبل الميلاد أصبحت الصين ُتحكم
اسميا من قبل سلالة تشاو، لكن البلاد تفسّخت فعليا بعد ذلك وتحوّلت إلى
مقاطعات منقسمة على نفسها ومتحاربة في ما بينها. ومنذ ذلك الحين، اصبح
اليونيكورن مجرّد ذكرى غابرة يرويها الناس في أسمارهم ومجالس أنسهم
ويتناقلونها جيلا بعد جيل!