لذهب ذلك الأصفر البراق الذي خلب عقول النساء منذ بداية التاريخ هو هدية الأمراء والسلاطين الفاخرة هو مهر العروس وذخيرة الجدات في المحن هو كنز مخبأ وأموال مجمدة يستعين بها التجار زمن الكساد هو صناعة وفنّ يساعد على التأريخ لحضارات متعاقبة وللذهب في تونس جذور تاريخية منذ العصور القرطاجنية لكن هذا البريق الأخاذ ظل يتأرجح بين عديد الصعوبات في مقدمتها الركود الذي ترتب عنه إغلاق عديد المحلات المخصصة لبيعه إلى أن جاء قرار تحرير الذهب يوم 5 ماي 2010 والذي جعل طائغي البركة يتنفسون الصعداء ويستبشرون بهذه اللفتة الكريمة التي اعتبرها أغلبهم ولادة جديدة لهذا القطاع الذي تخلف عن مواكبة التطورات وظل يحتضر سنين طوال.
"التونسية"زارت سوق البركة والتقت بعض الصائغين لمزيد الاستفسار حول هذا القرار فكان لنا الريبورتاج التالي :
نظرا لوجود بعض الغموض حول مفهوم تحرير الذهب التقت "التونسية" السيد "علي الشاوش" أمين الذهب الذي أفادنا بأنّ قرار تحرير الذهب هو عبارة عن تحريره من مصادقة الإدارة أي إزالة طابع الضمان الإداري وتعويضه بطابع ضمان أدبي بمعنى أن كل صائغي له رقم إداري خاص به يحمل حرفين من اسمه والرقم الإداري والعيار (ذوق 9 أو 18) وبالتالي يصبح الصائغي يصنع ويطبع بنفسه هذا وأضاف أمين الذهب أن هذا القرار جاء للحد من عمليات الغش والبحث عن المنافسة والجودة وبعث أنماط جديدة والتشجيع على التصدير والتعريف بالمهارات التونسية في مجال صناعة الذهب في الخارج على غرار الفضة والصناعات التقليدية.
روح جديدة للقطاع وحلول لتصدير الذهبقال السيد "توفيق الشاوش" صائغي ونائب رئيس الغرفة الجهوية لتجارة المصوغ ورئيس لجنة التجارة الداخلية لغرفة تونس للصناعة والتجارة :" إن هذا القرار جاء لتحديث القطاع وإعطائه روحا جديدة بل أرجع الروح للسوق بحيث أن القوانين القديمة لم تكن مواكبة للعصر خاصة وأن القطاع كان يمر بصعوبات إذ أنّه حسب القوانين القديمة لم يكن للصائغي الحق في استغلال الذهب "المكسر" المتوفر في البلاد والذي لا يحمل الطابع لكن هذا القانون سيقع استغلاله كمادة أولية وسيحقق إفادة للدورة الاقتصادية وكذلك المواطن الذي سيتمتع بأثمان معقولة. إضافة إلى ما سيدره من حركية في السوق. هذا وأكد "توفيق الشاوش" أن تحرير الذهب سيمكن الصائغي من تحمّل المسؤولية وأنه سيسهل على وزارة التجارة إيجاد الحلول لتصدير الذهب. كما سيمكن من المشاركة في المعارض ولم لا تصدير الذهب كما هو معمول به في قطاع الفضة الذي أصبح مطلوبا في الخارج مبرزا أن هذا القطاع يشغل 1200 شخص يحمل طابع العرف و 800 شخص لا يحملون طابع العرف. وأنّه لم يقع إحداث امتحان لطابع العرف قرابة 15 سنة .
نحو فتح آفاق للتجار وتشغيل اليد العاملةمهدي الشاوش" حرفي وتاجر وخبير عدلي في الأحجار الكريمة قال أن قرار تحرير الذهب سوف يفتح آفاقا للتجار و"الصنائعية" نظرا لتوفّر الحرية في الشغل عكس ما هو موجود في السابق حيث كان التاجر مرتبط بكمية معينة يوفرها البنك المركزي لصاحب طابع العرف والمتمثلة في 200 غ في الشهر. كما بين أن تحرير الذهب سيقضي بصفة كلية على ظاهرة الغش التي تفاقمت في السنوات الأخيرة خاصة في (طابع الدولة) إلى جانب القضاء على تهريب كميات الذهب المتواجدة داخل تونس والتي تعرف بـ"ذهب التكسير". إضافة إلى أنه سيفتح الآفاق أمام كفاءات كثيرة ويشغل الآلاف من اليد العاملة.
يقضي على سيطرة بعض التجار على السوقيقول "الشاذلي زميطة" أصيل ولاية قابس صائغي منذ 30 سنة في سوق البركة أن هذا القرار سيرجح الكفة بين التجار والصائغين على حد سواء. ويمنع سيطرة بعض التجار على السوق "الكل تخدم على رواحها وجهدك يا علاف". كما سيفتح المجال أمام "الصنايعية" نحو الإبداع المحلي ولم لا العالمي من ناحية وسيمكن من استقطاب الزبائن باعتبار أنه سيساهم في تخفيض ثمن الذهب بسبب توفر الفرص وتنوعها من ناحية أخرى.
70% كانوا سيغادرون المهنة وهذا القرار أعادهم للقطاعيقول " عماد" تاجر منذ سنوات في سوق البركة أن 70% من الصائغين كانوا سيغادرون المهنة وهناك من أحيل على البطالة لأن
قطاع الذهب قد شهد ركودا في السنوات الأخيرة. إضافة إلى عزوف المواطن عن شراء الذهب بسبب ارتفاع الأسعار لكن هذا القرار أرجع التجار إلى ممارسة المهنة خاصة في ظل تحرير الآلات المخصصة لصناعة الذهب "المكينة" بعد أن كانت لا تحل إلا بترخيص. كما أن عملية الصنع والطابع أصبحت تقام في حيز زمني بسيط ثم توضح قطع الذهب في الواجهات البلورية عكس ماكان عليه السابق حيث أن أغلب الصائغين أضناهم طول الانتظار (نبحث عن القطعة ونستنو الدور وقتاش تتطبع وساعات يقلك جمع لقطايع الكل).
سوق ودلال واللي يسرق يغلب اللي يحاحييقول السيد "محمد المحواشي " (موظف في شركة خاصة، 47 سنة) أن تحرير الذهب من الطابع سيخدم مصلحة التاجر والصانعوالصائغي على حساب المواطن "الشاري" فلم يعد هناك من ضمان يميز الذهب عن النحاس أو غيره من المعادن بعد أن كان الطابع هو الضامن الوحيد. مضيفا أن هذا القرار قد يساهم في تهميش هذا القطاع وتعميق مشاكله بسبب عزوف المواطن وتوجهه إلى اكسسوارات أخرى خوفا من الغش" لأنه ومهما وجدت مراقبة دائمة فإن اللي يسرق يغلب اللي يحاحي. وقد تكون المراقبة صارمة في الآونة الأولى إلا أنه بمرور الوقت قد تتلاشى هذه العملية ويصبح القطاع سوق ودلال . وما يثير الاستغراب هو الانتقال من عملية مقننة بطابع من الدولة إلى طابع أدبي يعتمد على ضمير الصائغ وأخلاقياته. لكن إذا غاب الضمير أمام المال فستحصل الكارثة".
عائشة السعفي
الأربعاء 1 ديسمبر 2010 - 11:55
