حرب على غزة أم على فلسطين ؟

عدد المساهمات : 1563 تاريخ التسجيل : 24/01/2010

مقال قديم:ـ

الصمت العربي المريب قبضة أخرى تخنق عنق الحياة في غزة..
إنها يد أخرى تمتدّ لتجتثّ زهور الحرّية والكرامة وتغمض عبثا عيني التاريخ
العرب الذين يلتهمون بنهم أخبار الموت الاستثنائي في القطاع متواطئون مع إرادة الإبادة يقفون على هامش المرحلة مدججين بالعجز والتراخي بعد أن فقدوا القدرة على التعبير وبراعة المناورة اللفظية..
ومن المحيط إلى الخليج شعب من الفقراء والشعراء والعاطلين والطلبة والمثقفين والأميين والسحرة والانتهازيين والمغنين والحقوقيين والمارقين والمحللين السياسيين، شعب من الفراغ يحدّق في المرحلة ويتكئ على حائط الانتظار واللامبالاة..
الحرب على غزة من منظور فضائيات الأخبار العربية حلقة أخرى من حلقات التفوق الإعلامي العربي حيث تباع صور الأرامل والثكالى والمحتضرين ويقايض الصمت بالفرجة..
إنها تمرين آخر في إبداع الصورة وإنتاج كمّ هائل من المعارف التلفزيونية الرثة في وقت وجيز.. وهي سباق محموم بين قصفات الصواريخ الصهيونية المتوحشة ومنطق التحاليل الاستراتيجية التي تقبض على الريح وتعيد اختراع الماء والهواء...
والحرب على غزة من منظور المتشائلين قد لا تستدعي كلّ هذا الرثاء، فلئن كانت مدينة من مدن فلسطين على مشارف العدم فثمة على الخريطة أماكن أخرى باقية ولئن كان أطفالها يموتون في المحرقة ويكفنون بالعلم الفلسطيني النازف فإن تقنية التناسل الآدمي قادرة على إنتاج مزيد من الشهداء الأبرار الذين ستكتظ بهم الجنة..ولئن كان الإسرائيليون يستعجلون إبادة القطاع وإحكام القبضة على منطقة الشرق الأوسط لفرض السلام الأكثر تلاؤما مع رؤيتهم لواقع الأشياء والأكثر تناسبا والدور الحضاري والتاريخي الذي يعتقدون أنهم منذورون له فإن حكمة السياسة العربية ونفاذ بصيرة المفاوضين العرب قادرة على أن تزيد في عمر اللحظات الأخيرة وتستبقي الروح قليلا في حنجرة الجسد المريض..
الحرب على غزة من منظور عقلاء هذه الأمة وأصحاب الرأي السديد فيها ليست جزءا من حرب فلسطين ونكبةً أخرى من نكباتها المتعاقبة وإنما هي لمسة ضرورية ليستعيد المشهد توازنه وتخفت حدّة المقاومة التي تشوش على السياق الطبيعي، السياق الذي أعاد الفلسطينيين من الشتات إلى غزة وأتاح لهم فرصة الجلوس إلى جيرانهم الاسرائيليين على طاولة كامب دافيد الثانية وهو ذات السياق الذي بيعت فيه الانتفاضة وأرواح آلاف الشهداء مقابل وعد بالسلام والأمن والكوكاكولا وبهجة الحياة.
الصمت العربي إزاء هذه المعركة الجديدة يدلّ على أن ما تروّج له السياسةُ الأمريكية والصهيونية في المنطقة قد بات أمرا مقضيا... فالمقاومة الفلسطينية ليست فصيلا من فصائل النضال المشروع في الحرب العربية الاسرائيلية وليست جناحا آخر من أجنحة الرفض والعصيان لاسترجاع الحق المغتصب وليست ضرورة من ضرورات التوازن بين قوة السلاح وقوة الحجة المفاوضة إنما هي ومن زاوية الحرص الاستراتيجي العربي على الأمن والاستقرار خطر داهم من الداخل قد يقوّض دعائم الواقع العربي الراهن وطمأنينة الشعوب إلى مصيرها.
الصمت العربي الذي يطوّق غزة ويحمي الصواريخ المتهاطلة عليها يجعل أطفالها وشبابها أعداء محتملين للنموذج السياسي والاقتصادي والثقافي الذي صيغ على مقاس الشعوب العربية. الشعوب التي تطمح إلى السلام بأقل التكاليف وبأسرع السبل حتى إن اقتضى الحال بيع التاريخ ورهن الجغرافيا وإجراء تعديل ديموغرافي بسيط بواسطة الحصار والإبادة يقضي على روح التمرّد والعصيان ويفرض الاستقرار النمطي الذي يقوم على استبدال مفهوم الأمن القومي بأمن الأفراد والهياكل والمؤسسات...
وعبارة الحرب على غزة مناورة لفظية تُجذّر في العقل العربي الشعور بأن غزة ليست فلسطين وأن حرب اسرائيل عليها لا تفسد للودّ قضية وإنما هي أكثر من ضرورية حتى يصوغ الكيان الصهيوني ملامح الدولة التي يفاوضها ويهذب وجهها السياسي بقوة السلاح، والسعي إلى إعادة تشكيل الوجدان العمومي العربي هو لا شكّ أكثر أجزاء المشروع الأمريكي الاسرائيلي الشامل فظاعةً في سياق إعادة صوغ الشرق الأوسط وفق المعادلات السياسية الجديدة.

عدد المساهمات : 897 تاريخ التسجيل : 26/02/2010

Très bien dit
بارك الله فيك على نشر هذا المقال

» حتى لا ننسى فلسطين
» عاشت فلسطين
» معرض فلسطين
» طفل يعرب كلمة فلسطين
» بنت فلسطين : اسْتِسْلام الرُّوح