كمال
عدد المساهمات : 218 تاريخ التسجيل : 02/11/2010
| موضوع: نحو مراجعة العلاقات الخارجية.. ومكانة الطابور الخامس الإثنين 16 مايو 2011 - 11:34 | |
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]إثر مقابلته مع السبسي صرح هنري قينو [Henri Guaino] المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، بأنه تباحث مع الوزير الأول حول أفضل الطرق التي يمكن لفرنسا أن تساعد بها تونس على رفع ما تواجهه من تحديات، وأكد في نفس التصريح بأن “فرنسا مستعدة لمساعدة تونس بكافة الوسائل” [وات]. لا شك أن هذا التصريح يعكس مدى حرص فرنسا على مصالحها في بلادنا حيث أنها الشريك الأول سواء لما يهم التجارة الخارجية تصديرا وتوريدا أو الاستثمار الخارجي أو حتى الديون فضلا عن المساعدات، دون أن تبرر تلك الوضعية أو تشرّع للتدخل الفرنسي في بلادنا التي تختلف في كل الحالات عن جمهوريات الموز. وبقطع النظر عن قبول البعض من النخب في الحكم وحتى في المعارضة القيام بأدوارهم ضمن هذا المنظور طيلة عقود الاستقلال الخمسة، فإن الثورة بمنطقها وروحها جاءت لتنسف هذه العلاقات القديمة، ولتفتح الباب أمام بلادنا للتخلص مما كان مفروضا عليها من اشتراطات وإكراهات وتبعية، وتبوئها بالتالي مكانة جديدة جديرة بثورتها وبما لديها من نخب وما راكمته من مكتسبات. ومن لم يفهم ذلك، فهو لم يفهم الدرس الأول للثورة التونسية. وبالفعل فإن الثورة التونسية فتحت الباب لمراجعة العلاقة بين البلدين على أسس مختلفة، دون أن يعني ذلك نزع التصريح المشار إليه من سياقه الظرفي حيث أنه يعكس من بين ما يعكسه: - الحرص الفرنسي الزائد للظهور بمظهر من يقف إلى جانب تونس ما بعد الثورة، في محاولة لتجاوز مخلفات العلاقات الوطيدة التي ربطتها فرنسا الرسمية، سواء عندما كانت طوع اليسار أو عندما أصبحت تحت اليمين، مع الجنرال بن علي ونظام حكمه طيلة ما يزيد عن عقدين كاملين، ولم تتخل عنه إلا يوم فراره من تونس حيث كانت آخر ما فكرت في إرساله إليه كميات من القنابل المسيلة للدموع والخبرة في تأطير البوليس وتدريبه في مواجهة المتظاهرين. ويمكن القول بأن الدبلوماسية الفرنسية منذ 14 جانفي تحكمها عقدة تلك العلاقات وما لها من مخلفات يمكن أن يكون لها تأثير استراتيجي ذو شأن. - محاولة فرنسا تغطية رفضها “للحارقين” التونسيين الذين دخلوا أراضيها عبر إيطاليا، وقد أقامت الدنيا وأقعدتها بسبب ذلك، حتى وصل الأمر بها إلى المناداة بمراجعة اتفاقية شنغن، كما توترت علاقاتها مع إيطاليا بسبب تفهم برلسكوني للوضع التونسي والسماح للحارقين التونسيين بالعبور. ولا شك أن “المساعدة” التي عبر عنها المسؤول الفرنسي، لا يمكن أن تعني القبول بأولئك “الحارقين” على الأراضي الفرنسية. -سعي فرنسا إلى أن تبقي تونس في مجال تأثيرها السياسي، وفاء لتقليد راسخ يعود إلى بدايات الاستقلال، عندما حسمت الصراع اليوسفي البورقيبي لصالح هذا الأخير. واليوم شعرت فرنسا بأن الثورة التونسية يمكن أن تؤدي إلى مراجعة تلك العلاقة الإستراتيجية في هذا الاتجاه أو ذاك، بحيث يمكنها استغلال الثورة لترسيخ نفوذها ببلادنا. وهنا فإن “المساعدة” الفرنسية لا تعدو أن تكون دبلوماسية لحسن توظيف حضور قمة الثمانية الكبار التي دعيت إليها تونس، بحيث تؤكد فرنسا دورها كوسيط بين الجانبين والضامن لحسن سيرة تونس ما بعد الثورة، مثلما كانت قبلها. وبالعودة إلى موقف فرنسا بعد 14 جانفي، فرغم ما بدا آنذاك من وجودها في التسلل، فقد تولت من منظورها تقديم “المساعدة” التي رأتها صالحة، وظهر هذا من خلال حضورها المكثف في الحكومات المؤقتة الثلاث التي ضختها بعدد من أبنائها المنحدرين من أصول تونسية، أو بواسطة آخرين من الفرنكوفونيين الموجودين على عين المكان والمستعدين لخدمة الركاب، وكأن النخب التونسية بمختلف تياراتها وكفاءاتها وقدراتها غير قادرة على قيادة البلاد أو رسم مستقبلها. بل وكأن هذا المستقبل لا يكون إلا من خلال النافذة الفرنسية. كما أن الحضور الفرنسي وازن في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي، وما كان يمكن لفرنسا أن تحقق تلك المكاسب لولا المساعدة التي قدمها لها طابور خامس انقطعت به الأسباب فسعى بكل ما أوتي من قوة للتمسك بالسلطة والحيلولة دون أن تنجح الثورة في الوصول إليها. ومن هذه الزاوية نفهم الخدمة التي قدمتها له فرنسا بإيجاد متنفس له، عندما وجهت إشارات إيجابية تجاه حركة النهضة التي اكتشفت فيها دفعة واحدة طرفا معتدلا، يمكن الحوار معه. ولا شك أن ذلك يعكس عمق الأزمة التي يمر بها الطابور الخامس، رغم حضوره الهام مؤقتا في مفاصل السلطة. إن إحدى أهم نتائج الثورة التونسية هو أنها ضربت في العمق التوازنات المتوارثة عن العهد الاستعماري، وفتحت الباب أمام مراجعة العلاقات القديمة على أسس جديدة تتجه نحو التوازن واعتبار المصالح المشتركة التي لا تقبل بالخلل بين أطرافها. وإذ نجحت الثورة في زعزعة الاستبداد، فإن الإجهاز عليه يكتمل بإرساء الديمقراطية وتكريس الحرية، ولكن أيضا بتنويع العلاقات الخارجية وتوجيه بوصلتها نحو الدوائر المغاربية والعربية الإسلامية والإفريقية، ونحسب أن ذلك ينسجم تماما مع ما كان لهذه الثورة من صدى عميق في تلك الدوائر القريبة منا جغراسياسيا وثقافيا وحضاريا | |
|